21‏/3‏/2010

(وائل عمر) و(بروميثيوس) و(إثون) .. و(وائل عمر) أيضا ..!






تقول الأسطورة :

« تجرأ (بروميثيوس) على القيام بالحماقة العظمى حينما سرق النار المقدسة (والتي ترمز إلى المعرفة) من قمة جبل (الأوليمب) وقدمها إلى البشر الغارقون في الظلام الدامس ، فأستغل البشر هذه الهدية وأناروا لياليهم وحياتهم فيما بعد بواسطة هذه الهدية الإلهية !
بينما ثارت حفيظة كبيرة آلهة الأوليمب (زيوس ابن كرونوس) وتطايرت الصواعق من يده اليسرى غضباً وسخطاً على (بروميثيوس) الأرعن .. فقرر معاقبته على جرمه المريع ، كانت حجته (أي زيوس) هي: كيف يتساوى جنس البشر الدنيء مع عظماء السادة في (الأوليمب) ..
بناءاً عليه لجأ (زيوس ابن كرونوس) إلي نفسيته السادية وقرر ابتكار عقاباً لم يسبق له مثيل .. فأتى بـ (بروميثيوس) وعلقه بين جبلين شامخين مكبلاً ذراعية بسلاسل مصنوع من صلب لا يقبل المزاح ، وسلط عليه الرخ (إثون) ليأكل كبده في مطلع كل صباح بتأني وشهية مفتوحة ، بينما يعيد (زيوس) إنبات الكبد مرة أخرى ليعاود الرخ (إثون) إفطاره الطازج كل صباح ..
مدة العقوبة هي الأبد ..
أو هكذا قرر كبير الأرباب ..
وتستمر المعاناة اليومية .. ويتجدد الألم القاسي كل مطلع شمس !
أعتقد أن (بروميثيوس) أمتلك وقتاً كافياً لتوجيه سؤالاً مصيرياً إلى نفسه من الصعب إيجاد شافيه له :

  • هل يستحق البشر هذه التضحية ؟!
بالطبع ينتهي عذابه هذا عندما يعثر عليه (هركليس أبن زيوس) عليه في أحدى رحلات السفاري (الغرض منها استعراض عضلاته الخارقة مع الوحوش التي تطلقها عليه ضره أمه وزوجة أبيه ( هيرا) بسبب الغيرة) .. عندها يقرر (هرقل) أن يطلق سراحه وإنهاء عذابه . »
إلى هنا انتهت قصة (بروميثيوس) التي تعد من أروع الأساطير في الميثالوجيا الإغريقية ..
وتبدأ أسطورة أخرى معي أنا ..
بشكل ما دار في مخيلتي أن (وائل عمر) قرر أن يأخذ مكان (بروميثيوس) في الميثالوجيا !!
وأبدل مكانه معه في الزنزانة الواقعة بين قمتي جبلين .. سابحاً في الفراغ الشاهق عارياً من كل لباس ..
في الصباح يزورني (إثون) السمج ليأكل كبدي في نهم .. وفي المساء ينمو كبدي مرة أخرى بين أحشائي !
ولكن ..
أي (وائل عمر) سيحل محل (بروميثيوس) ؟!
نعم ..
فهناك أثنين (وائلين عمرين) هنا ..

  • (وائل عمر) هو أنا كما آراني من الداخل .. الذي لا يخجل من الشعور بالغرور حينما يصف نفسه بالروعة التامة في المثالية الفكرية ، وأن العالم بما فيه لا يستحق وجوده ، وأن مكانه الحقيقي في عالم مواز أخر سداسي الأبعاد .. تخيلوا أنه يظن أن قدرات عقله لا تناسب قدراته الجسدية ؟! بل أنه يعتقد أن إمكانيات عقله مقارنة بحجم جمجمته مساو تماماً بـ حوت عملاق موضوع – قسراً – داخل كوب ماء (!!!)
    ألم أقل عليه مغرور ؟!
    لكنك لن تشعر بغروره أو إمكانياته هذه التي يتشدق بها بين ثناياه طالما أنت لست فكرة بداخله !! بناءاً عليه لن تشعر بذرة واحدة مما يعتريه بالداخل .. دعني أؤكد بأن الأمر أشبه بمفاعل نووي هائل تم إنشاءه داخل علبة حلوى زاهية الألوان ..


