30‏/12‏/2009

إلى عزيزي (الأسطورة) ..!



عزيزي الأسطورة : نويل.

أو المعروف بين بلهاء الشرق الأوسط: بابا نويل .

وأيضاً المشهور بين بلهاء الغرب والشمال والجنوب والشرق الأقصى بـ (سانتا كلوز) .

لعلي أتذكر بدايات معرفتي بأسطورتك الكبيرة والتي سيطرت على أذهان العالم كله بلا مبالغة ! وأول سماعي عنك صادف بلوغي العام الرابع .. عندما كنت مجرد طفل صغير برئ المظهر .. لكنني كنت واسع الخيال ، فكنت أتساءل عن كنهك ! وكيف ستعرف سلوكي العام إذا كنت طفل شقي أم طفل هادئ المراس ، وبناء على سلوكي كنت ستنعم علي بكيس كبير من الحلوى التي يندر حيازتها إلا في المناسبات السعيدة .. لذلك كنت أفكر في شخصك كثيراً أيا عزيزي ، وأتخيلك وأنت تراقبني من فوق سقف غرفتي بشغف واضح يغزو معالم وجهك المسنة والوقورة في نفس الوقت ، لذلك كنت أشعر بالحرج منك حينما كانت أمي تحممني ، وأيضاً عندما أصحو من نومي وفراشي مبلل بما أنعمت عليه مثانتي الوردية !!

في عامي الخامس تعرفت عليك أكثر وأكثر ..

بل كنت أشعر بالشفقة عليك حينما أشاهد (الأجانب) في التلفيزيون يخطأون في نطق أسمك ويحورونه إلى (سانتا كلوز) .. أي اسم سخيف هذا ؟! أنت (بابا نويل) .. وتبلغ لي نفس درجة أهمية (بابا ماجد) و(ماما نجوى) و(جدو عبده) .. ولا أبالغ عندما أقول أن اسمك كان مقدس بدرجة بالغة في تلك السن الصغيرة .. لدرجة أني غضبت من أبن خالتي الكبير السن حين قال على سبيل الاستظراف (بابا نوال) .. كنت أعرف أنك لا تزال تراقبني وقتها ، ولعلك تنتظر مني رد فعل بليغ ورادع استحق عليه كيس أكبر من الحلوى في نهاية العام !! وقد كان ..

ومضت السنة ..

الطفل الصغير (أنا) ينام في فراشه مبكراً ارتضاء لأمر والديه ليثبت طاعته العمياء في الساعات الأخيرة من وصول الأسطورة ..

سيأتي غرفتي أنا .. ويرفع رأسي بحنو بالغ ثم يضع كيس من الحلوى تحت وسادتي الصغيرة !

ويا لها من لهفة يا عزيزي ..

الطفل الصغير يحارب بكل جدارة لكي يغلق عينيه ويسبح في الأحلام البريئة ، ولعابه يكاد يسيل كلما تذكر ألوان أغلفة الشوكولاتة الفاخرة والتي سيأتي بها (بابا نويل) في الصباح التالي مباشرة !!


في عامي السادس بدأ الأمر يختلف قليلاً ..

لقد تفتح ذهن الطفل على أمور كثيرة في الدنيا .. وأصبح لا يأبه لوجودك !! بل صار يشكك في وجودك ذاته !!

نعم ..

لقد انصرف ذهنه عن الحلوى السنوية التي تأتي بها كل عام .. وبدأ يتساءل عن أشياء شتى وأمور عدة ..

أذكر منها أنه كان يتساءل بينه وبين نفسه في خبث شديد :

« هل يتشابه مذاق حلمة النهد الأسود مع نفس مذاق حلمة النهد الشديد البياض !! » .

لعل خيالي بدأ في شطحاته في سن مبكرة .. ربما أفكاري بدت شاذة في سني هذه عزيزي الأسطورة .. ولكم عانيت منها في طفولتي .. لذلك كنت ألجأ إلى الانتقام المباشر منك أنت ..

فأنا أول من أطلق عليك لقب : الرجل العبيط ذو الأرداف الكبيرة (بالعامية طبعاً) ، وكنت أتلذذ باستنكار أصدقائي في المدرسة .. وكنت ارسم معالم اللامبالاة عندما يرد زملائي بأنك ستعاقبني على لساني الطويل .. لكني لم أتوقف .. بل تماديت أكثر وأكثر ..

لقد سقط احترامي لك بمجرد انشغالي بألعن واجبات مدرسية ودخول معترك الحياة مثلما يقولون ..

فأنا أصحو من النوم مبكراً قسراً من تحت بطانيتي الدافئة طوال الشتاء لأذهب إلى مدرستي اللعينة في برد قارص لا يعرف الرحمة بأوصال طفل مثلي .. وعلي أن أتحمل مرور وقت كئيب وممل يناهز السبع ساعات من أشخاص مصابين بأمراض نفسية مزمنة يطلقون عليهم (أساتذة ومدرسين) .. ثم أعود بعدها إلى البيت لتبدأ رحلة الواجبات المدرسية الشنيعة والمريعة والمملة ..

بينما تجلس أنت مع موظفينك الأقزام المسخرين لخدمتك يا عزيزي .. تلهو معهم في عالمك المليء بالثلوج البيضاء الجميلة .. وتحرك مؤخرتك ليوم واحد في السنة بعربتك الفارهة والتي يقودها فريق متخصص من حيوانات (الرنة) الطائرة .. ثم تتسلل بعدها عبر المداخن مثل اللصوص لتلقي بعض الهدايا هنا وهناك للأطفال البلهاء والمؤدبين .

