10‏/6‏/2011

دين .. وسلف !!


بدأ الأمر بفكرة ثائرة منه ، وبعدها توصل (جاليليو) إلى دحض النظرية السائدة في عصره والتي تتمثل في :
الأرض ثابتة ، وأن الشمس تدور حول الأرض .. بل أن الأرض هي مركز الكون برمته ..!
والبرهان في حوزة (جاليليو) هنا هو منظاره أو تليسكوبه الذي لا يدع مجالاً للشك في صحة ما يقول ..
ولكن .. كلامه ونظرياته لم تعجب الكنيسة وقتها .. وتألب عليه أفراد الدين ليتراجع عن خرف ما يشيعه بين الناس .. فالأرض – حتماً – مركز الكون كما ذكر الأسلاف .. وأن الشمس تابعة ذليلة ومسخرة لرغبات سكان الأرض .. فهي تخضع لمشيئة الرب في هذا الأمر !!
لذلك عانى (جاليليو) كثيراً في نشر نظريته العلمية المهمة .. إذ كانت الكنيسة بالمرصاد لأبحاثه التي بدأت تجذب الأنظار المتحررة ، وتنال الإنكار من الطبقات المتدينة وقتها .
ومات (جاليليو) .. وهو على يقين في صحة ما توصل له .. وفي أعماقه سخرية واستهزاء بعقول رجال الدين وعلى رأسهم البابا نفسه .. وحينما جاءه الموت .. خرجت روحه مستريحة بعد أن اكتست بلذة الوصول إلى الحقيقة .
بعدها بأربعمائة عام تقريباً .. تقدمت الكنيسة باعتذار مقتضب لـ (جاليليو) وأبحاثه ، وقامت بتكريم جثمانه اعترافاً منها لجرمها السابق في حقه .
فقد انتصر العلم أخيراً .. وأثبت أن الأرض ما هي إلا كوكب تافه يدور حول الشمس .. وأن الشمس نفسها تتحرك داخل المجرة .. وأن مجرتنا برمتها ليس أكبر المجرات المعروفة .. وأن الكون كله يتحرك ويتمدد في انتظام .. بل أن حجم الكون كله يقترب إلى ما لا نهاية ..!
بينما توقف نمو عقول القساوسة في عصر (جاليليو) إلى ما ذكر في الكتاب المقدس فقط!!
وأدى هذا العفن العقلي إلى تأخر البشرية أربعة قرون هامة في علم الفلك ..
والسبب هو : مشيئة الرب !!
نفس الجملة التي قيلت إلى (نيوتن) حينما اكتشف الجاذبية الأرضية وقوانينها الباتة.. فقد ولول أفراد الكنيسة وقتها وتذرعوا بأن سقوط الأجسام هي "مشيئة الرب " وهو وحده أعلم بها وليسوا البشر !!
وكانت حزمة الاتهامات الثابتة وقتها جاهزة في أي وقت :
الهرطقة والإلحاد والسحر !!
فهل نطق لسان نيوتن بالهرطقة والإلحاد والسحر يا ترى؟!
أم هو علماً صريحاً يعتبر التشكيك فيه الآن درباً من الجنون والخبال ؟!

