21‏/3‏/2010

(وائل عمر) و(بروميثيوس) و(إثون) .. و(وائل عمر) أيضا ..!






تقول الأسطورة :

« تجرأ (بروميثيوس) على القيام بالحماقة العظمى حينما سرق النار المقدسة (والتي ترمز إلى المعرفة) من قمة جبل (الأوليمب) وقدمها إلى البشر الغارقون في الظلام الدامس ، فأستغل البشر هذه الهدية وأناروا لياليهم وحياتهم فيما بعد بواسطة هذه الهدية الإلهية !
بينما ثارت حفيظة كبيرة آلهة الأوليمب (زيوس ابن كرونوس) وتطايرت الصواعق من يده اليسرى غضباً وسخطاً على (بروميثيوس) الأرعن .. فقرر معاقبته على جرمه المريع ، كانت حجته (أي زيوس) هي: كيف يتساوى جنس البشر الدنيء مع عظماء السادة في (الأوليمب) ..
بناءاً عليه لجأ (زيوس ابن كرونوس) إلي نفسيته السادية وقرر ابتكار عقاباً لم يسبق له مثيل .. فأتى بـ (بروميثيوس) وعلقه بين جبلين شامخين مكبلاً ذراعية بسلاسل مصنوع من صلب لا يقبل المزاح ، وسلط عليه الرخ (إثون) ليأكل كبده في مطلع كل صباح بتأني وشهية مفتوحة ، بينما يعيد (زيوس) إنبات الكبد مرة أخرى ليعاود الرخ (إثون) إفطاره الطازج كل صباح ..
مدة العقوبة هي الأبد ..
أو هكذا قرر كبير الأرباب ..
وتستمر المعاناة اليومية .. ويتجدد الألم القاسي كل مطلع شمس !
أعتقد أن (بروميثيوس) أمتلك وقتاً كافياً لتوجيه سؤالاً مصيرياً إلى نفسه من الصعب إيجاد شافيه له :

  • هل يستحق البشر هذه التضحية ؟!
بالطبع ينتهي عذابه هذا عندما يعثر عليه (هركليس أبن زيوس) عليه في أحدى رحلات السفاري (الغرض منها استعراض عضلاته الخارقة مع الوحوش التي تطلقها عليه ضره أمه وزوجة أبيه ( هيرا) بسبب الغيرة) .. عندها يقرر (هرقل) أن يطلق سراحه وإنهاء عذابه . »
إلى هنا انتهت قصة (بروميثيوس) التي تعد من أروع الأساطير في الميثالوجيا الإغريقية ..
وتبدأ أسطورة أخرى معي أنا ..
بشكل ما دار في مخيلتي أن (وائل عمر) قرر أن يأخذ مكان (بروميثيوس) في الميثالوجيا !!
وأبدل مكانه معه في الزنزانة الواقعة بين قمتي جبلين .. سابحاً في الفراغ الشاهق عارياً من كل لباس ..
في الصباح يزورني (إثون) السمج ليأكل كبدي في نهم .. وفي المساء ينمو كبدي مرة أخرى بين أحشائي !
ولكن ..
أي (وائل عمر) سيحل محل (بروميثيوس) ؟!
نعم ..
فهناك أثنين (وائلين عمرين) هنا ..

  • (وائل عمر) هو أنا كما آراني من الداخل .. الذي لا يخجل من الشعور بالغرور حينما يصف نفسه بالروعة التامة في المثالية الفكرية ، وأن العالم بما فيه لا يستحق وجوده ، وأن مكانه الحقيقي في عالم مواز أخر سداسي الأبعاد .. تخيلوا أنه يظن أن قدرات عقله لا تناسب قدراته الجسدية ؟! بل أنه يعتقد أن إمكانيات عقله مقارنة بحجم جمجمته مساو تماماً بـ حوت عملاق موضوع – قسراً – داخل كوب ماء (!!!)
    ألم أقل عليه مغرور ؟!
    لكنك لن تشعر بغروره أو إمكانياته هذه التي يتشدق بها بين ثناياه طالما أنت لست فكرة بداخله !! بناءاً عليه لن تشعر بذرة واحدة مما يعتريه بالداخل .. دعني أؤكد بأن الأمر أشبه بمفاعل نووي هائل تم إنشاءه داخل علبة حلوى زاهية الألوان ..


  • (وائل عمر) الآخر هو الذي أفلحت في اصطياده من انطباعات المحيطين به سواء كانت طريقة الصيد هي المصارحة المباشرة منهم ، أو الملاحظة الخبيثة مني أنا ..
    أنا في عيون البعض :

    • طفل كبير .

    • أرعن لأقصى درجة ..

    • متهور (والتي لها نفس معنى السطر السابق ) ..

    • ساخر بطريقة ساخطة .. وساخط بطريقة ساخرة !!

    • سليط اللسان بطريقة لا يفهمها أحد (للأسف) .

    • متقلب المزاج مثل مفرمة (منجنيز) عملاقة (راجع الجدول الدوري لـ مندليف) .

    • ممل .. بل ممل لأقصى درجة !

    • قوي الذاكرة بشكل مروع ..

    • يصعب توقع رد فعله ..

    • يعشق (الفانلة الداخلية) بجنون ، ويعتبرها أعظم الاختراعات قاطبة .. ولا يكف عن المصارحة بهذا الإعجاب في كل مناسبة !

    • يكره العنف .. ومع ذلك هو عنيف !

    • رومانسي جداً .. بل يمتلك رهافة وأحاسيس ورقة مشاعر (غراب) يافع في موسم التزاوج ..

    • من أهم علاماته التشريحية : حاجبه الأيمن الذي يعلو شقيقه الأيسر في حالات الدهشة .. أو انعقادهما معاً في حالات التفكير والشرود ..

    • علامة تشريحية أخرى : حاد النظرات بطريقة مرعبة !!

    • فاشل تماماً في التعامل مع الجنس الناعم .. وأي شيء له علاقة بالأنوثة بشكل عام !!

