20‏/7‏/2014

منها .. وإليها ..!

على سبيل الواجب الأبوي ، تموضع إبن جوليوس سيزر (يوليوس قيصر) على حِجر أبيه أثناء أحد الاجتماعات مع قادة جيشه!

النقاش يحتدم بين رجال الحرب الأشداء بطبيعة الحال ، فأصدر الرضيع أمراً عبثياً بريئاً لمثانته الوردية الصغيرة كي تفك أسرها قليلاً اعتراضاً على الصوت الذكوري الخشن والحاد الذي تلتقطه أذناه من حوله .

فوجئ (جوليوس) بالبلل الساخن على فخذه ، فنظر إلى صغيره في حنان احتوائي صادق . بينما انزعج القادة من حوله ، وسارعوا في مناداة الخدم لكي يأخذوا الصغير لكي يعامل معاملة الصحون المليئة بالدهون الدسمة !

بحزم نظر (جوليوس) إلى قادته وقال بابتسامة (غُرفت) من منبع الصدق ذاته :

-        « ما أنا إلا مجرد رجل يحكم العالم كله ، وأمه تعرف كيف تحكمني جيداَ .. وهذا الصغير يحكم أمه ، فاتركوه يفعل كما يشاء! »

(رواية تاريخية بتصرف!)

 

* * * * *

 

في إحدى لقائتنا المختلسة ، كنت ممسكها يدها بكفاي معاً .. أحكي لها القصة السابقة بهيام حقيقي والكلمات تصارع بعضها لكي تخرج من شفتاي لتنتحر عند أذنيها.. وعند أطراف أناملها – الرقيقة – كان قلبها المرهف يدق بجنون ويستغيث في يدي : (توقف قبل أن أتوقف من الخجل!).

لحظتها بدت – هي – أشبه بالعنصر الخام المجهول والذي صنع منه أجمل الملائكة طراً!

بينما كانت ملامحي أنا الحادة والعصبية أشبه بجبل يحاول الطيران ، الجمود والصلافة غشائي خارجياً ، بينما قلبي يصارع رئتاي ليأخذ مكاناً أكبر في صدري لكي يدق .. ويدق !

لن أقول أننا بدونا أشبه بمعالجة ثلاثية الأبعاد ونابضة ومحسوسة لقصة ديزني الشهيرة (الجميلة والوحش) .. هي أجمل جميلة حقاً .. لكنها صنعت مني أجمل وحش!

 من دون أفكر في لومها يوماً ، اقربت شفاي على ظهر يدها لتطبع قُبلة حانية اختلجت فيها أنفاس حبيبتي ، وعقلي الأرعن يصرخ من نيران الغيرة : (كيف لظهر يدها بأن يكون أكثر نعومة من شفتاي؟!).

 

* * * * *

 

عن مناسبة القصة السابقة ؟!

حسناً .. كنا في نقاش جدلي هام – لا يهم أحداً سوانا – تهامسنا .. وكنت متشبثاً برأيي بضراوة أسد جبلي ولد سفاحاً من أنثى قرش  رمادي مع نمر نيبالي مرقط!!

وبهدوء منها أشبه بقدوم الليل انسال رأيها القانع .. فاقتنعت وامتثلت .. ثم خجلت !

وحاولت – هي – أن تدحر خجلي بحكم كوني ذكراً في مجتمع شرقي شمولي .. وفندت الأقاويل بأن قد يكون رأيها – الاجتهادي – مجرد رأي منها ! بينما قلبي يشق صدري لكي يهرع إلى حضنها الأنيق ، كان عقلي يرتدي تاج وجودها جواري على جسد عاري ، رغم ذلك شعرت بالدفء !

فلم يتذكر سوى القصة السالفة الذكر !

وكم يقتلني أنه لا يمكنني بأن أكرم عريني بحروف أسمها . بحكم عورة أسماء الإناث الشرقية ، وأنه لا يليق بأحد أن يعرف أسم زوجتي سوى المأذون وموظفي السجل المدني والشهر العقاري .

على أية حال لا يهمني أي شيء طالما أنا بجوارها وهي كل ما حولي .

هذه فعلاً هي أنعم نعمة أنعمت علي.

 

* * * * *

 

استكمالاً للقصة المذكورة في بداية الموضوع ، قامت (ريهام) بسرد القصة لصديقتها الصدوق أمامي بشغف طفولي مليء بالفخر .. لذا خرجت منها القصة مشوشة مضعضعة بينما صديقتها تنظر إليها باعتباط مستسلم كأنها تسمع عن مباراة نهائي كأس (باليه مائي) تدور أحداثه في صحراء (نجد) الرملية!

 الصديقة المذعورة كانت تنظر إلى (ريهام) زوجتي بنظرات الحسرة على ماضيها وحاضرها ومستقبلها المحصور بين براثن مجنون أخرق مزعوم مثلي .. بينما أنا أجاهد صدقاً لكي لا ألعق عقلها بلساني كي أمسح هذا الانطباع عني ، جاءتني فكرة هذا الموضوع لأكتبه وأنشر الجزء المفقود من القصة – كاملاً – لأبرئ ساحة حبيبتي ومليكتي وأميرتي ومجنونتي (ريهام) ..

ربما هو نوع من رد الجميل لأجمل جميلة أجملت جمال جمالي أنا .. فكم عانت – هي – لكي تصنع مني سحابة قطنية صيفية جميلة ، وكنت أرد عليها بصواعق جنوني وقسوتي وحماقاتي ..

ريهام .. قد أكون بجوارك (ذكراً) كثيف الشعر خشن الصوت سابحاً بين قواميس الهمجية الشرقية .. لكنك بجواري ملكة تحكمينني جيداً .. وطفلة صغيرة تحكم تحكمك علي ..

وهذا يا حبيبتي شرفاً لي .. وتاجاً على رأس رأسي أفخر به.

أعذريني على صغائري وأشواكي الشرقية .. واقطفي مني – كل ما تجدينه – من أشواقي الشرفية ..

وأما عن صديقتك .. فلها أن تقتنع بالجزء المفقود من القصة ! أو تضمنا إلى سابع المستحيلات أو ثامن العجائب .. فلا يهمني شيء سوى: رضائك أنت عني .

بمناسبة الجزء المفقود و(جوليوس سيزر) .. هناك قصة أخرى أردفتها مباشرة بعد القصة الأولى في أذنيها ، ولكن حبيبتي سهت أن تحكيها إلى صديقتها الفضولية لعدة أسباب ليس من شأنكم أيضاً ، لذلك قررت بأن يكون (جوليوس سيزر) هو خاتم الأوفياء هنا:

 

* * * * *

 

كان العظيم (جوليوس سيزر) مع حبيبته في خيمته في نهار صيف قائظ الحر ، كان يهمس في أذنيها بما يليق بأعظم رجل على (ظهر) الأرض – وقتها – لمن تستحق عشق أعظم رجل على (وجه) الأرض .. في اعتراف منه عظمته هو بعظمتها هي ..