  • (وائل عمر) الآخر هو الذي أفلحت في اصطياده من انطباعات المحيطين به سواء كانت طريقة الصيد هي المصارحة المباشرة منهم ، أو الملاحظة الخبيثة مني أنا ..
    أنا في عيون البعض :

    • طفل كبير .

    • أرعن لأقصى درجة ..

    • متهور (والتي لها نفس معنى السطر السابق ) ..

    • ساخر بطريقة ساخطة .. وساخط بطريقة ساخرة !!

    • سليط اللسان بطريقة لا يفهمها أحد (للأسف) .

    • متقلب المزاج مثل مفرمة (منجنيز) عملاقة (راجع الجدول الدوري لـ مندليف) .

    • ممل .. بل ممل لأقصى درجة !

    • قوي الذاكرة بشكل مروع ..

    • يصعب توقع رد فعله ..

    • يعشق (الفانلة الداخلية) بجنون ، ويعتبرها أعظم الاختراعات قاطبة .. ولا يكف عن المصارحة بهذا الإعجاب في كل مناسبة !

    • يكره العنف .. ومع ذلك هو عنيف !

    • رومانسي جداً .. بل يمتلك رهافة وأحاسيس ورقة مشاعر (غراب) يافع في موسم التزاوج ..

    • من أهم علاماته التشريحية : حاجبه الأيمن الذي يعلو شقيقه الأيسر في حالات الدهشة .. أو انعقادهما معاً في حالات التفكير والشرود ..

    • علامة تشريحية أخرى : حاد النظرات بطريقة مرعبة !!

    • فاشل تماماً في التعامل مع الجنس الناعم .. وأي شيء له علاقة بالأنوثة بشكل عام !!

    • جاف الطباع كورقة شجر خريفية منسية !

    • فضولي بدرجة يفر منها الفضول نفسه ..

    • غامض بدرجة أقرب إلى ثقب أسود حائر في الفراغ السرمدي !

    • تحت أي ظرف لا يمكنه الجدال في المعادلة الرياضية : 1 + 1 = 2 .

    • يصاب بعقدة نفسية كلما اصطدم بعلامة استفهام تنتهي ورائها قدرات المنطق .
بالطبع هناك الكثير والكثير المتاح ذكره هنا ، ولكني لا أرغب في تعرية ذاتي أكثر من ذلك (تذكروا شمم وكبرياء وائل عمر الآخر).

اختصاراً للوقت ومجهود مقلات أعينكم .. قررت وضع (وائل عمر) الذي يراه الناس مكان (بروميثيوس) لبعض الوقت .. وإن كان رد فعله منطقي بالنسبة لكم ، إلا أنني سأسرده بالطريقة التي ستورد على عقل (وائل عمر) إياه ..

* * * * *


  • (الفراغ والألم ) ..
    ثنائي غريب أشعر به في هذه اللحظة !!
    لحظة ؟!
    منذ متى وأنا أشعر بالزمن ؟!
    كل لحظة هي توأم غير شرعي – متوالد باستمرار – نتج عن معاشرة غير سوية من الوجود للعدم !!
    لا فرق بين لحظة وأخرى .. لدرجة أنني أشعر بقدراتي على التنبؤ بالمستقبل من فرط التكرار الممل .

    الفراغ يحيط بي من الخارج .. كل ما هو حولي هو فراغ .. لا توجد رؤى سوى قمتي جبل ولدا بعاهتي الصمم والبكم .. لهذا تتساقط الكلمات مني مثلما يتساقط العرق .. لا يوجد من أتحدث معه هنا .. مجرد فراغ ..