    • جاف الطباع كورقة شجر خريفية منسية !

    • فضولي بدرجة يفر منها الفضول نفسه ..

    • غامض بدرجة أقرب إلى ثقب أسود حائر في الفراغ السرمدي !

    • تحت أي ظرف لا يمكنه الجدال في المعادلة الرياضية : 1 + 1 = 2 .

    • يصاب بعقدة نفسية كلما اصطدم بعلامة استفهام تنتهي ورائها قدرات المنطق .
بالطبع هناك الكثير والكثير المتاح ذكره هنا ، ولكني لا أرغب في تعرية ذاتي أكثر من ذلك (تذكروا شمم وكبرياء وائل عمر الآخر).

اختصاراً للوقت ومجهود مقلات أعينكم .. قررت وضع (وائل عمر) الذي يراه الناس مكان (بروميثيوس) لبعض الوقت .. وإن كان رد فعله منطقي بالنسبة لكم ، إلا أنني سأسرده بالطريقة التي ستورد على عقل (وائل عمر) إياه ..

* * * * *


  • (الفراغ والألم ) ..
    ثنائي غريب أشعر به في هذه اللحظة !!
    لحظة ؟!
    منذ متى وأنا أشعر بالزمن ؟!
    كل لحظة هي توأم غير شرعي – متوالد باستمرار – نتج عن معاشرة غير سوية من الوجود للعدم !!
    لا فرق بين لحظة وأخرى .. لدرجة أنني أشعر بقدراتي على التنبؤ بالمستقبل من فرط التكرار الممل .

    الفراغ يحيط بي من الخارج .. كل ما هو حولي هو فراغ .. لا توجد رؤى سوى قمتي جبل ولدا بعاهتي الصمم والبكم .. لهذا تتساقط الكلمات مني مثلما يتساقط العرق .. لا يوجد من أتحدث معه هنا .. مجرد فراغ ..

    والألم يعصف بي من الداخل .. ذراعيي المشدودان بقسوة إلى السلسلة القاسية تضيف معنى أخر للفظة (ألم) ..

    في أقصى الأفق تولد (دائرة الشمس الصفراء) في مخاض سماوي فريد ، بينما يزحف على الأرض أسراب لانهائية من العبيد الرمادية اللون والتي هي ظلال الجبال الأخرى تعلن في لهفة طفولية عن ميلاد نهار جديد ..
    في مناسبة أخرى كنت سأعجب – حتماً – بهذا المشهد ..
    إلا أنها بشير قدوم زائر ثقيل الظل بالنسبة لي ..
    (إثون) ..
    جاء لكي ينعم بوجبته في الصباح ..
    كبدي الطازج والذي مضى على صنعه أثني عشر ساعة بزمنكم أنتم أيها المحظوظون !

    بالفعل أسمع رفرفة أجنحته العملاقة تهز الأفق من حولي ..
    بينما أسمع صوته المزعج الشبيه بالفحيح والصياح والنقيق معاً ..

    • « (إثون) جاء ليتناول إفطاره .. »
هكذا أترجم صياحه في مخيلتي .. هذا المأفون يتعامل معي على أنني شجرة طارحة لثمار الكبد الطازج ..
هذه المرة بالذات صممت على أن أنغص عليه يومه .. لا أعلم أين سيذهب بعدما ينتهي من وجبته ! لكنني توعدت له بقضاء يوماً أسود ..
ها هو يقترب مني في لهفة واضحة .. لازال كما هو بهيئته المرعبة التي تثير الرهبة وتجمد الدماء في العروق ..
(إثون) .. الرخ المختار لعذابي ..
توقف أمامي بينما يزال يحلق بجناحيه العملاقين ليحافظ على وضعه أمام كبدي .. بينما ينظر بخبث وتحد إلى عيني الحادتين التي تبادله نفس النظرة ..
الغريب في (إثون) أنه يمتلك نفس الصفات الوراثية لدجاجة غبية موجود في أي حظيرة نمطية .. لهذا أخذ يحرك رأسه في حركات دائرية عشوائية وهو يصدر قرقرة خافتة تثير الحنق بالإضافة إلى نظرة بلهاء تطل من عينه ..
هل فقد (زيوس) حاسته التخيلية في ابتكار صفات جادة تليق بهذا الوحش المرعب ؟!
راودتني فكرة بأن أمطره برذاذ أصفر ذاتي الصنع كمحاولة مني لإفساد شهيته المفتوحة ، لكن زاوية الإطلاق عندي منخفضة ولن تصيب الهدف مهما حاولت ..
هناك فكرة أخرى هي أن أركله بقدمي على رأسه عدة مرات حتى يصيبه الذعر ويفر هارباً .. إلا أنني تذكرت أنني أتعامل مع (رخ) أصيل وليس (إوزة) ناعسة !!
هنا خطرت لي فكرة لا بأس بها قبل أن يقترب منقاره من جانب بطني الأيمن فبدأت في تنفيذها على الفور :

  • « (إثون) .. هل تستطيع التحدث ؟! »

  • « بالطبع يا أحمق .. لا تنس أنني سليل عالم إغريقي متكامل .. كل شيء يتكلم هنا .. حتى الجبال يمكنها الغناء في هذا العالم .. »

  • « أممم .. إذن أولاً عليك اللعنة ، لماذا لم تحادثني من قبل أيها الأخرق ؟! لقد أصابني الملل تكرار من جراء الوحدة .. حتى أنني صرت الملل ذاته !! »

  • « متأسف جداً .. ولكني لست معتاد على مخاطبة وجبتي الوحيدة طوال يوم كامل .. هل كلفت نفسك بعناء التحدث مع (موزة) قبل أن تقشرها وتلتهمها في نهم ؟! »

  • « لا .. لم تخطر لي هذه الفكرة في السابق !! »

  • « نفس الحال هنا .. ولا تنس أنني أكابد العناء في تقشير كبدك كل مرة .. لو كنت – أنت – متعاوناً وجهزت وجبتي مغلفة على طريقة (Take Away) لأسعدني طبعاً قضاء وقت لا بأس به في الحوار معك . »

  • « جميل جداً .. أنت تتحلى بروح الدعابة ومنطق لا بأس به .. أنني أتساءل بحق عن جريمتك .. وكيف طاوعك عقلك على ارتكاب ما فعلته .. لابد أنك تعاني كثيراً في قضاء عقوبتك هذه !»