وبينما هو يدغدغ أنوثتها بصدق شعوره وأحاسيسه تجاهها بلهيب العشق الجارف لا الحارق ، تذمرت هي بنعومة أنثوية موروثة ومدروسة قائلة:

-        « حبيبي (جوليوس) .. أطلب منك بأن تغلق فتحة الخيمة من وراء ظهرك .. فأنا لا أراك من نور الشمس الحارق .. لا تجعل الشمس بأن تمنعني من رؤية حبيبي »

انتفض (جوليوس) وهب واقفاً بذكورة عاشق غيور من نور الشمس وقال في عظمة حانية:

-        « حبيبتي .. أنت الآن في حضن (جوليوس سيرز) الذي يحبك .. فلا تطلبي منه بأن يسد – مجرد – فتحة في خيمة .. أطلبي منه بكل كبرياء بأن يطفئ – من أجلك – الشمس ذاتها .»

(رواية تاريخية بتصرف!)

 

6‏/7‏/2014

خليفة .. عبث .. ولعنات!

10409631_797035750315007_2117327008222098049_n

الكويئن (تصغير كائن) اللي في صورة ده المفروض أنه يكون الخليفة بتاعي (بحكم أني اتولدت مسلم وكدة!!) .. كان بيخطب الجمعة في جامع بمدينة الموصل في المخروبة اللي أسمها (العراق).. 

طبعاً واضح جداً في الصورة السماحة اللي طالعة من وش دين أمه !! بس مش دي قضيتي .. 

اللي بحاول أفهمه هو:

 

·         هل بحكم أني أتولدت مسلم (بالوراثة) يبقى أتحمل وجوه مثل وجه دين أم فضيلة الشيخ (أبو بكر البغدادي) وعادي كدة؟!

·         - المفروض أبرر لغيري ، وأسمع تبريرات غيري عن القتل العبثي واللا إنساني اللي بتقوم بيه جماعة وسخة زي أوساخ (داعش) واللي كرهوني بمعنى الكلمة في كلمة (الله أكبر) ومش حتكسف أني أقول أني بجد مش عايز أسمع الكلمة دي تاني واللي يحصل يحصل !!

·         هل ممكن يجي يوم وأشوف أبن أخويا يتضرب بالرصاص وعلى راسه كيس زبالة أسود ، أو أشوف حد قريب مني بيتدبح مش عشان حاجة هو عملها ، لأ .. عشان هو ورث شوية معتقدات (من ضمنها دينه خصوصاً لو كان شيعي أو مالوش فيه أساساً )؟!

·         هل ألغى فضيلة دين أم الشيخ اللي في الصورة ده كل صلاحيات واجد الكون والإله الأوحد ، وقرر هو يعاقب البشر عوضاً عن الإله؟!

·         هل يشرفني أنا - بصفتي أنا الإنسان - أن تكون خانة ديانتي في بطاقتي الشخصية نفس ديانة دين أم فضيلته؟!

·         هل يجرؤ أي عاقل أن يتبع تعاليم دين أم سماحته باقتناع دون أن يخاف من طلقات رصاص دين أم أتباعه في رأسه أو يتخيل خرشفة سكين حاد يمر على قصبته الهوائية ، أم يلجاً للخوف والصمت والانقياد والانضمام للقطيع في صمت مغلف بالجبن ومحشو بغريزة بقاء جديرة بفئران ارتضت بالعيش في بالوعة مجاري في العشوائيات؟!

 

عايز أقول كلام كتير وتساؤلات أكتر .. بس اللي بيسبق كل ده هو شوية لعنات حقولها على السريع لفضيلة دين أم مولانا خليفة المسلمين (أبو بكر البغدادي) :

دين أمك على دين أبوك .. على دين أبو أمك على دين أم أبوك ..

على دين أبو دينك .. على دين أم جماعتك وخلافتك .. على أبو دين أم خطبة الجمعة بتاعتك .. على أم دين أبو جاهد نكاحك ..

وائل عمر.

 

28‏/6‏/2014

ببغائيات..!

عن (العرق والقيظ والعطش) المنتظر طوال ثلاثين يوم قادم !

عن الزمن الصريع والانتظار المريع والصبر الفظيع وأهمهم : الانقياد وراء القطيع !

عن (رمضان) أتحدث ..

ذاك الشهر – القمري – المدلل والذي يحظى ثلاثين يومه بالدلال في الشرق الأوسط البائس، ولا ينافسه أي شهر أخر على هذا الكوكب من حيث كم الاستعدادات الروحانية والدينية والاجتماعية والمادية و .. و .. الخ.

وإذا مارست هنا عادتي المجنونة والدؤوبة في الخروج من الدائرة ، سأتكلم عن (رمضان) بطريقة لن تعجب الكثيرين وقد يبدو كلامي استفزازياً لأقصى درجة ، وربما بالغ البعض وتحمس وتشدق باتهامات معلبة بالهرطقة والعربدة والتجديف (والتي تعودت عليها لدرجة السأم!) .. لكن قلمي المشاكس العنيد سينطلق من كبته ، وينز حبراً يحوي أفكاري المكبوتة :

س1 : هل ستصوم (رمضان) هذا العام؟!

ج1 : السؤال في حد ذاته هو مجرد عادة فضولية غير جادة ، ليس من المناسب أن أجيبك بـ (لا) مهماً بلغت درجة وقاحتي ، أنت تسأل وتتوقع (إن شاء الله)! ولا مناص من أي إجابة حقيقية من جانبي ، حديث سخيف وممل يمكن تصور حدوثه بين (جوارب النايلون) لو تمادينا في التخيل لدرجة اللانهائية ! أعتذر عن إجابتي لسؤالك ! ولو أنني أدرك أن اعتذاري ذاته غير متوقع لك بالمرة ، وربما نهشت عقلك الأفكار التحريضية والتكفيرية !! ( أعمل لك أيه طيب؟)

س2 : ماذا يمثل لك رمضان هذا العام ؟

ج2 : لو كان هذا السؤال موجه إلي بحكم مولدي في بلد عربي تشرب في طفولته بالكثير من العادات السيئة والجيدة ، والهمجية والمتحضرة ، فإجابتي ستتشابه مع إجابة أي سجين في جدار زنزانته الباردة والمقفرة ، قبل أن تسألني عن شهر قمري ، أسمح لي قبلاً أن أسألك عن أحدى عشر اخريات في ذات السنة : ماذا يمثلون لك؟ ثلاثون يوماً من ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً ! أما إذا كان السؤال موجه إلي بحكم أنني إنسان ، ستفاجئك قمة التواضع عندي لأنني سأعطيك أرقام تليفونات عدة أصدقاء لي في كندا وأستراليا واليابان وفنزويلا وأمريكا ، يمكنك محادثتهم بمعرفتك وتوجيه ذات السؤال لهم .. بعدها يمكنك العودة إلي وسأحاول ألا أتهرب من سؤالك بطريقة ماكرة كعادتي الخبيثة (شخشخ جيبك في المكالمات الدولي ، وخلي بالك أن الناس دي مش بتعرف تتكلم غير لغتهم الأصلية.. وأساساً أساساً هما معظمهم ملاحدة !!)