    والألم يعصف بي من الداخل .. ذراعيي المشدودان بقسوة إلى السلسلة القاسية تضيف معنى أخر للفظة (ألم) ..

    في أقصى الأفق تولد (دائرة الشمس الصفراء) في مخاض سماوي فريد ، بينما يزحف على الأرض أسراب لانهائية من العبيد الرمادية اللون والتي هي ظلال الجبال الأخرى تعلن في لهفة طفولية عن ميلاد نهار جديد ..
    في مناسبة أخرى كنت سأعجب – حتماً – بهذا المشهد ..
    إلا أنها بشير قدوم زائر ثقيل الظل بالنسبة لي ..
    (إثون) ..
    جاء لكي ينعم بوجبته في الصباح ..
    كبدي الطازج والذي مضى على صنعه أثني عشر ساعة بزمنكم أنتم أيها المحظوظون !

    بالفعل أسمع رفرفة أجنحته العملاقة تهز الأفق من حولي ..
    بينما أسمع صوته المزعج الشبيه بالفحيح والصياح والنقيق معاً ..

    • « (إثون) جاء ليتناول إفطاره .. »
هكذا أترجم صياحه في مخيلتي .. هذا المأفون يتعامل معي على أنني شجرة طارحة لثمار الكبد الطازج ..
هذه المرة بالذات صممت على أن أنغص عليه يومه .. لا أعلم أين سيذهب بعدما ينتهي من وجبته ! لكنني توعدت له بقضاء يوماً أسود ..
ها هو يقترب مني في لهفة واضحة .. لازال كما هو بهيئته المرعبة التي تثير الرهبة وتجمد الدماء في العروق ..
(إثون) .. الرخ المختار لعذابي ..
توقف أمامي بينما يزال يحلق بجناحيه العملاقين ليحافظ على وضعه أمام كبدي .. بينما ينظر بخبث وتحد إلى عيني الحادتين التي تبادله نفس النظرة ..
الغريب في (إثون) أنه يمتلك نفس الصفات الوراثية لدجاجة غبية موجود في أي حظيرة نمطية .. لهذا أخذ يحرك رأسه في حركات دائرية عشوائية وهو يصدر قرقرة خافتة تثير الحنق بالإضافة إلى نظرة بلهاء تطل من عينه ..
هل فقد (زيوس) حاسته التخيلية في ابتكار صفات جادة تليق بهذا الوحش المرعب ؟!
راودتني فكرة بأن أمطره برذاذ أصفر ذاتي الصنع كمحاولة مني لإفساد شهيته المفتوحة ، لكن زاوية الإطلاق عندي منخفضة ولن تصيب الهدف مهما حاولت ..
هناك فكرة أخرى هي أن أركله بقدمي على رأسه عدة مرات حتى يصيبه الذعر ويفر هارباً .. إلا أنني تذكرت أنني أتعامل مع (رخ) أصيل وليس (إوزة) ناعسة !!
هنا خطرت لي فكرة لا بأس بها قبل أن يقترب منقاره من جانب بطني الأيمن فبدأت في تنفيذها على الفور :

  • « (إثون) .. هل تستطيع التحدث ؟! »

  • « بالطبع يا أحمق .. لا تنس أنني سليل عالم إغريقي متكامل .. كل شيء يتكلم هنا .. حتى الجبال يمكنها الغناء في هذا العالم .. »

  • « أممم .. إذن أولاً عليك اللعنة ، لماذا لم تحادثني من قبل أيها الأخرق ؟! لقد أصابني الملل تكرار من جراء الوحدة .. حتى أنني صرت الملل ذاته !! »

  • « متأسف جداً .. ولكني لست معتاد على مخاطبة وجبتي الوحيدة طوال يوم كامل .. هل كلفت نفسك بعناء التحدث مع (موزة) قبل أن تقشرها وتلتهمها في نهم ؟! »