  • « عفواً ؟! عن أي شيء تتحدث ؟! عن أي جريمة وأي عقاب تتحدث ؟! »

  • « أحقاً لا تعرف ؟! كنت أظنك فطناً بما يكفي لمعرفة ما يحدث هنا !! »

  • « تدلني فطنتي أنك تحاول فعل أمر ما مريب .. لقد حذروني السادة في (الأوليمب) من خطر دهائك الداهم .. لكنني وجدت التعامل معك متعة لا بأس بها .. »

  • « أحقاً أخبروك بهذا ؟ هل أنت ساذج إلى هذه الدرجة عزيزي (ثونة) ؟ »

  • « يبدو انك تحاول إفساد شهيتي بالكلام الفارغ معك .. محاولة جيدة .. لكنها لم ولن تفلح . »

  • « عزيزي (إثون) .. فكر بطريقة جدية ، أنت تعرف طبيعة (زيوس) العبثية في إدارة الأوضاع .. تخيل كبير الآلهة الذي يمتاز بعقل طفل رضيع وهو يسيطر على زمام الأمور .. أنه يصنع البشر باقتدار فائق ، ثم يشعر بالغيرة من الذكور منهم .. بينما يطارد جميلات الإناث منهن .. بل يتمادى في الأمر ويحول نفسه إلى حيوانات من أجل أن يتلصص عليهن وهن عرايا ليتطور الأمر إلى مضاجعة شهوانية منحطة من جانبه ..
    هل تدرك أنه أحياناً يحول بعض البشر إلى حجارة من أجل استخدامها في المزاح مع (هيرا) ؟ تخيل رب الأرباب الأعظم وهو يقذف زوجته بحجر كان في السابق فيلسوفاً حكيماً أو معلم وقور .. »
اختفت نظرات النهم من ملامح (إثون) وحل مكانها إمارات التفكير والحيرة ..

  • « لماذا تفكر على هيئة دوامات؟! أنت قلت شيئاً ما عن جريمة وعقاب .. أي شيء تقصد بالضبط ؟! كف عن محاولاتك لخداعي ، لو اكتشفت أنك تحاول العبث معي فصدقني أنا على استعداد أن ألتهم كبدك على مهل وطوال النهار .. سأعلمك معنى جديد للعذاب . »

  • « عزيزي (إثون) .. فكر قليلاً .. من يعذب من يا رفيقي .. أنا وأنت معاقبين من الأبله (زيوس) .. »

  • « ماذا ؟! »

  • « نعم عزيزي .. فكر جدياً في الأمر ، ثم أحكم بنفسك .. أنت تصحو من نومك منذ مطلع الشمس ، وتطير مسافات طويلة من أجل أن تصل إلي هنا .. ثم تكون مكافأتك عبارة عن قطعة لحم صغيرة – هي كبدي – تحاول أن تقنع نفسك بها طوال اليوم .. قل لي يا أعظم من حلق في السماء :

    • هل تغني قطعة لحم صغيرة عن مجهودك وطيرانك ذهاباً وإياباً طوال اليوم ؟!

    • هل جربت طعماً أخر غير طعم كبدي طوال فترة عقوبتك هنا ؟!

    • ألم تشتاق يوماً لطعم لحم غزال الشهي الذي يرعى بحرية في جزيرة (مينتاروس) ؟!

    • ألم تفكر متى ينتهي هذا الروتين الممل السخيف الذي تمارسه يومياً ؟!

    • هل تعتقد أن أحد ما سيقرأ بطولاتك في كتب التاريخ ، ثم يتأمل مجدك وزهو عظمتك ؟!
    أجبني يا (إثون) ..
    صارحني بينما كبدي ينتظر منقارك في أحشائي .. فلا فرق بالنسبة لي .. أنه مجرد آلم يوم أخر ، وقد اعتدت طعم الألم منذ زمن لا أدري مجمله .. أنا هنا عارياً مصلوباً في العلياء .. تتماطر علي أحقاد (زيوس) وحاشيته البغيضة .. بينما يقدسني البشر ويضربون بي المثل في التضحية والوفاء .. بينما أنت تمثل السجان القاسي والشرير في نظر البشر ..
    (النار المقدسة) أصبحت في متناول البشر يا (إثون) .. وقريباً سيصبح كل شيء في متناولهم أيضاً .. فكر جيداً .. تخيل البشر وهم يحتلون مكانة (زيوس) شيئاً فشيئاً .. عندها سيصبح هو مجرد أسطورة بلهاء يقصها الكبار على الأطفال قبل النوم .. أو يصير أسمه مجرد ضيف سمج في قصة عادية عن الإغريق .. وتتحول معابده الكثيرة إلى مزارات سياحية يتأمل فيها الناس تمثاله العبوس والمتجهم الملامح ..
    فكر جيداً (إثون) .. والقرار لك . »
لم أستطع منع نفسي من إضافة لمسة تمثيلية على ملامحي .. فأشحت بوجهي بعيداً عن (إثون) على سبيل التعبير المسرحي .. وأتأمل ملامحه بنصف عين لأراقب ردة فعله !
كما توقعت .. لقد أفلحت دموعه في الفرار من عينه بسخاء .. ربما هذه أول مرة أشاهد طائر يبكي .. خصوصاً أنه طائر الرخ المرعب .. يبدو أن موهبتي التمثيلية لا بأس بها ..