س3 : ناوي تعمل أيه في رمضان السنة دي ؟!

ج 3 : بغض النظر عن الهروب من الإحساس بالحر والعطش بالوسائل العصرية الحديثة (النوم في التكييف أغلب ساعات النهار) ، ومصادقة ريموت التلفاز ليلاً ، أو الخروج للولائم والعزائم عند الأهل والأقارب ، أو مؤانسة أصدقائي الأوغاد والتندر بأي المسلسلات التليفزيونية أفضل وأي البرامج لها أولوية المشاهدة ! ونهاية اليوم حتى السحور في خيمة رمضانية .. فلا شيء جديد يضاف لهذا الرمضان عن سابقه .

س4 : هل هناك أي بادرة دينية منك خلال هذا الشهر ؟!

ج 4 : تحدثني عن الدين ؟! إليك الحقيقة : أنت لا تعرف أي دين من الأساس ! نعم .. كراهيتك للأديان الأخرى ومتبعيها وتسخيف تعاليم الآخر ، ثم تتشدق بما أتاك ولا فضل لنفسك عليه به ، ثم تسألني أنا عن بوادر دينية خلال شهر ما يقاس بـ (دبشة) عملاقة في الفضاء تسير راضخة خاضعة لجاذبية الأرض ، لا عزيزي .. لا توجد لدي أي نوايا ولا بادرة دينية هذا العام على الأقل .. لأنني تحررت من عبوديتي لعبوديتي ، وأدرك تماماً بأنني سأصل إلى الحقيقة ذات يوم . حتى ولو اقتربت من المماس الرقيق لأبواب الحقيقة ! بينما أنت قابع في مكانك ، ولا نية منك لإدراك أن ربك لا يحتاج بوادرك الدينية المؤقتة ولا تنكرك العقائدي في ثلاثين يوماً .. بالمناسبة : من أعطاك الحق لتسألني كل ما سبق ؟! هل هي سخافات مجتمعك الهمجي ؟! أم هي مجرد أشياء تنقاد إليها بلا عقل مثل أمور حياتية كثيرة تقوم بها بلا عقل أو وعي جاد منك (حاول أن توسع دائرة مغزى كلامي أكثر وأكثر .. هناك الكثير بين السطور في كل ما سبق)!.

- ماشي يا سيدي ، مفيش أسئلة تاني ! بس بجد ربنا يهديك من اللي أنت فيه .. و رمضان كريم .

- أمممم .. متشكر !!

1‏/2‏/2014

صحوة ..

 

-         «وماذا بعد ؟!»

قالتها هي بصوتها الطفولي الناعم ، وأنا أنظر إلى السقف – كعادتي – وحاجبي الأيمن يعلو كثيراً عن شقيقه الأيسر .. !

-         «نعم .. ماذا بعد ؟!»

قلتها وأنا أخرج عارياً من بحر شرودي ، وأحاول أن أتدثر قليلاً برمال شواطئ الواقع !!

وماذا بعد يا عزيزتي ..

جلست أمامي ترمقني بعدما أهدت إلي حيرتي علامة استفهام بكل بساطة .. وتتوقع أن أرد عليها بطريقتي الساخرة المعهودة ..

فأنا مجنون وأعترف بهذا ..

وهي همست مراراً في أذني بأنها – هي الأخرى – مجنونة ..

يا لها من مجنونة حقاً !!

شتان ما بين جنونك وجنوني يا عزيزتي الحمقاء ..

أنتِ ؟!

أنتِ فراشة جميلة حائرة ، وتملكين فضول قطة مشاكسة ..

عيناك الحالمة تنظر للحياة على أنها (حديقة ورود لا منتهية ، تستحق أن تشم – باسترخاء – كل وردة فيها ) ..

بينما أنا كئيب (السحنة) ، غاضب وثائر دوماً بلا سبب ، وأتمتع بدعابة ثقب أسود منسي في الفضاء السرمدي ..

ونظرتي للحياة على أنها صحراء كئيبة تحيط بها صحراء أكبر .. وأنا فيها مجرد جبل وحيد !!

ربما ردد هذا الجبل – فيما بعد – كلمتك المأثورة ..

نعم .. وماذا بعد ؟!

تلومني عيناك أكثر ، وتصرخ بكل نعومة (فراشية) :

-         « أحمق .. أنت مجرد أحمق أخر مثلهم ..  يا عزيزي عهدتك – دوماً –  جبلاً شامخاً تهوى مضاجعة السماء بعليائك ، فهل اكتفيت بصراخك مثل الأطفال من مضايقات السحب اللزجة على هامتك ؟! هل صار (أمير الجنون) مجرد متسول للشفقة ؟! ألم تكن هوايتك مداعبة السحب حتى تتفتت أمطاراً عبثية تتناثر هنا وهناك ؟! ألم تعترف لي أنك كثيراً ما تستسغ الرقص تحت المطر ؟! أين ذهب أميري بداخلك ؟! ما صرت أرى إلا أحمق ضعيف . »

أتلقى اتهام عينك بابتسامة ملؤها الانكسار ، وأقاوم ملياً لكي لا أنام بوضع جنيني متكور أمامك ..

أحمق؟!

حتى أنتِ تصفيني بالأحمق ؟!

وجدتني – رغماً عني – ابتسم مرة أخرى بسخرية لا تليق بالموقف ، وجذبتها عنوة من يديها .. عيناها المذعورة بدأت في الصراخ الصامت !!

شهقت هي بلهجة (قطة متحفزة) .. ونظرت إلى عيني بترقب جلي !!

(وماذا بعد ؟!) ..

هذه المرة تساءلت هي بصمت صارخ ..

وانتظرت ردة فعلي كإجابة على ملخص تساؤلات الكون بالنسبة لها في هذه اللحظة ..

وفوجئت بشفتاي تجيب عن كل علامة استفهام تدور ما بين أذنيها ..

قبلة عميقة تقابلت فيها شفتان خائفتان بأخرى ثائرتان !!

إنها اللحظة الذي يتفاجئ فيها نجم حائر ببراثن بثقب أسود قابع في الفضاء الأزلي منذ ولادة العدم ذاته ..

أو لحظة لقاء صامتة دارت على سطح وردة غنت طرباً لاستقبال حُبيبة لقاح طال وصولها ..