ثم بعدها تعود إلى مكانك المريح لتستريح طوال ثلاثمائة وخمسة وخمسون يوماً (عدا السنوات الكبيسة يضاف يوم إلى المجموع السابق) !

كان لابد لي أن أتخلص من أسطورتك السخيفة بأسرع وقت حتى لا يصيبني الخبال من كثرة التفكير بك .. بل عاهدت نفسي أني لن أنقل لأولادي الخرافات المعروفة عنك .. أريد أن أملأ عقول أولادي بذخيرة عقلية تليق بمستقبل لا يتهاون ولا يرحم العقول البليدة .. ولا حتى العقول العادية ..

فلن أنقل لهم قصة البدين الذي يرتدي ملابس حمراء من الفرو الناعم يتوسطها حزام أسود عريض قد يتساقط بسبب عدم وجوده بنطالك الواسع المحيط ، ومن ثم تظهر ملابسك الداخلية !

ولن أحكي لهم عن لحيتك القطنية البيضاء والكثيفة والتي لم تعرف شفرات الحلاقة يوماً .. ولا حتى الداعي من وجود هذه اللحية العجيبة والمقيتة !

ولن أدعهم يتمسكون بمظهرك البدين والمخجل ويعتادون عليه (خصوصاً كرشك القميء يا عزيزي) .. وإلا فما الفائدة من وجود النصيحة الذهبية التي تقول : العقل السليم في الجسم السليم؟!

ولن أدعهم يستمعون إلى ضحكتك السخيفة والتي تعلن عن ظهورك ..

(هووه .. هووه .. هوووووه) ..

لو لم تكن تمتلك حنجرة رجل بالغ يا عزيزي .. واستبدلت حرف (الواو) بالحرف الذي يليه (الياء) .. لصار صدى ضحكتك مائع يليق بداعرة متمرسة مصابة بالتبلد الحسي في أعضاءها التناسلية !!


لا يوجد داعي لأن أتحمل وجودك وسخافة الطقوس الناتجة من وراء فكرة وجودك .. فأنت فكرة بالغ البعض في الدعاية لها ونشرها .. فلماذا أنصاع إذن وراء البلهاء ؟!


قد تتعجب – عزيزي الأسطورة – من هجومي الغير مبرر على شخصك الوهمي !! ولماذا أقضي وقتي في الاستفاضة الصريحة برأيي فيك !!

وهل سبب ذلك يعود إلى خلل حاد في طبيعة نفسيتي أم لا !!

أم أنني أملك الفراغ الكافي للكتابة عنك !!

أمممم ..

دعني أقول لك عن السبب الحقيقي لهجومي عليك :

نحن – البشر – لدينا ما يكفينا من متاعب الحياة ..

بمجرد أن يُقطع الحبل السري الذي كان يربطنا برحم أمهاتنا تبدأ على الفور متاعبنا في هذا العالم .. لعل هذه الحكمة بأن أول أنفاسنا في الحياة هي مجرد بكاء وعويل مرتجف .. هل سمعت – ولو لمرة – إلى البكاء المرتجف المليء بالهلع لطفل حديث الولادة ؟! هل فهمت بما تبوح به صرخاته ؟!

من حقك أن تعجز عن الفهم ..

وإن فهمت لاسودت عظامك البيضاء ونخرت أسنانك اللامعة والتي تتباهى بها في كل مناسبة تظهر فيها أنت أو أحد من بدلائك أو وكلائك الآخرين !


كما أنه من الصعب عليك أن تقحم نفسك في قتال شرس مع (النويلات) الآخرين مثلما نفعل نحن بكل إصرار .. ولا أعتقد بأن الجرائد عندكم مليئة بحوادث قتل بشعة .. ,أو أن (نويل) أخر زميل لك قد مات في معركة لا طائل منها برصاصة في حنجرته مثل مات الملايين منا ..

أسطورتك تحكي أنك تعيش في عالم مثالي .. وتهبط إلينا في يوم محدد لتتكرم على الأطفال بحلوى ساذجة تناسب أحلامهم هم .. بينما الكبار غارقون غرقاً في همومهم التي لا تنتهي ..

ولو آمن بك كبار البشر .. لقلنا أن المشاكل انتهت ..

لكن من يؤمن بك – عزيزي الأسطورة – هم الصغار فقط ..

ذوي العقول المحدودة ..

بينما الكبار يدركون تماماً أنه لا فائدة منك !!

فما الجدوى من تداول أسطورتك إذن ؟؟

ولو الأمر بيدي .. لأوقفتك في عالمك المثالي بعيد عنا .. ووضعتك في إقامة جبرية غير محددة المدة .. فأنت مجرد أمل زائف .. فقط سراب غير محدد المعالم لحين إشعار أخر ..

أخرج من عقولنا (كباراً وصغاراً) لكي ندرك أنفسنا ..

أتركنا نواجه حقيقتنا نحن في كل وقت ، وليس لأن نسبح في السعادة الزائفة يوماً واحداً فقط ..

دعنا نتحرر من سخافة وجودك الواهي ..

أذهب أنت وأصدقاءك الآخرين .. وخذوا معكم العبث الخيالي ..

لملموا متاعكم بعيداً عنا ..

لم نعد رائقي المزاج لنتحملكم جميعاً ..


الإمضاء :

واحد من البشر ..

..

وقريباً ..

البشر جميعاً .