  • « (إثون) ؟! لقد تأخرت عن موعد إفطارك يا عزيزي .. هيا .. أضف حبة رمل إلى جبل عذابي .. وأسكب نقطة شرف إلى بحر مجدي .. هيا يا عزيزي .. »

  • « ... »

  • « ما بك يا عزيزي ؟! »

  • « اللعنة عليك .. لقد تذكرت الآن كم هو مريع طعم كبدك .. أنني لم استسغ يوماً طعم لحومكم .. لقد نسي الأرعن (زيوس) أنني نباتي ! هذا الأخرق (الفلاتي) .. أرغمني أكل اللحم يومياً دون أن أفكر مرة بالاعتراض .. أو حتى تذكيره هو .. لقد تعذبت أنا الأخر .. تعذبت دون أن يتذكرني أحد ، أنا المنسي من (زيوس) وحاشيته .. وملعون من البشر ، ومكروه منك أنت .. أنا .. أنا لا شيء .. »
قالها ودخل في نوبة بكاء عالي نشيجها ..
للحظة برقت عيناي ببريق لامع وأنا أتأمله ..
ثم تحولت ملامحي للتعاطف الصادق معه ..
نعم ..
هو رخ مرعب .. لكن لا ذنب له .. أنه مجرد آداه للسادي الأبله (زيوس) ..
هنا خطرت لي فكرة أخرى ..

  • « (إثون) .. ماذا عن ميولك (الراديكالية) ؟! »

  • « ماذا ؟! »

  • « أعني آآآآ .. لماذا لا نطرق أبواب الانتقام ؟! أنا وأنت معاً .. »

  • « ماذا تقصد ؟! »

  • « سأشرح لك .. لكن أجبني عن سؤالي أولاً : هل لازلت تشتهي طعم كبدي ؟! »

  • « (ياع) .. كلاً بالطبع .. قلت لك أنني نباتي أيها الأحمق .. نبااااااااتي .. لا علاقة لي باللون الأحمر إلا عن طريق الفراولة والطماطم والكريز .. »

  • « وماذا عن البطيخ ؟! »

  • « ماذا ؟! »

  • « لا عليك .. عزيزي (إثون) .. لقد انتهى عهد عداوتنا .. وصرت الآن صديقي وشريكي .. كم أتمنى أن تصبح يدي طليقة لكي أحتفي بهذه المناسبة وأعانقك .. »

  • « مهلاً .. قد أستطيع فهم جزء الصداقة .. ولكن شركاء ؟! كيف أكون شريكاً لك ؟! »
ما أروع موهبتي التمثيلية في أصعب الظروف ..
لقد أثرت أن أصمت قليلاً وأن أشد عضلات ذراعي وأنا أجذب السلسلة البغيضة .. وقمت بتقطيب حاجبي .. وقلت في بطء وأنا أنظر في عينه :

  • « في الانتقام يا (إثون) .. شريكي في الانتقام . »

  • « الانتقام ؟! »

  • « نعم (إثون) .. الانتقام .. »

  • « وكيف تقوى أنت على الانتقام ؟! »

  • « أنت لا تعرفني جيداً .. كذلك (زيوس) .. فك وثاقي وسترى .. »
فوجئ (إثون) بردي المنفعل المدروس .. وأجفل قليلاً وأصابه التردد للحظة .. ثم أتخذ القرار وهو يقول في عزيمة:

  • « حسناً يا صديقي .. فلنكن شركاء .. أصمد قليلاً .. سأقضم أغلالك الحديدية .. لا تستهن بموهبة منقاري .. »
غير (إثون) من وضعه (التحليقي) .. وصار أسفل جسدي .. تحديداً ما بين قدماي في وضع جعلنا أشبه بالخيل وفارسه .. ثم توجه بعنقه يميناً ويساراً ويقضم القيود الحديدية ليحرر ذراعاي أخيراً ..
ما أجمل الحرية ..
رفع (إثون) عينه إلى عيني قائلاً :

  • « والآن أين سنتوجه ؟! »

  • « إلى شاطئ (كريت) للعراة !.. إلى جبال (الأوليمب) طبعاً .. هناك الكثير والكثير ينتظره المؤرخين لإضافته لمصفوفة الأحداث الإغريقية .. سيقرأ الناس فيما بعد كيف ركل (وائل عمر) مؤخرة (زيوس) المبجلة وهو يجرده من كل هيبة نالها من أساطير العذاب التي كالها إلى البؤساء أمثالي أنا و (سيزيف) و (أوديب) و (إيكاروس) و (يوروبا) و (إيكو) والعديد غيرنا .. »

  • « لحظة .. من هو (وائل عمر) هذا ؟! لم أسمع به من قبل !! هل هو أسطورة منسية ؟! .. أم مجرد أحمق يحاول التمسح بالمجد الإغريقي ؟! »

  • « أحم .. لا عليك (إثون) .. فلنذهب ونظفر بثأرنا .. هياااااااا »
هنا أطلق (إثون) صرخة هادرة تليق بطائر رخ محترم .. وبدأ الأفق يتخذ أشكال عديدة غابت عني منذ الدهر .. بل أكاد أقسم أن الجبال تغيرت هيئتها ، يبدو أنني سجنت لأمد طويل جداً ..
أمممم .. ما أجمل طعم الانتقام ..
تريث أيها الأرعن (زيوس) ..
فالانتقام قادم لك على جناحين كبيرين من صنعك أنت ..

(الانتقام طبق يفضل أن يقدم بارداً) ..

11‏/2‏/2010

محاكمة عقلين .. وأكثر ..!

بين الحين والآخر ينتابني حلم غريب يتكرر مرات عديدة بنفس الفكرة والمضمون ولكن بأحداث مختلفة كل مرة !!

في الغالب ما يقحم هذا الحلم منامي بجيوش عاتية أعجز عن صدها أو حتى التفكير في محاربتها .. فهو يأتي فارضاً وجودي ، وأنا أتابعه بكل استسلام مملوء بالذعر ..

حتى الآن عجزت عن تعريف كنهه سواء بالحلم ، أو كابوس !! كأنني أخشى التفكير فيه .. لكنني لا أميز ما بين أحلامي ، فحتى الكابوس أسميه حلم .. فهو يندرج تحت وجود العالم الوهمي الذي ينتاب الفرد منا في منامه ..