ربما نفس شعور سمكة صغيرة منكفئة على جانبها وسط بحيرة أوشكت على الجفاف ، بينما يرتطم على جلدها الجاف نقط متواضعة تبشرها عن هطول سيل عرمرم في القريب العاجل ..

 

ترتعش عيناك من نشوة القبلة التي ولدت فجأة بلا أسباب ، ثم قررت أن تتحدى الموت المباغت لأي نشوة ساخنة تدور على سطح شفتيك الملساء  !

وأنا ؟!

أصابني الخدر وأنا أرتشف عبير أنفاسك الدافئ كغريق متعثر وجد مصادفة الينابيع المجهولة للنسيم في بحر أهوج متلاطم الأمواج ..

وأزيح بقدمي جثمان الزمن الذي خر صريعاً تحتنا .. فصارت اللحظة دهراً أبدياً تدوم حتى ما بعد الأبد .

وقرر المكان أن يتنازل لنا عن مكانته ، فصار هو مجرد تابع ورائنا يسير ما بين طرقات العدم الهادئة إلى زحام اللامكان ..

وحدنا نحن من نحدد متى نفض الالتحام ..

ومتى نقرأ شروط معاهدات الاستسلام ..

عندها – يا أميرتي – أضع سبابتي على شفتيكِ لكي أضع حداً لأنفاسك اللاهفة والمتلاحقة ..

وأهمس بأذنك التي تحولت إلى وردة ربيعية حمراء :

-         « لا تقولي – أبداً – على أميرك أنه أحمق وضعيف .. »

وإن همست عيناك مرة أخرى نفس السؤال الأبدي :

« وماذا بعد ؟!»

فأني رسمت على شفتيك لوحة من ألوان جنوني إجابة بسيطة عن (ما هو قبل) ..

في القريب العاجل سيأتي ما هو أكثر ..

ثقي تماماً من نظرتي هذه ..

لأنك ستعرفين حتماً ما هو الـ (ماذا بعد ..) !!

 

 

25‏/1‏/2014

.. وماليش نفس أكتب !

 

ساورني شعوراً مفعماً بالحنين بعدما انتهيت من كتابة اسم المستخدم وكلمة السر الخاصين بموقع مدونتي العزيزة: (عرين الغضب) ..

أكثر من عاماً قد مضى وقد أهملتها وتركتها بفتور .. وحيدة مهملة وسط الكون الرقمي الذي يدعى (انترنت) !! تذكرت كيف كان ينبض هذا المكان من قلب أفكاري، ويسري بسلاسة في أوردة مواضيعي المختلفة ..

نعم .. كانت هنا صولات عديدة متواضعة إلى حد ما ، لكنها خرجت مني بمنتهى الفخر !!

فهذا أنا .. في كل حالاتي !

فجأة .. راودتني ذكريات بداية دخولي لعالم التدوين في أول عام 2008 .. كنت سعيداً بالتنفيس عن مكنوني في وحدة وخصوصية رضيت بها .. لم اهتم كثيراً بالشكل العام للمدونة على قدر سعادتي بولادتها (قديماً كانت الخلفية صفراء اللون وحروف الكتابة باللون الأزرق وخط يرهق العين) ..

كانت البداية باللغة العامية .. لغتي الأم (افكر وأحلم وأتخيل بها) .. لذلك كنت أكتب كما أنطق ، إلا أنني وجدتني مقيداً بحكم تعقيدات اللغة العربية السخيفة ! فأنا مصري الجنسية ، لكنني عربي اللغة !! وهناك تعارض فادح ما بين ما أنطقه في حواراتي العامية وبين ما أكتب واقرأ .. لذلك وجدت صعوبة في تحويل صيغة مستساغة في الكتابة متمردة على قواعد الفصحى ، وتشمل نكهة لغتي المصرية !

وقد بدأ الأمر بالتدريج ، ومع الوقت تملكت أسلوبي الحر في الكتابة كما ارتضيه أنا .. واللعنة على كان واخواتها ولتحترق أن ونصبها ومجرورها ومبتدأها وخبرها في ثلوج القطب الشمالي !

كنت أكتب وأكتب كما أنه ليس لدي شيء أخر في الحياة .. كنت أشعر بالعظمة في أحوال كثيرة مرضياً بالشكل النهائي لفكرتي ، وهذا ما لن يمكنني انكاره ! هذا هو شعوري الحقيقي ولا زيف فيه.

ومع الوقت بدأت عزلتي تنحسر عني ، بدأت العيون الفضولية تزورني بتواضع أول الأمر ، ثم بصفة مستمرة واعتيادية بعد ذلك .

لعله أمراً أربكني كثيراً ، فأنا عابد متبتل للعزلة ! لا أهنأ إلا وقد تكور على يميني الهدوء ، وعلى يساري تجسدت الوحدة .. هذا هو كوني الخاص الذي ارتضيه ولا شيء سواه !

صداقات كثيرة مع الغير قد انهمرت علي من خلال هذا العرين .. إلا أن معظمها قد اندثر وتلاشى بسبب تعقيدات اجتماعية تشوبني أنا وترفض رفضاً باتاً الاحتكاك مع الغير لفترة طويلة ..

وقد انفض السامر مؤخراً .. فقد تخليت عن كل شيء ، وتخلى عني كل شيء .

ليس لدي إلا أن أعيد تكوين ذاتي من جديد !

لدي ما يكفي من الوقت للتعبد في محراب عقلي محاولاً كسر جمود أغلال وقيود تكبلت بها أفكاري ، ربما تساقطت أمطار الروتينية المجتمعية خارج جمجمتي ، لكن – حتماً – لا مجال لها بالداخل مطلقاً ..

سيخرج مرة أخرى الغضب من عرينه .

سأكتب ..

وأكتب .. وأكتب .

سأتشبث بكل ما أوتيت من طاقة لكسر لافتة معلقة داخل تلافيف عقلي مكتوب عليها :

"وماليش نفس أكتب "

17‏/5‏/2012

الخروج من الشرنقة .. (5)


