1‏/2‏/2014

صحوة ..

 

-         «وماذا بعد ؟!»

قالتها هي بصوتها الطفولي الناعم ، وأنا أنظر إلى السقف – كعادتي – وحاجبي الأيمن يعلو كثيراً عن شقيقه الأيسر .. !

-         «نعم .. ماذا بعد ؟!»

قلتها وأنا أخرج عارياً من بحر شرودي ، وأحاول أن أتدثر قليلاً برمال شواطئ الواقع !!

وماذا بعد يا عزيزتي ..

جلست أمامي ترمقني بعدما أهدت إلي حيرتي علامة استفهام بكل بساطة .. وتتوقع أن أرد عليها بطريقتي الساخرة المعهودة ..

فأنا مجنون وأعترف بهذا ..

وهي همست مراراً في أذني بأنها – هي الأخرى – مجنونة ..

يا لها من مجنونة حقاً !!

شتان ما بين جنونك وجنوني يا عزيزتي الحمقاء ..

أنتِ ؟!

أنتِ فراشة جميلة حائرة ، وتملكين فضول قطة مشاكسة ..

عيناك الحالمة تنظر للحياة على أنها (حديقة ورود لا منتهية ، تستحق أن تشم – باسترخاء – كل وردة فيها ) ..

بينما أنا كئيب (السحنة) ، غاضب وثائر دوماً بلا سبب ، وأتمتع بدعابة ثقب أسود منسي في الفضاء السرمدي ..

ونظرتي للحياة على أنها صحراء كئيبة تحيط بها صحراء أكبر .. وأنا فيها مجرد جبل وحيد !!

ربما ردد هذا الجبل – فيما بعد – كلمتك المأثورة ..

نعم .. وماذا بعد ؟!

تلومني عيناك أكثر ، وتصرخ بكل نعومة (فراشية) :

-         « أحمق .. أنت مجرد أحمق أخر مثلهم ..  يا عزيزي عهدتك – دوماً –  جبلاً شامخاً تهوى مضاجعة السماء بعليائك ، فهل اكتفيت بصراخك مثل الأطفال من مضايقات السحب اللزجة على هامتك ؟! هل صار (أمير الجنون) مجرد متسول للشفقة ؟! ألم تكن هوايتك مداعبة السحب حتى تتفتت أمطاراً عبثية تتناثر هنا وهناك ؟! ألم تعترف لي أنك كثيراً ما تستسغ الرقص تحت المطر ؟! أين ذهب أميري بداخلك ؟! ما صرت أرى إلا أحمق ضعيف . »

أتلقى اتهام عينك بابتسامة ملؤها الانكسار ، وأقاوم ملياً لكي لا أنام بوضع جنيني متكور أمامك ..

أحمق؟!

حتى أنتِ تصفيني بالأحمق ؟!

وجدتني – رغماً عني – ابتسم مرة أخرى بسخرية لا تليق بالموقف ، وجذبتها عنوة من يديها .. عيناها المذعورة بدأت في الصراخ الصامت !!

شهقت هي بلهجة (قطة متحفزة) .. ونظرت إلى عيني بترقب جلي !!

(وماذا بعد ؟!) ..

هذه المرة تساءلت هي بصمت صارخ ..

وانتظرت ردة فعلي كإجابة على ملخص تساؤلات الكون بالنسبة لها في هذه اللحظة ..

وفوجئت بشفتاي تجيب عن كل علامة استفهام تدور ما بين أذنيها ..

قبلة عميقة تقابلت فيها شفتان خائفتان بأخرى ثائرتان !!

إنها اللحظة الذي يتفاجئ فيها نجم حائر ببراثن بثقب أسود قابع في الفضاء الأزلي منذ ولادة العدم ذاته ..

أو لحظة لقاء صامتة دارت على سطح وردة غنت طرباً لاستقبال حُبيبة لقاح طال وصولها ..

ربما نفس شعور سمكة صغيرة منكفئة على جانبها وسط بحيرة أوشكت على الجفاف ، بينما يرتطم على جلدها الجاف نقط متواضعة تبشرها عن هطول سيل عرمرم في القريب العاجل ..

 

ترتعش عيناك من نشوة القبلة التي ولدت فجأة بلا أسباب ، ثم قررت أن تتحدى الموت المباغت لأي نشوة ساخنة تدور على سطح شفتيك الملساء  !

وأنا ؟!

أصابني الخدر وأنا أرتشف عبير أنفاسك الدافئ كغريق متعثر وجد مصادفة الينابيع المجهولة للنسيم في بحر أهوج متلاطم الأمواج ..

وأزيح بقدمي جثمان الزمن الذي خر صريعاً تحتنا .. فصارت اللحظة دهراً أبدياً تدوم حتى ما بعد الأبد .

وقرر المكان أن يتنازل لنا عن مكانته ، فصار هو مجرد تابع ورائنا يسير ما بين طرقات العدم الهادئة إلى زحام اللامكان ..

وحدنا نحن من نحدد متى نفض الالتحام ..

ومتى نقرأ شروط معاهدات الاستسلام ..

عندها – يا أميرتي – أضع سبابتي على شفتيكِ لكي أضع حداً لأنفاسك اللاهفة والمتلاحقة ..

وأهمس بأذنك التي تحولت إلى وردة ربيعية حمراء :

-         « لا تقولي – أبداً – على أميرك أنه أحمق وضعيف .. »

وإن همست عيناك مرة أخرى نفس السؤال الأبدي :

« وماذا بعد ؟!»

فأني رسمت على شفتيك لوحة من ألوان جنوني إجابة بسيطة عن (ما هو قبل) ..

في القريب العاجل سيأتي ما هو أكثر ..

ثقي تماماً من نظرتي هذه ..

لأنك ستعرفين حتماً ما هو الـ (ماذا بعد ..) !!