لكي لا أبدأ في الإطالة أو الاسترسال سأذكر الأحداث الأساسية لما يأتيني تحت أسم : حلم :

أنا – جالساً على ركبتي - أتوسط أشخاصاً ملثمين بأقنعة سوداء تخفي ملامحهم تماماً ، في أيديهم أسلحة عديدة ما بين البيضاء والرشاشات الأوتوماتيكية ، بينما يقف خلفي شخص يقرأ كلام مبهم من ورقة يمسكها في يده !!

دون أي سابق إنذار أشعر بأن هناك سكين حاد يمر على رقبتي (أعلى الحنجرة تحديداً) بينما أنا أقع على جانبي وجسدي ينتفض بقوة مصدراً حشرجة عنيفة ..!

ثم لا شيء بعدها ..

ينقطع الاسترسال بهدوء وكأنه لم يحدث شيئاً !!

الأمر أشبه بلحظات الصمت التي تعقب انتهاء أحداث الفيلم الشيق ، ثم تليه الشاشة السوداء في الجزء المتبقي والفارغ من (شريط الفيديو) ..

الحدث الوحيد المتبقي هو أن أصحو مذعوراً والفزع يغمرني ..

ويا له من شعور قاسِ .


 

مشكلتي مع هذا الحلم أنني أراه من خارج جسدي !! أعني أنني أراقب نفسي كأنني أقف أمام نفسي فعلياً ، في نفس الوقت أنا أراه من داخلي !! إحساس غريب أن يكون الشخص في مكانين في نفس الوقت .. الأغرب أنه يراقب نفسه في مرة منهم ، ولا يشعر بها في المرة الثانية !!

تكرر هذا الحلم مرات كثيرة جداً ، وإن اختلفت درجة الإحساس كل مرة .. فأول مرة كانت شهقة الاستيقاظ من الحلم رهيبة جداً .. حتى أنني شعرت بالحد الفاصل ما بين الحلم والواقع !!

أنا أعلم تماماً أنني ذو عقل باطن مشاغب جداً ويهوى كثيراً أن يتمادى في الأحلام أثناء نومي ، فليس من المستغرب بأن أحلم بمباراة كرة قدم بين الآلهة التي قرأت عنها من قبل .. طبيعي جداً أن يفوز الفريق الذي يضم (رع) كمهاجم لا يستهان به ، بينما لا يكف (زيوس) عن الشكوى إلى حكم المباراة الذي يتمحور في كونه العظيم (آنوبيس) ..

ولكن .. لماذا يعذبني عقلي الباطن إلى درجة الإيحاء لي بأن هناك من يقومون بذبحي وبأدق تفاصيل المشهدية مع درجة مقاربة من آلام الذبح ؟؟!

هل لذلك علاقة بطريقة موتي ؟؟

هل سأموت مذبوحاً ؟؟

هل هناك صلة بين العقل الباطن وبين المستقبل ؟؟!
لا أظن !!

هل أعاني من مشاكل نفسية عميقة ترسبت بداخلي وتشكلت على هيئة هذا الحلم ؟!

كان علي اللجوء إلى عقلي الواعي من أجل الحصول على بعض الراحة الواقعية ، ومن ثم تقديم شكوى إليه من عقلي الباطن الذي يفسد علي راحتي في عالم الأحلام .. لذلك عقدت المحاكمة ووقف عقلي الباطن ذليلاً بين قفص محكم من معدن لا يمكن الهرب منه .. أنه المنطق !!

وبدأت المحاكمة ..

(أنا) هو القاضي ..

عقلي الواعي يقوم بدور المتظلم ..

بينما عقلي الباطن هو المتهم ..

في محاولة من عقلي الباطن للدفاع عنه نفسه ، طلب منا جميعاً أن نذهب للوراء قليلاً لكي يفسر لنا من أتى بهذه القسوة الغير مبررة ، وهو طلب وافقنا جميعنا عليه باعتبارنا كياناً واحداً وعشنا طفولة واحدة ..

وقد كان .


 

* * * * *


 

كنت في الخامسة من عمري عندما هممت بعبور الشارع المجاور لبيتنا !

نظرت يمينا ويساراً لأتأكد من خلو الشارع من السيارات المتوحشة كما علمني أهلي وقتها ..

توقفت عندما لمحت سيل جارف من السيارات التي تتسارع لعبور الشارع بأي طريقة وبمنتهى الرعونة .. شيء أثار استغرابي وقتها ولم أكن بالكفاءة العقلية للتحليل المنهجي لما يحدث أمامي !!

ثمة قطة صغيرة تمر بجواري بشموخ واضح وغير عابئة بوجودي .. كأنها لم تكتسب بعد غريزة الخوف الأعمى من الكائن الهمجي المسمى "الإنسان" ..

قطة تمشي والبراءة تقطر منها في كل خطوة ..

تركت مراقبة الطريق وقررت متابعة القطة بعينان يملأهما الفضول ..

كانت ناصعة البياض كلون الحليب (والذي بدأت في الامتقاع من طعمه وقتها) .. عيناها تنظر في كل مكان بمشاغبة وفضول واضح .. بطنها ممتلئ قليلاً كدليل واضح على انتهاءها للتو من رضاعة مشبعة من ثدي أمها.. ذيلها لا يعرف للسكون معنى ، فكان يتحرك في كل اتجاه مثل السوط الذي يتحكم به شخص مخبول !!

بدون سابق إنذار ..

مرت سيارة بسرعة وقريبة من الرصيف الذي أقف عليه ، وتابعت السيارة بنظري وأنا أتساءل عن غرض قائد السيارة الأحمق من الدنو من الرصيف هكذا طالما أن الشارع واسع الرحاب ؟! لعله واحداً من الذين حذروني منهم أبي وأمي قبل القيام بعبور الطريق !

عندما عدت بنظري إلى القطة ، وجدتها تتلوى وتنتفض بطريقة غريبة جداً علي ..