ذهب واعظ إلى أحدى حانات البلدة الشهيرة بالمجون، وأخذ يصرخ في الحضور :
-         « توقفوا أيها العصاة ، كفوا عن فعل الخطيئة بلا مبالاة أو اكتراث لعقاب الرب ، فالويل لكم من انتقام الرب .. الويل لكم من نقمة الرب ..»
إلا أن أحداً من مرتادي الحانة لم يلتفت إلى ما يقول ..
فعزم الواعظ على معاودة الكرة مرة أخرى :
-         « أيها الحمقى ، لازال لديكم الفرصة لتفروا من براثن الشرور لتهنئوا بنعم الفردوس .. أخرجوا من هنا .. فقط أخرجوا بينما نعم الرب متاحة ..»
قاطعه مالك الحانة وساقيها في صرامة قائلاً :
-         « أنت هناك ، توقف .. ما هذه الحماقة التي تقوم بها هنا ؟! »
أنفعل الواعظ أكثر وأكثر وهو يخاطب الساقي:
-         « أنت؟! .. وهل تجرؤ على مخاطبتي يا رسول الخلاعة والفجور ؟!»
-         « تأدب أيها الرجل ، وكن جديراً برصانة ردائك الوقور .. ما الذي جاء بك إلى هنا ؟! »
-         « جئت كي أخلص هؤلاء الضحايا من شرورك أنت وسيد الظلام الأبدي .. أستاذك .»
-         « أي خرف تقوله أيها الرجل ؟! هل جئت إلينا من الحانة المجاورة بعدما بلغ السُكر غايته مع عقلك ؟!»
-         « بل جئت أقود خراف الرب الضالة إلى حدائق النعيم .. حيث من المفترض أن يرتعوا .»
-         « حسناَ .. أنا أتفهم موقف وهدفك .. لكن سلطة الرب انتهت عند باب هذه الحانة .. ولا سبيل لك مع هؤلاء القوم ها هنا .. أنهم لي وحدي .»
-         « ماذا تقول أيها المجدف ؟! كيف يجرؤ لسانك على التفوه بكل هذا الخرف عن الرب .. ألا تعلم من هو الرب ؟! »
-         « بل أنا أعلم من هو الرب أكثر منك ومن أمثالك .. وطيلة حياتي وأنا أدرك كل من جاء إلى هنا قد أتى باختياره وبإرادته .. لذلك لن تفلح محاولاتك في إخراجهم من هنا . »
-         « هذا لأنك تمنعني عن أداء واجبي نحوهم .. »
-         « حسناً .. تحدث معهم كيفما شئت ، وسأصمت أنا ريثما تنتهي من أداء " واجبك " هذا ..»
استغل الراهب الفرصة السانحة ، وهرول في لهفة إلى الجموع القابعة في الحانة ، وأخذ يتكلم بأسلوبه المعتاد مع الناس .. لكنهم كانوا سكارى هنا ، لذلك كان رد فعلهم الوحيد هو عدم الالتفات إلى ما يقول .. بعضهم تمادى وأخذ يضحك من كلام الواعظ في هيستيريا ..
هنا جن جنون الرجل .. وأخذ يكيل لهم اللكمات الحانقة ، والناس يضحكون أكثر وأكثر على ما يفعله ..
وعندما أدرك الواعظ عبثية محاولاته ، توجه إلى الرجل الوحيد الواعي في تلك الحانة : الساقي .. الذي قابله بابتسامة شامتة قائلاً:
-         « أرأيت ؟! »
-         « لكنهم دائماً ما يستمعون إلي كل صباح .. ما الذي يحدث إليهم في الليل ؟! »
-         « هناك فرق كبير ما بين الاستماع والإنصات ، لقد كانوا يستمعون إليك لكنهم لم ينصتوا .. ولم تشجعهم أنت يوماً على الإصغاء .. لقد حولهم أنت وأمثالك إلى دمى بعقول مؤقتة ، حالما يأتي الليل فأنهم يهرعون إلى حانتي هذه .. مجيئهم إلى هنا هو مقياس فادح على فشلك أنت .. بل تمادى بك الفشل وحاولت بحكم العادة الآن أن تتكلم مع أذانهم – كعادتك – بينما عقولهم تسبح في غياهب التيه .. أنهم ليس دمى أيها المسكين .. والدليل هو ثرائي أنا ونفوذي .. »
-         « إن كان الثراء غايتك ، فدعني أعقد معك بصفقة رابحة لي ولك .. سأعطيك الوفير من المال في مقابل أن تغلق حانتك هذه .. سأعرض عليك ضعف الثمن .. فما رأيك ؟!»
-         « لا تدع الحمق والغباء يركبانك أيها الرجل .. أموالك هذه مصدرها صناديق النذور ، وهؤلاء الناس هم من يقومون بدفعها في الصباح اعتباطاً .. فلا تحاول أن تخدعني بعرضك هذا .. وإلا لقمت أنا بخداعك واستثمرت هذا المال في افتتاح حانتين أخرتين.. لا تقم – أبداً – بدرء مشكلتك بمضاعفة حجمها ! »
أنهار الرجل على طاولة الشراب .. ولأول مرة في حياته الزاهدة يدرك فداحة وثقل عبء مهمته ..
ولأول مرة في حياته ينظر إلى مرتادي الحانة على أنهم ضحاياه هو ..
أرتجف الرجل من هول الفكرة ..
وخيل إليه أن باب الحانة هو منفذ لحصن منيع يصعب الخروج منه ..
نظر بانكسار إلى ساقي الحانة الذي انشغل بتجفيف الكؤوس بفوطة كانت موضوعة على كتفه ، وحينما تلاقت أعينهما .. انهمرت شلالات الشماتة من عين الساقي بما لم يقدر على مواجهتها ..
فانكب الواعظ على ركبتيه في وسط الحانة وأخذ يصلي في خنوع وضعف:
-         « أبانا الذي في السموات .. أمنحني القدرة كي أتحمل بلائي وهي نفسي .. من مأثمي أغسلني .. ومن خطيئتي طهرني .. من شرور نفسي أنقذني .. أنر طريقي واجعلني مرآة لنورك كي يراه من هنا .. فليتقدس اسمك ... »

10‏/4‏/2012

الطريق من اللاشيء .. إلى كل شيء..!