  • « لا .. لم تخطر لي هذه الفكرة في السابق !! »

  • « نفس الحال هنا .. ولا تنس أنني أكابد العناء في تقشير كبدك كل مرة .. لو كنت – أنت – متعاوناً وجهزت وجبتي مغلفة على طريقة (Take Away) لأسعدني طبعاً قضاء وقت لا بأس به في الحوار معك . »

  • « جميل جداً .. أنت تتحلى بروح الدعابة ومنطق لا بأس به .. أنني أتساءل بحق عن جريمتك .. وكيف طاوعك عقلك على ارتكاب ما فعلته .. لابد أنك تعاني كثيراً في قضاء عقوبتك هذه !»

  • « عفواً ؟! عن أي شيء تتحدث ؟! عن أي جريمة وأي عقاب تتحدث ؟! »

  • « أحقاً لا تعرف ؟! كنت أظنك فطناً بما يكفي لمعرفة ما يحدث هنا !! »

  • « تدلني فطنتي أنك تحاول فعل أمر ما مريب .. لقد حذروني السادة في (الأوليمب) من خطر دهائك الداهم .. لكنني وجدت التعامل معك متعة لا بأس بها .. »

  • « أحقاً أخبروك بهذا ؟ هل أنت ساذج إلى هذه الدرجة عزيزي (ثونة) ؟ »

  • « يبدو انك تحاول إفساد شهيتي بالكلام الفارغ معك .. محاولة جيدة .. لكنها لم ولن تفلح . »

  • « عزيزي (إثون) .. فكر بطريقة جدية ، أنت تعرف طبيعة (زيوس) العبثية في إدارة الأوضاع .. تخيل كبير الآلهة الذي يمتاز بعقل طفل رضيع وهو يسيطر على زمام الأمور .. أنه يصنع البشر باقتدار فائق ، ثم يشعر بالغيرة من الذكور منهم .. بينما يطارد جميلات الإناث منهن .. بل يتمادى في الأمر ويحول نفسه إلى حيوانات من أجل أن يتلصص عليهن وهن عرايا ليتطور الأمر إلى مضاجعة شهوانية منحطة من جانبه ..
    هل تدرك أنه أحياناً يحول بعض البشر إلى حجارة من أجل استخدامها في المزاح مع (هيرا) ؟ تخيل رب الأرباب الأعظم وهو يقذف زوجته بحجر كان في السابق فيلسوفاً حكيماً أو معلم وقور .. »
اختفت نظرات النهم من ملامح (إثون) وحل مكانها إمارات التفكير والحيرة ..

  • « لماذا تفكر على هيئة دوامات؟! أنت قلت شيئاً ما عن جريمة وعقاب .. أي شيء تقصد بالضبط ؟! كف عن محاولاتك لخداعي ، لو اكتشفت أنك تحاول العبث معي فصدقني أنا على استعداد أن ألتهم كبدك على مهل وطوال النهار .. سأعلمك معنى جديد للعذاب . »

  • « عزيزي (إثون) .. فكر قليلاً .. من يعذب من يا رفيقي .. أنا وأنت معاقبين من الأبله (زيوس) .. »

  • « ماذا ؟! »

  • « نعم عزيزي .. فكر جدياً في الأمر ، ثم أحكم بنفسك .. أنت تصحو من نومك منذ مطلع الشمس ، وتطير مسافات طويلة من أجل أن تصل إلي هنا .. ثم تكون مكافأتك عبارة عن قطعة لحم صغيرة – هي كبدي – تحاول أن تقنع نفسك بها طوال اليوم .. قل لي يا أعظم من حلق في السماء :

    • هل تغني قطعة لحم صغيرة عن مجهودك وطيرانك ذهاباً وإياباً طوال اليوم ؟!

    • هل جربت طعماً أخر غير طعم كبدي طوال فترة عقوبتك هنا ؟!