كانت أقدامها تتحرك بتشنج وبسرعة وهي نائمة على ظهرها كأنها تهرول على أرض خفية فوقها .. كان الدم ينزف من رأسها ببطء .. ومعالم الألم تبدو جلية على وجهها البريء .. ثمة مواء خافت يصدر منها بطريقة لم أألفها من القطط من قبل ..

بسبب تشنجاتها هذه راح جسدها يزحف إلى وسط الطريق .. وأنا أتابعها ببصري عاجزاً عن فهم ما يحدث !! ضربات قلبي بدأت في التسارع من القلق ..

ما الذي حدث ؟

ما الذي يحدث ؟

بطريقة ما وصلت القطة إلى وسط الطريق .. وقد زاد معدل تشنجها بطريقة لا معقولية ..

إلى أن خمدت حركتها تماماً واستقرت على جانبها في معمعة الطريق ..

لم أرى انفعالات معالم وجهي من الخارج .. ولم أثق كثير في مشاعري الدائرة بداخلي لحظتها ! كأنما ولدت مشاعر خاصة وغريبة على سنوات عمري الخمس في تلك اللحظة !!

لازال بصري شاخصاً على الجسد المسجي وسط الطريق ، وكانت تفصلني عنه بضع لحظات تمر فيها السيارات بنفس الرعونة ..

جسد القطة المسجي يظهر مرة أخرى ..

هذه المرة اختلفت معالمها كثيراً ..

فقد خرجت أحشاءها من مؤخرتها .. وبدا جسدها كأنه جزيرة صغيرة يحيط بها السائل الأحمر من كل الجهات ..

حتى لونها الأبيض قام بغزوه اللون الأسود القبيح .. لون القذارة والأوساخ الذي يملأ إطارات السيارات !

ما عادت القطة شقية بعد الآن !

بل صارت مجرد معالم مجهولة اختلطت بأسفلت الشارع ..


 

لازلت أنا الطفل ذو الخامسة من العمر واقفاً في الطريق ..

أحاول فهم أي شيء مما حدث ، لكن براءتي وقتها حالت دون فهمي !

فرفعت وجهي ببطء نحو السماء متسائلاً .. وفي نفس الوقت متسولاً أي إجابة شافية منها ..

وثمة دمعة وحيدة تسيل على خدي الأملس في بطء .


 

* * * * *

صرخ عقلي الواعي فجأة :

  • « أتذكر جيداً ما حدث ، أنه أول لقاء لي مع (الموت) ..

    وليس له علاقة بالذبح الشنيع الذي أتعرض له في نومي !!

    كما أن الميت هنا مجرد قطة ..

    والكثير منا اعتادوا رؤية جثث القطط والكلاب والفئران في الشوارع وهي مهروسة هرساً بسبب رعونة بعض قادة السيارات الذين لا يلقون بالاً بما اقترفوه .

    أعترف بأن الحادث كان بشعاً جداً لحظة حدوثه .. لكنه ليس مبرر لأن يخزنه عقلي الباطن بين ثناياه كل هذه المدة .

    ربما وقتها تساءل عقلي الواعي عن كنه الموت !! وحاولت الاقتراب من تفاصيله بدافع الفضول الذي يملكه أي طفل في هذه المرحلة العمرية ..

    ما هو الموت ؟؟!

    وكيف يموت الإنسان ؟!

    هل الموت مؤلم ؟!

    هل يشعر الميت بشيء بعدما يموت ؟!

    كلها أسئلة عادية جداً تناسب المرحلة العمرية للولادة الحقيقية للعقل الواعي والذي بدأ يتسلم مهامه في هذه السن .

    وتبقى التهمة ثابتة :

    من أين جئت – أنت – بهذه القسوة لكي تطبقها علي في منامي ؟!»

لم يعلق المتهم .. إنما نظر إلى القاضي في هدوء متجاهلا احتجاجي الثائر ، وبدأ في استكمال السرد الغريب .


 

* * * * *


 

هذه المرة كنت في الثامنة من العمر عندما اجتمعت أنا وأقاربي (المقاربين لي في السن) في الحديقة الخلفية لبيت العائلة .. كنا قد انتهينا للتو من صلاة (عيد الأضحى) وهرولنا عائدين إلى البيت في لهفة ، وباتفاق خفي ذهبنا مباشرة إلى الكائن الغريب الذي يقبع في الحديقة منذ ثلاثة أيام !!

الخروف !

مع أن معالم التباهي بالملابس الجديدة واضحة على وجوهنا ! إلا أننا لم نجد غضاضة في أن نمتطي ظهر الخروف في تحد لإظهار من هو أشجع صبي بين الأولاد!! حتى يأتي الكبار من (ساحة) صلاة العيد ..

عندها يبدأ الترقب الحقيقي لنا .. فبعد قليل سنشاهد حدثاً لا نراه إلا كل عام بالتمام والكمال ..

بالنسبة لي أنا كنت أراقب بهدوء – مشوب بالفضول – ذلك الشخص القادم مع خالي ..

كان يرتدي ملابس قذرة غريبة وقديمة لا تتناسب مع مناسبة العيد .. على حزامه كانت تتوزع سكاكين عديد ومن كل الأحجام !

وقفت أراقبه وهو يستل سكيناً صغيراً من حزامه ، وبدأ يحكه في شيء ما غريب الشكل ، مصدراً صوتاً شنيعاً لا يمكن احتماله .. عرفت فيما بعد أن هذه هي طريقة (سن السكين) !!

أمرني خالي بالابتعاد عن (الخروف) وإفساح المكان للجزار لكي يعمل في حرية ..

أطعت الأمر وجلست في أقرب مكان ممكن ، جلست على الأرض غير عابئاً بنظافة ملابسي الجديدة .. وبتركيز شديد راقبت الجزار وهو يهم بالبدء في عمله !!

أشاهده وهو يوثق أقدام (الخروف) بحبل متهرئ .. ثم يدفعه بقوة ليسقط على جانبه !

هنا يتحفز تفكيري أكثر وأكثر ..