في تردد ووجل ، ذهب أحد الشبان التعساء في الحياة إلى حكيم زاهد يسكن في بقعة معزولة عن التحضر السائد في مجتمعه .
وعندما تقابلاً .. اغرورقت عين الشاب بالدمع وهو يتكلم أمام الحكيم في تأثر جلي:
-          « أيها المبجل .. لقد ذهب مني طعم الحياة ! أنني أحيا لمجرد أني حياً ، لكن دون أن أحيا حق الحياة .. البؤس هو طريقي ودربي .. ويفترش الأبدية بلا نهائية أمامي ، والفشل والاحباط هما الماضي الذي يطعنان ظهري .. بينما الحاضر هو مجرد هوة سحيقة تحاصرني وتلازمني في كل وقت .
والناس من حولي هم أعداء في حالة استعداد ، كلما تلاطفت مع أحدهم وصادقته ، كلما كانت طعنته نجلاء ودامية بلا دماء ..
وحتى عندما أقرر الاختلاء بذاتي بعيداً عن الناس ، لأجد أن ألد أعدائي هو أنا !
أما الغضب .. فهو ذاك الوحش الكاسر الذي يتربص لي في كل مكان ، رابضاً ما بين النور وظله .. يفترش السماء والأرض .. نظرة واحدة من عينيه المخيفتين كفيلة بذبح كل جنين أمل ينمو في رحم الحياة .
سيدي .. ما عدت أفهم السبب في الحياة .. لقد تشاركت أنا وكل ما حولي في اغتصاب هذه الغريزة !
وجئت إليك لكي تدلني على طريقة تعضدني لكي أبقى على حياتي ؟! »
بمجرد أن أنهى الشاب كلامه ، مط الحكيم شفتيه في فهم عميق .. وظهرت ملامح الحكمة الدافقة في وجهه ، ومن عيناه تأجج بريق خاص وغامض .. ثم تكلم ببطء قائلاً ..
-          « يا لك من مسكين وجاف ، أنت ببساطة أحمق أعمى قابلته منذ زمن بعيد . »
-          « ما الذي تفوه به فمك أيها العجوز المخرف ؟! أهذه هي طريقتك في الرد على طلبي ؟! بإهانتي ؟!»
أبتسم الحكيم .. ثم أردف في ود حقيقي:
-          « أعذرني أيها الشاب ، لكنني لست معتاد على مخاطبة الناس ، فأنا لم أخالطهم منذ أمد طويل .. لابد أنك متعب من رحلتك لكي تصل إلي .. هل يغمرك الجوع ؟! »
تعجب الشاب من أسلوب العجوز الغير متناسق في مجراه ، لكنه نسى الإهانة بمجرد ذكر الجوع .. فقد كان جائعاً لدرجة أن معدته تصرخ لاعنة وسابه من فرط جوعه بدون حياء أو تحفظ .
-          « في الحقيقة أني جائع جداً .. لكني لا أريد التطفل عليك في أول لحظاتي هنا ..»
-          « بل هذا هو حقك يا بني ، وأرجوك أن تكف عن سخافات الرسميات ، فهي أشد ما أكرهها في لقاءات الأخرين مع بعضهم ..
لا تتوقع الرفاهية هنا على أية حال .. فلا يوجد لدي مصدر للطعام هنا سوى نخلتي العزيزة .. يمكنك تسلقها واحضار ما يحلو إليك من تمر .. »
نظر الشاب إلى طول النخلة الشاهق ، فبدت على ملامحه علامات التفكير والتردد .. ثم سأل الحكيم :
-          « وأنت ؟! ألن تأكل معي ؟!»
-          « لا .. فقد تناولت هذا الصباح خمس تمرات ، وهم يكفونني حتى اليوم التالي .»
-          « غريبة !! على أية حال يمكنني التقاط بعضاً من التمر المتساقط على الأرض طالما سأكل وحدي»
-          « كما شئت »
ذهب الشاب لينتقي التمر من الأرض ، بينما يرمقه العجوز في نظرة عميقة تحوي شيئاً من الاستنتاجات ، لقد أدرك لتوه عيبا رهيباً في سلوك هذا الشاب ..
لكنه آثر الصمت في حكمة وتروي .

* * * * *

بعد انتهاء الشاب من سد حناجر جوعه ، جلس بجوار العجوز توطئة لبدء حوار يحوي خلاص خبراته في الحياة .
إلا أن الحكيم أشار له بكفه لكي يصمت .. فصمت الشاب .
ومرت اللحظات ..
والساعات ..
والحكيم صامتاً كالظلال ..
والشاب ينتظر .. وينتظر ..
حتى بلغ الملل مداه مع الشاب .. وقرر قطع الصمت القابض هذا في عصبية قائلاً:
-          « لقد قاربت الشمس على المغيب .. وقريباً ما سيأتي الظلام علينا ، وأنت تجلس هكذا شاخصاً بعينك إلى حيث لا أعلم .. هل قررت أن تفعل شيئاً بدلاً من صمتك المزعج هذا ؟! »
أدار العجوز عينه ببطء نحو الشاب ، وابتسم في هدوء ، ثم قال :
-          « هل كنت تراني صامتاً طيلة الوقت ؟! عجباً ..! عموماً أنت محق .. فقد جاء موعد نومي .. أتمنى أن أراك غداً أفضل مما رأيتك اليوم .»
صعق الشاب من رد وفعل الحكيم ، إذ رآه يتمدد على الرمال ببساطة متخذاً وضعاً النوم بعدما أنهى عبارته السابقة !
وتمتم ساخطاً وهو يلعن سوء حظه الذي أودى به للجوء إلى رجل مخبول يطلب من المساعدة ..
وحاول التمدد على الرمال بجوار الرجل لكي ينام هو الأخر .. فقد كان متعباً ومنهكاً من السفر إلى حيث يوجد الحكيم ..
إلا أن الرمال والذباب أخذا منه جذوة الولوج إلى عالم الأحلام .. فأخذ يشيح بيديه بعصبية محاولاً ابعاد الذباب عنه .. حتى وصل به الحال إلى البكاء من شدة الغيظ والحنق ..
بينما تنفرج شفتا الحكيم بجواره عن ابتسامة خافتة وسط الظلام الحالك.

* * * * *

في صبيحة اليوم التالي استيقظ الشاب من نومه عكر المزاج .. بينما قسمات الارهاق تتماطر على وجهه في وضوح ..
وحينما أبصر الحكيم جالساً أمامه .. قام من رقدته في خمول وتوجه إليه ..
رمقه الحكيم صمت ، ثم أشار الشاب إلى وجهه في حركة دائرية فهم منها العجوز أنه يسأل عن ماء لكي يغسل به وجهه .. فبادله الحكيم الصمت وهو يشير إليه حيث يوجد البئر ..
حينما عاد الشاب من البئر .. بدا منكسراً ومهيضاً وهو يجلس أمام الرجل رامقاً الأفق وهن .
في صمت تأسف الحكيم لحال الشاب .. فقال مشجعاً :
-          « لا تستسلم يا بني .. أكثر من صمتك ، فهو كفيل بشفاء الروح .. لتكن شفتيك هي ما تصمت فقط .. وتكلم أنت مع ذاتك ، وروحك ، جسدك ..
     الكثيرين من الناس لا يدركون الفرق ما بين الذات والروح والجسد .. هناك من كانت أرواحهم هائمة ومبعثرة بداخل جسدهم .. وكثير من الأجساد كانت ذليلة أهواء الروح .. لذا عندما تتحد روحك مع جسدك .. تولد ذاتك ..
الذات للأحياء فقط .. فأبحث عن ذاتك ولا تمل من السعي ورائها ..
تكلم يا ولدي .. تكلم ولا تخجل من أي حوار يولد بداخلك .. تكلم بينما لا تسمعك أذنيك .. بل كلك ..
حاول يا بني .. »
في ضعف هز الشاب رأسه .. ورغماً عنه أدمعت عيناه في تأثر من قوة كلمات الحكيم، ورقة نبراته ..
فأطلق زفرة حارة من صدره .. وأغمض عيناه .. وبدأ في شق الظلام الذي بداخله .