    • ألم تشتاق يوماً لطعم لحم غزال الشهي الذي يرعى بحرية في جزيرة (مينتاروس) ؟!

    • ألم تفكر متى ينتهي هذا الروتين الممل السخيف الذي تمارسه يومياً ؟!

    • هل تعتقد أن أحد ما سيقرأ بطولاتك في كتب التاريخ ، ثم يتأمل مجدك وزهو عظمتك ؟!
    أجبني يا (إثون) ..
    صارحني بينما كبدي ينتظر منقارك في أحشائي .. فلا فرق بالنسبة لي .. أنه مجرد آلم يوم أخر ، وقد اعتدت طعم الألم منذ زمن لا أدري مجمله .. أنا هنا عارياً مصلوباً في العلياء .. تتماطر علي أحقاد (زيوس) وحاشيته البغيضة .. بينما يقدسني البشر ويضربون بي المثل في التضحية والوفاء .. بينما أنت تمثل السجان القاسي والشرير في نظر البشر ..
    (النار المقدسة) أصبحت في متناول البشر يا (إثون) .. وقريباً سيصبح كل شيء في متناولهم أيضاً .. فكر جيداً .. تخيل البشر وهم يحتلون مكانة (زيوس) شيئاً فشيئاً .. عندها سيصبح هو مجرد أسطورة بلهاء يقصها الكبار على الأطفال قبل النوم .. أو يصير أسمه مجرد ضيف سمج في قصة عادية عن الإغريق .. وتتحول معابده الكثيرة إلى مزارات سياحية يتأمل فيها الناس تمثاله العبوس والمتجهم الملامح ..
    فكر جيداً (إثون) .. والقرار لك . »
لم أستطع منع نفسي من إضافة لمسة تمثيلية على ملامحي .. فأشحت بوجهي بعيداً عن (إثون) على سبيل التعبير المسرحي .. وأتأمل ملامحه بنصف عين لأراقب ردة فعله !
كما توقعت .. لقد أفلحت دموعه في الفرار من عينه بسخاء .. ربما هذه أول مرة أشاهد طائر يبكي .. خصوصاً أنه طائر الرخ المرعب .. يبدو أن موهبتي التمثيلية لا بأس بها ..

  • « (إثون) ؟! لقد تأخرت عن موعد إفطارك يا عزيزي .. هيا .. أضف حبة رمل إلى جبل عذابي .. وأسكب نقطة شرف إلى بحر مجدي .. هيا يا عزيزي .. »

  • « ... »

  • « ما بك يا عزيزي ؟! »

  • « اللعنة عليك .. لقد تذكرت الآن كم هو مريع طعم كبدك .. أنني لم استسغ يوماً طعم لحومكم .. لقد نسي الأرعن (زيوس) أنني نباتي ! هذا الأخرق (الفلاتي) .. أرغمني أكل اللحم يومياً دون أن أفكر مرة بالاعتراض .. أو حتى تذكيره هو .. لقد تعذبت أنا الأخر .. تعذبت دون أن يتذكرني أحد ، أنا المنسي من (زيوس) وحاشيته .. وملعون من البشر ، ومكروه منك أنت .. أنا .. أنا لا شيء .. »
قالها ودخل في نوبة بكاء عالي نشيجها ..
للحظة برقت عيناي ببريق لامع وأنا أتأمله ..
ثم تحولت ملامحي للتعاطف الصادق معه ..
نعم ..
هو رخ مرعب .. لكن لا ذنب له .. أنه مجرد آداه للسادي الأبله (زيوس) ..
هنا خطرت لي فكرة أخرى ..