أراقب السكين في يد الجزار .. وعين (الخروف) نفسه !!

كثيراً ما تساءلت فيما يفكر (الخروف) في هذه اللحظة ؟!

وهل يفكر الخروف أصلاً يا ترى؟!

السكين يقترب من عنق (الخروف) ..

الخروف يجاهد للوقوف مرة أخرى .. هذا ما يفسر محاولاته للتخلص من الحبل بكل عصبية !

الجزار يرفع عنق الخروف للأعلى ..

الخروف ينظر إلى يد الجزار الأخرى الممسكة بالسكين الحاد ..

وبدأ الجزار عمله ..


 

* * * * *


 

هذه المرة شرد عقلي الواعي – كعادته – وبدأ في الغمغمة بهدوء عقلاني :

  • « وما في هذا ؟!

    لست أول طفل يراقب ذبح خروف العيد !!

    أنه مشهد عادي جداً بالنسبة لأي أسرة عربية كباراً وصغاراً ، وهو طقس ديني مشابه لطقوس القرابين التي كانت تقدم في حضارات عدة سابقة .. أي أنه لا يقتصر على العرب فقط .. بل هناك حضارات تمادت في الأمر وقدموا (أضحية بشرية) في المناسبات الدينية الخاصة (أبرز مثال : حضارة المايا .. وحضارة والأزتك) .. وليس من الممتع أن تشاهد زعيم البلدة وهو يذبح الضحية المخدرة بحجر صلد بمنتهى الروتينية والرتابة ، ثم ينتزع القلب (يحتم الطقس أن تكون الضحية في وعيها أثناء خروج القلب !!) .. في بعض الاحتفالات الكبرى يصل عدد القرابين البشرية إلى ثلاثمائة ضحية .. وقد يستغرق الأمر ثلاث ليال كاملة !!

    هناك

    أيضاً قصة إبراهيم وإسماعيل (بعض الأقاويل تذكر أن إسحاق هو المختار للذبح وليس إسماعيل!!) .. وهذه القصة تعتبر مثال غير مكتمل للأضحية البشرية !!

    نعود إلى عيد "الأضحى" عندنا وطقوسه ..

    مدرس (الدين) وقتها أكد لي بأن الخروف لا يشعر بأي ألم وقت الذبح ، بل أنه يشعر بالسعادة عارمة لأنه يُذبح في عيد الأضحى وليس أي يوم عادي (هذا كان رأي مدرس التربية الدينية الذي كان يتلذذ بضربي طوال المرحلة الابتدائية بسبب أسئلتي التي لا تروق له !!) .

    بالطبع لم أقتنع بما قاله المدرس على الرغم من سني وقتها يحتم علي أن أكون مجرد (شوال) معلومات أحشو بها رأسي دون مناقشة .. وبقت ذكريات طقس الذبح ملازمة لذهني حتى بعد انتهاء (عيد الأضحى) ..

    أذكر أننا وقتها عبنا على أحد أقربائي عندما تملص من حضور الذبح "المقدس" .. وأطلقنا عليه لقب (خواف) إمعاناً في إذلاله أكثر وأكثر .. بينما كنا نتسابق نحن في إظهار شجاعتنا أمام الأقرباء !! لم ندرك وقتها الفرق بين الشجاعة وبين التهور المشوب بالاستهتار .. كنا مجرد أطفال نريد الفوز باحترام الأهل .. كنا أطفال نتعجل لاستحقاق لقب (رجال) ..! »


 

شرود أخر بعيداً عن المحاكمة :

على مائدة الغداء .. كنت أشرد كثيراً وأنا أكل اللحم المشوي الدسم ، كان شرودي مركز على الخروف .. تحديداً على حركة عينه عندما مرت السكين على عنقه ..

بينما ضروسي (اللبنية) تطحن لحمه في بطء ..


 

* * * * *


 

« حكمت المحكمة بإحالة أوراق المتهم إلى فضيلة المفتي ..»

العبارة الطنانة المملة والتي تعني شيئاً واحداً عند العامة :

الإعدام .

بدأت أعي على مفهوم الإعدام في عامي الحادي عشر ..

وكنت أعتقد في بادئ الأمر أنها تعني (إرسال المحكوم عليه إلى العدم) ! .. إلا أنني وجدت أن هذا المفهوم يتعارض مع معظم المفاهيم الدينية السائدة التي تؤكد لمعتنقيها حتمية وجود حياة أخرى بعد الموت !! تاريخ البشر يمتلئ بأنواع كثيرة جداً من الأديان ينتهي فيها المطاف بالخلود الأبدي في عالم أخر .. لذلك تختص كل ديانة بنوع وطبيعة الثواب والعقاب دون غيرها .. وصار عند البشر عدد لا بأس به من مفاهيم النعيم والعذاب طبقاً للمعتقد الديني الذي يعتنقه الفرد !

من أين جاءت كلمة (إعدام) إذن ؟!

(ما علينا) ..

ولنتكلم عن الإعدام طبقاً للتوزيع الجغرافي :

  1. في مصر يوجد نوعين فقط من تطبيق عقوبة (الإعدام) :
  • الإعدام بالشنق حتى الموت .

    وهي تطبق على المتهم (دون الاعتبار لديانته أو جنسيته) .. وهي تطبق على المدانين بالجرائم من العامة (قتل ، اتجار بالمخدرات .. الخ) .. ويقال أنها من أيسر الطرق للموت ، إذ يتوقف قلب المشنوق بعد فترة لا تتجاوز الخمس دقائق إذا كانت الأنشوطة معقودة بطريقة محنكة !!

    من حسن الحظ بأن عملية الشنق لا تتم بصورة علنية على الإطلاق كما كان يحدث في الدول الأوروبية قديماً .


     

  • الإعدام رمياً بالرصاص .

    ويتوقف استخدامها على المحاكمات العسكرية فقط .. وهي طريقة متبعة في معظم دول العالم .. وتطبق غالباً على مدبري الانقلابات العسكرية أو المتورطين في خيانات عظمى تمس الوطن ..