* * * * *

حينما دخلت أعواد الثقاب (الكبريت) إلى مصر ، التف حوله علماء الدين في حيرة بالغة وريبة عميقة .. فقد كانوا يتساءلون وقتها :
-         « هل هذه البدعة المستحدثة تنقض الوضوء ؟! »
كالعادة .. حدث الاختلاف في الآراء !!
فهناك فريقاً أفتى صراحة بأن الكبريت ينقض الوضوء .. وأنه يصل إلى درجة التحريم !!
وأفتى فريقاً أخر بأنه لا مانع من استخدامه .. ولكن يجب الحذر من (الشطط) المتطاير منه ، فهو ما يبطل الوضوء !!
أما الفريق الأكثر تيسراً وتماشياً مع الأمور فقد أفتى بأن الكبريت هو نار مسخرة لإفادة المسلمين .. بناء عليه لا ضير إطلاقاً في استخدامه لخدمتنا وتيسير أمورنا !!
تقريباً نفس ما حدث أثناء دخول الاختراع العجيب (صنبور المياه) !! .. فالوضوء لابد أن يكون من ماء جاري .. وليس من هذا الثقب السحري العجيب ! واختلفت الآراء مرة أخرى !!
وأيضاً دخول المياه الغازية .. هل هي تنقض الوضوء ؟! هل هي حلال أم حرام؟! هل هي من المسكرات ؟!
لدينا الكثير من هذه الحالات .. ويمكننا – بكل ثقة – تسميتها : الخوف من الحداثة !!
ففي الآونة الحالية تقف الأديان عاجزة عن تطور البشر المتلاحق في شتى المجالات .. فهي – أي الأديان – جاءت في حقب متلاحقة ومتقاربة نوعاً ما .. ثم توقفت بغتة تاركة البشر في منتصف الطريق .. وفقدت ميزة المواكبة العصرية .. لذلك فإن أي متدين في عصرنا الحالي لابد أن يقال عليه : متخلف ورجعي !! فالتدين يسيطر على أفكاره وعاداته وحتى ملبسه ..
المتدينين بأنواعهم هم أكثر الناس تصلباً وتشدداً لأفكارهم هم .. مع إنها ليست أفكارهم الذاتية .. بل أقحمت في رؤوسهم إقحاما!! على الرغم من ذلك فالمحاورة معهم تمتلئ بأطنان من التعنت والتفرد بصحة آرائهم وحدهم .. وهذه مخالفة صريحة لأبسط شروط الحوار الحر ..
تخيل أن هؤلاء القوم نجحوا في ارتياد الفضاء (أقول تخيل) .. فكيف سيكون الأمر ؟!
هل هو سلس ؟! أم مليء بالتعقيدات ؟!
رأيي الشخصي بأنه سيكون مليء بالتعقيدات !!
فلو وصلوا إلى التكنولوجيا الكافية للخروج إلى الفضاء .. فستظهر مشكلة الصلاة مثلاً ..
فاليهودي سيقابل مشكلة (أيام الشبث) .. وهي السبت بالعربية!! فكما استراح الرب في اليوم السابع ،فعلى اليهودي أن لا يفعل شيئاً في هذا اليوم .. هي راحة إجبارية من صانع الكون هدية لهم على يهوديتهم! لذلك فالحتمية أن تقف جميع الآلات المكوكية في الفضاء اللامتناه حسب التوقيت الشمس لكوكب الأرض لرغبة رب الأكوان في تدليل اليهود!!

كيف يصلي رائد الفضاء وهو معلق في الفضاء نفسه؟ كيف سيولي وجهه شطر المسجد الحرام بينما الكرة الأرضية برمتها بعيدة عن مرمى بصره ؟! كيف سيتوضأ ؟! كيف سيسجد ويركع وجسده سابح بلا جاذبية ؟!
ناهيك عن هذا وذاك .. كيف سيحدد مواقيت الصلاة نفسها وحركة الشمس مختلفة كلياً .. فلا فجر ولا عصر في الفضاء ..
ربما اجتمع الفقهاء ويفتون بأنه لا حرج على رواد الفضاء من عدم إقامة الصلوات أثناء وجود الإنسان في الفضاء ؟! جائز ..
لكن هل سيقر هؤلاء الفقهاء بالجدوى من خروج العلماء المسلمين إلى الفضاء ؟ أم سيعتبرون أن الأمر مجرد بدعة وضلالة وإهدار فادح لأموال الدولة (المسلمة) ؟!
 أممم ..
لندع أمر الفضاء إلى القوم الكفرة الآن ..!
ولنأخذ نظرة سريعة إلى شؤوننا ..
نحن ..

