18‏/12‏/2008

إلى مجسد الجمال : أوجست رودين !


عزيزي (أوجست رودين) ..


يشرفني أن أكتب إليك بعد مضي حوالي اثنان وتسعون عاماً على وفاتك (وأرجو أن تعذر لي تأخري هذا ) ..


أفتخر بأني تشرفت بمطالعة تحفة برونزية ولدت على أصابعك ومطرقتك وأزميلك ..

وأسمح لي بأن أختص أحدى تحفك العظمية في موضوعي هذا ..

عزيزي (أوجست رودين) ..

أنا أتكلم عن تمثال يتكلم فكراً عظيماً ، وينطق معاني صامتة ..

تمثال تمثلت فيه أبدع أنواع التمثيل الجسدي والفكري معاً في تماثل وتجانس بديع ونادر ..

(المفكر) ..

هذا اسمه يا عزيزي ..

أو كما سميته أنت ..

أو كما سمي التمثال نفسه !


عزيزي (أوجست رودين) ..

لن أقحم في موضوعي هذا رواسب أفكار قومي عن الفن والجمال خصوصاً فن النحت ! لذلك سأحاول تسمية تحفتك هنا بـ (تمثال المفكر) وليس (صنم المفكر) ..

أيضاً سأحاول إخراس الأفواه الغوغائية من قومي إذا تفوه أحدهم بكلمة (عورة) بمجرد رؤيته لتمثالك .. فنحن قوم معروف عنا بأننا نداري الجمال بالقبح ، ونزين القبح بجمال زائف !


عزيزي (أوجست رودين) ..

لعلك تتفق معي بأن هناك أشياء معينة في عالمنا لا وطن لها ولا حتى لغة أو ديانة محددة ، (النار ، الحب) هما أوضح مثال لما أقول يا عزيزي .. فدعني أضيف لهما كلمة (الفن) في موضوعي هذا ..


(أوجست رودين) ..

دعني أتساءل وأنا أتطلع إلى تمثالك هذا :

كيف ؟!

كيف خلقت من أشلاء البرونز كل المعاني المعروفة لكلمة (فكر) ووضعتها في تحفتك هذه ؟

كيف جعلت معدناً يفكر بهذا العمق ؟

كيف جعلتني أنا أفكر فيما يفكر تمثالك المفكر هذا ؟

بما كنت تفكر أنت وأنت تقوم بصنعه يا رودين ؟

لماذا لم تتم صنعك وتجعل تمثالك يتكلم ويقول عما يشغله لهذه الدرجة ؟

هل تستمع بإغاظتي بتمثالك يا رودين ؟

هل أنت سعيد وأنت ترى الحائرين وهم ملتفين حول (مفكرك) هذا متخذين نفس وضعه ؟؟

لماذا تضيف سراً أخر يعذبنا في حياتنا المعذبة أساساً ؟

من يعطيك الحق – وحدك – في معرفة غموض ذلك التمثال ؟

أأنت فعلاً من صنع هذا التمثال ؟ أم هو من صنعك ؟

لماذا لم تكتفي بعمل تمثال (عروسة بحر) عاري الصدر ؟

هل ضقت ذرعاً بتساؤلاتي هذه ؟


إذن سأشفق عليك عزيزي رودين ، برغم قسوتك أنت علي أنا وعلى ملايين غيري ..

سأسكت أنا الآن ، ودع أنت تمثالك يفكر ..

سألتزم الصمت .. لعل تمثالك يتكلم ..




عزيزي (أوجست رودين) ..

أنا في انتظار ردك ..


وائل عمر !