* * * * *

عندما فتح الشاب عينيه ، تفاجأ من أنه قضى وقتاً طويلاً في جلسته هذه ..
لاحظ هذا حينما رأي ظله ناعساً على يمينه بينما كان أمامه وقتما قرر تنفيذ نصيحة الحكيم !
لقد قاربت الشمس على المغيب ..
لكنه لم يشعر بجوع قارص مثلما كان بالأمس ..
تعجب من أمر نفسه ، لكنه – على الرغم من ذلك – شعر بالتفاؤل يكتنفه .
-          « ألن تأكل اليوم ؟!»
نظر الشاب وراءه ليرى الحكيم جالساً ببساطة كعادته ، ربما لم يشأ أن يجلس بجواره لكي لا يزعجه في أولى رحلات تبحره في نفسه !!
ابتسم الشاب لأول مرة منذ أن قابل الحكيم .. ثم قال :
-          « لقد مضى الكثير على ميعاد وجبتي الأولى والثانية .. لكن لا بأس ، لن تمانع بطني في استقبال بضع حبات من التمر على أية حال .. وماذا عنك ؟! ألن تأكل ؟! »
لم يجب العجوز .. انما اكتفى بالابتسام في وجه الشاب الذي قال:
-          « أعذرني .. لقد نسيت أمر الخمس تمرات .. »
-          « لا عليك .. يمكنني اليوم التزود ببضع تمرات أخريات .. من المستحيل أن يصاب المرء بالتخمة الفادحة بمجرد تناوله حبات تمر ..»
-          « قرار حكيم مثلك سيدي .. أستسمحك حتى أتسلق النخلة وأعود بعد لحظات ..»
هم الشاب بالنهوض لكي يحضر التمر .. إلا أن صيحة هادرة جاءت من فم الحكيم أوقفته :
-          « توقف عندك .»
أجفل الشاب .. وأرتبك في جلسته ، وتسارعت أنفاسه وهو ينظر إلى الحكيم الذي اقترب منه وهو يقول في حدة :
-          « إياك أن تفضُل أحد على نفسك أبداً .. حق نفسك عليك هو أهم من حق الأخرين عليك .. أعط لنفسك الفرصة للارتقاء .. لهذا وصفتك بأنك أكثر العميان حمقاً حينماً قابلتك .. أنت لا ترى .. لا ترى نفسك ، ودائماً ما ترى الأخرين وتفضلهم عنك .. أنني أكاد أن أسمع صراخ ذاتك شاكية من قسوتك عليها .»
-          « ولكن .. إن فعلت ذلك سأكون أنانياً مفرطاً في حب نفسي .. وأنا أمقت الأنانية في تصرفات الغير ..»
-          « الأنانية هي العكس يا (أعمق).»
-          « وكيف هذا؟! »
-          « لو أنك تسلقت النخلة من أجل الثمار في أول مرة لأنك ستأكل وحدك ، بينما ستحضر التمر من الأرض لأني سأشاركك الطعام .. فهذه هي الأنانية والخسة . »
بدت معالم الفهم تغزو ملامح الشاب .. وابتسم في خجل أمام الحكيم ..
وبدا متردداً لوهلة .. فسأله الحكيم :
-          « ماذا بك ؟! أهناك شيء لم تفهمه ؟!»
-          «نعم سيدي ..»
-          «وما هو ؟!»
-          ما معنى كلمة (أعمق) التي وصفتني بها منذ قليل ؟!»
ابتسم العجوز وهو يقول في مداعبة :
-          « لا معنى لها .. مجرد مزيج هادئ ما بين كلمة (أحمق) و (أعمى) .. لكنك على الطريق الصحيح للشفاء من علة العمى .»
-          «وكيف ذلك ؟!»
-          « رغبتك الوليدة في التبصر ، تمردك على الجهل وسعيك للفهم والإدراك قد بدأ بمجرد السؤال عن مجرد كلمة .. »
بامتنان قال الشاب :
-          «أشكرك سيدي ..»
لم يجب الحكيم .. إنما ابتسم وهو يشير له بأصبع السبابة إلى أعلى مشيراً إلى قمة النخلة .

* * * * *

بعد الانتهاء من تناول التمر .. جلس الشاب والحكيم صمت ..
لقد أدرك الشاب أن هذا هو الوقت المخصص للحكيم للتحدث مع ذاته .. فاحترم رغبته وأثر الصمت ..
إلا أن الحكيم أثار دهشته حينماً تحدث قائلاً:
-          « هل تدرك الفرق ما بين تمر الأمس وتمر اليوم؟!»
-          « لا سيدي .. لم ألحظ اختلافاً قط في الطعم .»
-          « ليس من الضروري أن يكون الفرق في الطعم .. هناك أوجه عديدة في الاختلافات والفروقات .»
-          « كيف ذلك يا سيدي ؟!»
-          « ما أكلته بالأمس كان مجرد عبء على النخلة .. »
لم يتكلم الشاب ، إنما ظهرت على ملامحه اللهفة لأن يكمل الحكيم حديثه .. فتابع الرجل:
-          « كل ثمرة تأخذ غذائها من الشجرة منذ أن تتكون على الأفرع .. وحينما يكتمل نمو الثمرة ، فإن الفرع يلفظها ويجعلها تتساقط من عل حتى تأخذ حبة تمر أخرى نصيبها في الغذاء من (ذات) النخلة .. وإن لم تقم النخلة بهذه الفعلة لتدللت الثمرة ، وكثر غذائها وأصابها التخمة السكرية وتخطت المسموح به بكونها تمر .. وتحولت إلى شيء ما خارج القاعدة المعروفة .. شيء شاذ ومنفر ، على الرغم من حلاوته ..
هكذا هي أفكارك يا ولدي ..
لا تدع أفكارك تتخمر في رأسك .
أخرجها كلما نضجت .. لتستطيع أن تنشغل بفكرة أخرى بنفس الهمة والتركيز ..
هل أدركت الفرق يا ترى ؟!»
في امتنان وتواضع هز الشاب رأسه ..
وصمت الحكيم ..
وصمت الشاب بدوره ..
بينما كان كل منهما يتكلمان إلى ذاتيهما بحماس متصاعد ..
حتى جاء موعد النوم ..
فناما.