  • « (إثون) .. ماذا عن ميولك (الراديكالية) ؟! »

  • « ماذا ؟! »

  • « أعني آآآآ .. لماذا لا نطرق أبواب الانتقام ؟! أنا وأنت معاً .. »

  • « ماذا تقصد ؟! »

  • « سأشرح لك .. لكن أجبني عن سؤالي أولاً : هل لازلت تشتهي طعم كبدي ؟! »

  • « (ياع) .. كلاً بالطبع .. قلت لك أنني نباتي أيها الأحمق .. نبااااااااتي .. لا علاقة لي باللون الأحمر إلا عن طريق الفراولة والطماطم والكريز .. »

  • « وماذا عن البطيخ ؟! »

  • « ماذا ؟! »

  • « لا عليك .. عزيزي (إثون) .. لقد انتهى عهد عداوتنا .. وصرت الآن صديقي وشريكي .. كم أتمنى أن تصبح يدي طليقة لكي أحتفي بهذه المناسبة وأعانقك .. »

  • « مهلاً .. قد أستطيع فهم جزء الصداقة .. ولكن شركاء ؟! كيف أكون شريكاً لك ؟! »
ما أروع موهبتي التمثيلية في أصعب الظروف ..
لقد أثرت أن أصمت قليلاً وأن أشد عضلات ذراعي وأنا أجذب السلسلة البغيضة .. وقمت بتقطيب حاجبي .. وقلت في بطء وأنا أنظر في عينه :

  • « في الانتقام يا (إثون) .. شريكي في الانتقام . »

  • « الانتقام ؟! »

  • « نعم (إثون) .. الانتقام .. »

  • « وكيف تقوى أنت على الانتقام ؟! »

  • « أنت لا تعرفني جيداً .. كذلك (زيوس) .. فك وثاقي وسترى .. »
فوجئ (إثون) بردي المنفعل المدروس .. وأجفل قليلاً وأصابه التردد للحظة .. ثم أتخذ القرار وهو يقول في عزيمة:

  • « حسناً يا صديقي .. فلنكن شركاء .. أصمد قليلاً .. سأقضم أغلالك الحديدية .. لا تستهن بموهبة منقاري .. »
غير (إثون) من وضعه (التحليقي) .. وصار أسفل جسدي .. تحديداً ما بين قدماي في وضع جعلنا أشبه بالخيل وفارسه .. ثم توجه بعنقه يميناً ويساراً ويقضم القيود الحديدية ليحرر ذراعاي أخيراً ..
ما أجمل الحرية ..
رفع (إثون) عينه إلى عيني قائلاً :

  • « والآن أين سنتوجه ؟! »

  • « إلى شاطئ (كريت) للعراة !.. إلى جبال (الأوليمب) طبعاً .. هناك الكثير والكثير ينتظره المؤرخين لإضافته لمصفوفة الأحداث الإغريقية .. سيقرأ الناس فيما بعد كيف ركل (وائل عمر) مؤخرة (زيوس) المبجلة وهو يجرده من كل هيبة نالها من أساطير العذاب التي كالها إلى البؤساء أمثالي أنا و (سيزيف) و (أوديب) و (إيكاروس) و (يوروبا) و (إيكو) والعديد غيرنا .. »

  • « لحظة .. من هو (وائل عمر) هذا ؟! لم أسمع به من قبل !! هل هو أسطورة منسية ؟! .. أم مجرد أحمق يحاول التمسح بالمجد الإغريقي ؟! »

  • « أحم .. لا عليك (إثون) .. فلنذهب ونظفر بثأرنا .. هياااااااا »
هنا أطلق (إثون) صرخة هادرة تليق بطائر رخ محترم .. وبدأ الأفق يتخذ أشكال عديدة غابت عني منذ الدهر .. بل أكاد أقسم أن الجبال تغيرت هيئتها ، يبدو أنني سجنت لأمد طويل جداً ..
أمممم .. ما أجمل طعم الانتقام ..
تريث أيها الأرعن (زيوس) ..
فالانتقام قادم لك على جناحين كبيرين من صنعك أنت ..

(الانتقام طبق يفضل أن يقدم بارداً) ..