* * * * *

في الآونة الأخيرة ..
حدث الأمر الحتمي الذي ينقص هذه الحقبة ، وعلى هذه الأرض بالذات ..
(الثورة المصرية) ..
أو ما يطلق عليها اعتباطاً بـ (ثورة) ..
بعدها حدثت عدة تغيرات ملحوظة لا يمكن إنكارها .. ولكنها ليست بالتغيرات الكاملة التي تلزم المضي في سباق الأمم الحضارية ..
على أكتاف هذه الثورة ، تصاعدت أصوات منسية لفئة بعينها من المصريين ..
(السلفيين) ..
وكلمة (سلفية) التي ينبثق منها وصف (السلفيين) تعني السلف .. ليس بمعنى الاستدانة بالطبع .. ولكنها تعني من سبقونا من الأجداد .. أي أنها ترادف – بكل اطمئنان – كلمة (رجعية) ..
وعلى الرغم من عدم فهمي لمنطقية أفكارهم .. أو حتى ما يغري في العودة إلى طباع وعادات الأزمان الغابرة !! إلا أنه – وللأسف – أزادت أعدادهم وعلا صوتهم باعتباره حق مكتسب أنجبته "الثورة" المصرية ..  
لنقل أن أي إنسان حر تماماً في أفكاره ومعتقداته وطقوسه الخاصة .. يمارسها كما يشاء دون أدنى اعتراض من الآخرين ..
ولكن ..
أن يتشعب الأمر ويبدأ في التطاول على غيره من البشر ممن يخالفونه الأفكار والطقوس والعادات .. فلابد أن يرتفع الأصبع الأوسط ليد الحقيقة في وجهه ..
وهذا دأب السلفيين ..
فهم لا يطرحون أفكارهم أو رؤيتهم لغيرهم تاركين لهم فرصة في التفكر بها أو حتى مجرد فرصة للاقتناع .. بل ما يقولونه هو أمر واجب ومفروض على الجميع ! وإن كان هناك مجرد انفراجة للاعتراض أو عدم الموافقة .. فهم يعتبرون أنفسهم أمام مجدف ومهرطق لا يستحق العيش للحظة واحدة .. فالحل الوحيد هو إخراس فمه ووراءه أفكاره إلى الأبد (وما أشبه الليلة بالبارحة)..
لذلك يأتي العنف كمرادف للسلفية ، فهو كفيل بتكميم الأفواه وسجن العقول بدافع الخوف .
فلا يجب أن يتضاد رأيك معهم وإلا كانت عواقبك وخيمة .
أذكر أول مرة قمت فيها بالاصطدام مع أحد الآراء السلفية .. كان ذلك في طفولتي ، وفي المدرسة !! كان يدرس لنا حصة الرسم رجل ملتحي (!!) وكان ذو وجه عبوس ونادراً ما أراه مبتسماً .. كان يملي علينا تعليماته في أول العام الدراسي على ألا نرسم جسداً بشرياً كاملاً ، لابد من أن نترك خطاً ناقصاً وفاصلاً ما بين الرقبة والجسد !!
ولما سألته " ولم يا أستاذ ؟! " ..
أجابني لأن في يوم القيامة سيسألني الله عن روح هذا الجسد .. أين هي ؟!
تعجبت من إجابته كثيراً .. فأردفت بما معناه : وهل الله بهذه السذاجة ليسأل عن روح لجسد مرسوم ببلاهة في كراستي ؟!
وبعد عقاب غير مستساغ حسياً على وجهي ويدي ..وتعلمت أن أتبع الحذر أثناء معاملتي لهذا المدرس بالذات .. ولا أخفي بأن تعاملي معه كأن أشبه بتعاملي مع البلهاء أو ناقصي الأهلية العقلية .
تركت هذا الحادث ورائي ، ولم ألتفت له كثيراً.. إلا أنني اصطدمت بما يوازيه من غرابة فيما بعد ..  عندها كنت أتساءل في صمت : كيف يتقبل البعض على مضغ هذه الأفكار الشاذة وتصديقها بهذا الاطمئنان المريب ؟!
الأدهى أنني أدركت أن (السلفية) لا تتوقف على المسلمين فقط .. بل هناك سلفيين يهود ، وأيضاً سلفيين مسيحيين !!
وكل منهم لا يدرك مدى رجعية أفكاره أمام الفئات الأخرى !!
ومع ذلك .. الكل يتهم الكل .. والكل يصر على أنهم أفضل حالاً من الكل ..
والحقيقة تائهة ما بين العقول .. أو الأقدام .. فلا فرق بينهما هنا .

* * * * *
·         ما هو المعنى الحقيقي للدين؟!
·         هل الدين تشذيب للنفس واعتدالها حقاً؟!
·         هل هو علاقة سامية روحانية ما بين الإنسان والمعبود (أياً كان) ؟!
·         هل يرتبط الدين بمكان أو زمان معين وثابت لا يتغير؟!
·         هل يقبل الدين الحداثة أم يلفظها ؟!
·         لماذا هناك أكثر من دين ؟! ولماذا انبثقت من الأديان أديان أخرى ؟!
·         ما هو أكثر دين يريح الإنسان ويشفق عليه من عذابه ؟!
·         هل هناك علاقة بين رحمة الدين ، وغباء أتباعه؟!
·         هل هو لزاماً على الدين أن يتخذ طابع القسوة المفرطة والرحمة التي لا حدود لها؟!
·         لماذا لم يوجد دين واحد يضم الإنسان قاطبة تحت مظلته ؟! هل الأمر بهذه الصعوبة؟!
·         لماذا يصاب الإنسان بـ ( الأنانية الدينية) ؟!
·         لماذا لا يتقبل الإنسان أديان غيره من البشر ويعطي لنفسه فرصة للتأمل فيها؟!
·         هل يأتي اليوم الذي يخرج فيه الدين من القولبة الجافة ويتميز بالسلاسة الجديرة بفكر الإنسان المتجدد؟!
·         وأخيراً .. هل يخرج الدين من سطوة أشخاص بعينهم يضيفون إليه توابلهم الخاصة حسب أمزجتهم الشخصية ، يوجهونهم كما الخراف .. ويتحكمون بعقولهم المسلوبة كيفما شاءوا ؟! هل يصبح الدين حراً وطليقاً من دون ذقون وأزياء عدة لا حاجة له به؟!
إرادة الأحرار وحدها هي ما تقرر جميع ما سبق من الأسئلة .