* * * * *

بهدوء فتح الشاب عينه ، ليغلقها مرة أخرى من قوة وميض نور الصباح .. وفتحهما مرة أخرى حينما اعتاد الوهج الساحر ..
توجه إلى البئر كي يغتسل ..
بعدها توجه إلى حيث يجلس الحكيم ..
بعد تبادل التحيات .. استشف الحكيم هدوء ملحوظ في ملامح الشاب ..
فداعبه قائلاً :
-          « كيف حال الرمال والذباب معك بالأمس؟!»
-          « لعلي لم أشعر بهما سيدي .. كان الأمر غريباً عني ، فقد ذهبت في غطيط عميق بمجرد أن قررت النوم ! ربما لم يكن هناك ذباب بالأمس !! بينما بدت رمال الصحراء كأنها فراشاً وثيراً.»
-          « فراش وثير؟! جميل هذا التعبير .. لكن ما حدث هو أن ذاتك قررت الكف عن التمرد المدلل .. لقد قرر جسدك التلاحم والاتحاد مع المنحنيات الرملية ..
أنه شعور غريب عنك ..
الشعور بالرضاء ..
حينما ترضى عن ما كل بداخلك ، وتبدأ في الاعتقاد بذاتك ولا تلفظها .. فأنك ستشعر بالرضاء – أيضاً – عن كل ما هو خارجك ..
استمر في الرضاء أكثر عن نفسك .. وستجد أن كل ما هو حولك جميل .. جميل بحق .. مثلماً قلت أنت عن الرمال إنها وثيرة بكونها فراشاً لك .
أما عن الذباب ..
فالمكان هنا لا يخلو أبداً من الذباب ..
لكن بكونك صافياً في يومك .. فقد صفا نومك ..
ولم يعد الذباب مزعجاً بالنسبة إليك .. لأنك لم تلتفت إليه بالمرة ، ولم تجعله ناغص لهدفك .
كذلك هي المشاكل في حياتك يا ولدي .. لا تعطها أكثر من حجمها أبداً ..
لا توجد مشكلة باقية إلى الأبد .. ولن توجد – أبداً – هذه المشكلة ..
فحاول التعايش مع نفسك في كل الظروف .. وعليك أن تؤمن بأنك ستتخطاها يوماً ما ..
عليك بالرضاء والصفاء ..
ثم تدخل المرحلة الأخيرة : الرضاء الصافي.
عندها ستكف عن التذمر والتمرد السخيف .
هل فهمت يا ولدي ؟!»

* * * * *
في المساء ..
كان الشاب يجلس بجوار العجوز وقد قررا التسامر مع قبل النوم ..
الليلة كانت هادئة بحق .. ناسمة العليل رائقة السماء ..
كان الشاب يشعر بالتغيير يسري في دواخله .. ربما إحساس جديد بالنسبة لماضيه .. لكنه قرر أن يبقيه طيلة حياته ..
ما أجمل أن يكون كل شيء جميلاً ..
-          « سأجعلك تمر بتجربة لن تنساها .. »
هكذا قطع الحكيم الصمت ، فالتفت الشاب صائغاً صاغراً ..
فوجده يحمل أنبوباً زجاجياً بداخله شمعة يقارب طولها طول الأنبوب نفسه .. بينما في الربع الأخير من الأنبوب يوجد ثقبين متقابلين ..
تعجب الشاب واكتنفه الفضول لمعرفة ما هو قادم ..
وضع الحكيم الأنبوب أمام الشاب ، وأشعل الشمعة بداخله .. ثم قال للشاب :
-          « والآن .. كما أعتدت أن تتحدث مع ذاتك قبل النوم .. عليك أن تتحدث اليوم مع وهج الشمعة ..
النار ..
خذ وقتك ، تأمل كيفما شئت ..
ولنا حديث بعدها ..»
امتثل الشاب ، وشحذ حواسه وهو يرمق اللهب الهادي ..
النار ..
تلك الراقصة اللاهبة ..
سر الكون الأزلي ..
ذاك اللغز الذي يرفض الإفصاح عن كونه ..
صرخاتها المتوعدة تتردد في صمت :
لا تقتربوا مني كثيراً وإلا هلكتم ..
ولا تبتعدوا عني كثيراً وإلا هلكتم ..
في قربها الدفء .. والشبع ..
وفي ملمسها الويل .. والهلع ..
بالقليل منها يولد النور ..
وبالكثير لا مناص من الخراب ..
هي عدو الظلمات وغريم الدجى ..
ورفيقة الظلال وصديقة الرؤى ..
هي النار ..
فجأة بدأ الوهج يهتز بشدة .. فتابع الشاب بكيانه تأملاته ..
النار تنادي :
أرقصوا من حولي وهللوا ..
أصرخوا وأنا في وسطكم ..
لا تخشوا برق أو رعد ..
فكلهم أولادي ..
صادقوني وأنا صفراء ..
وحاذروا زرقتي .. فهي دليل على شدتي ..
ظفر من كنت أنا في يده ..
وهلك كل من ارتمى في أحضاني ..

النار تبكي وترتجف ..
مثلها كمثلنا .. تخشى السماء ..
وماء السماء ..
أنها تترجى السماء بالدخان ..
صلوات وابتهالات إلى السماء ..
أيتها السماء .. إليك عني بالماء ..
أيتها السماء ...
فجأة انقطع تأمله ..
لإنه لم يعد هناك نار ..
لقد اختفت فجأة ..
انطفأت الشمعة بلا سابق انذار ..
عندما تساءل الشاب بعينه إلى الحكيم ، أشار الحكيم في صمت إلى الثقبين المتقابلين ، ففهم الشاب على الفور ما حدث ..
لقد انطفأت الشمعة عندما تساوت في حذا الثقبين بفعل تيار هواء طفيف جداً..
إلا أن الشاب لم يصدق نفسه ..
لقد تحدث إلى النار ..
وسمع حديث النار !!
تكلم الحكيم في هدوء احتراماً للصفو الروحاني الذي يتملك الشاب :
-          « ما شعرت به ومررت به الآن هو ملكك وحدك ، لا تحكي لي عنه ..
أريدك أن تلتفت جيداً إلى هذين الثقبين .. هل تدري إيلام يرمزا ويمثلاً؟!»
أومأ الشاب برأسه نافياً معرفته .. فأكمل الحكيم قائلاً :
-          « برغم تفاهة حجم الثقبين بالنسبة للأنبوب ، إلا أنهما سمحا بإطفاء وهج شمعة يافع ..
إنهما يمثلان الغضب في داخلنا ..
أي ثقب صغير بداخلنا يسمح بعبور الغضب ، فهذا يعني تدمير الكثير من القيم في لحظة مفاجئة ..
إياك والغضب بلا مبرر ..
وإياك من الغضب المبرر ..
لا تغضب ..
كنت كالأنبوب يحوي الهواء بداخله .. لكنه لا يسمح بأي هواء خارجي يفسد كل ما في الداخل ..
لكي تصلح يا ولدي .. حاول أن تصنع عرينك الخاص ..
ليكن بداخلك :
عرين الغضب.
دعه يترعرع وينمو .. تحت إشرافك وسيطرتك ..
ليكن الغضب حليفك .. لا عدوك ..
ليكن الغضب ربيباً لديك .. لا طريداً أو شارداً يصعب السيطرة عليه .
هكذا يا ولدي انتهت مهمتي ..
ولك أن تختار طريقك الصحيح ..
وتذكر أن دائماً ما يبدأ طريقك مما هو تحت قدميك ..»