    ثمة مقولة تفيد بأن المحكوم عليه رمياً بالرصاص يخرج من عضوه الذكري بعض المني !! شيء غريب سمعت عنه ولست متأكد منه !!


     

  1. بعض الدول العربية لازالت متمسكة بالطرق القديمة في الإعدام وتصر على استخدام السيف .

    في رأي الخاص هي طريقة مقرفة ومهينة جداً للإنسانية حتى ولو كانت تطبق على المجرمين .. وقد سبق أن رأيت مشهد لتنفيذ الإعدام بهذه الطريقة ليقشعر بدني بعدها أياماً طوال من بشاعة وهول المشهد ، أكثر ما استفزني هو الجمهور الملتف حول الحدث ويصوره بكاميرا الهواتف المحمول وكأن ما يحدث هو ندوة ثقافية هادئة تدور حول فلسفة الجمال (ليس المقصود ذكر الناقة أو الإبل!!) .

    على الرغم من قسوة وبشاعة هذه الطريقة في الإعدام ، فأن جرائم القتل أو غيرها لم تختف من الوجود ، بل هي مستمرة بطريقة تثير الشك وتتساءل عن الرادع القوي لكبت جنون الإنسان .. هل هو الموت ما يخيفه ؟؟

    أم طريقة الموت نفسها ؟!


     

  2. في الدولة الكوميدية المسماة (إيران) تستخدم أنواع عدة للإعدام .. وهي من أكثر الدول التي يحدث فيها عمليات الإعدام بكل سخاء .. وإن كان الغالب عليها هي الشنق باستخدام الأوناش !!

    ويمنعني القرف بالاستمرار في الاسترسال عن هذه الدولة .

  3. بعض الدول " المتحضرة " قررت ابتكار طرق مخففة للموت .. منها (غرف الغاز السام ،الكرسي الكهربائي ، الحقن المسممة .. الخ) .

    وبعض الدول قررت إلغاء عقوبة الإعدام نهائياً وقررت باستبدالها بعقوبة الحبس مدى الحياة .. من وجهة نظرهم :لا يوجد أقسى من سلب حرية الإنسان وتحديد إقامته خلف جدران غرفة كئيبة وقذرة طوال حياته ليشعر بالندم على جريمته .

على الرغم من ذلك .. هناك طرق إعدام قد اندثرت بسبب انتهاء صلاحيتها بين عجلات التمدين والتقدم .. منها الإعدام بالغرق أو الحرق .. وهي طرق كانت سائدة قديماً ، وكان أوج استخدامها إبان العصر المظلم في أوروبا ، عندما كان الدين هو الحاكم وقتها .. لذلك كانت تطبق هذه العقوبات على من يتم اتهامهم بالهرطقة أو يثبت عليهم اشتغالهم بالسحر (أكثر ضحايا هذه التهمة من النساء!) .. ولابد أن أذكر أن الإعدام بالغرق هو من أشنع الطرق بشاعة ..

أيضاً تفرد العرب بعدة طرق متفردة بالإعدام .. وكان لهم باع طويل وغير مشرف في ابتكار طرق إعدام سادية تناسب أمزجتهم المرعبة !! فكان عصر الفاطميين والعباسيين والمماليك والسلاطين والعثمانيين متفرداً بطرق كارثية في الإعدام ، منها الإعدام بعصر الخصيتين حتى الموت (للرجال طبعاً !) ، والتنصيص (حز وسط المحكوم عليه بالإعدام بالسيف) ، الصلب ، الشنق .. وغيرها من طرق وضيعة لا أود ذكرها هنا ..

يبدو أن تاريخنا القديم أضيف له أطناناً من الأصباغ التي تواري سفالته وانحطاطه .. هنالك الكثير والكثير مما يقشعر له الأبدان من ماضينا قد قاموا بصبه في آذاننا ونحن صغاراً ..


 

* * * * *


 

  • « أمممم ..

    وهل يدرك المتهم (عقلي الباطن) كل هذه المعلومات ويحتفظ بها في ذاكرته لكي يعذبني بها أثناء نومي ؟؟

    يا لهول الشناعة التي تحتويها ذاكرتي عن طرق الإعدام ..

    ويا لهول البشاعة الموجودة في أخلاقيات الإنسان !!

    كيف يقتل الإنسان غيره ؟!

    وكيف يطاوع يمتهن غيره وظيفة القضاء على حياته ؟!

    كيف جاءت طرق الإعدام هذه إلى أذهان البشر ؟!

    من الأحمق الذي ابتكر المقصلة ؟!

    ومن فكر في طريقة الخوزقة (باستخدام الخازوق) كطريقة بطيئة ومريعة للموت ؟!

    كيف توصل أحمق إلى غاز (زايكلون بي) كطريقة للإعدام الجماعي ؟!

    كيف سنح للأقدمين أن يرجموا شخصاً بالحجارة حتى الموت ؟!

    من أول سادي فكر في عقدة حبل المشنقة ؟!

    لماذا ؟! .. ولماذا ؟! .. وكيف ؟!

    لماذا يستخدم الإنسان عقله في سبيل القضاء على غيره ؟!

    ما هي قصتك أيها "الإنسان" الأحمق ؟!

    لماذا تقضي على غيرك بهذه البشاعة ؟!

    السؤال الأهم :

    لماذا احتفظ المتهم في ذاكرتي بكل ما سبق ؟!
    »


     

* * * * *


 

الانتحار ..

فعل يحوي بين طياته نهاية للعذاب الذي يعيشه المرء في حياته بطريقة ذاتية لا دخل فيها للعوامل الخارجية المسببة للموت !!

السبب الرئيسي في الانتحار يكون – عادة – بسبب الأزمات النفسية التي تتزاحم في حياة الإنسان .. طالما ضلت النفسية طريقها ، فلابد أن يتضرر الجسد تأثيراً لذلك ..

الكثيرين اختاروا (نزع قابس) وجودهم من المصدر الطبيعي لطاقة الحياة ..

أنه الألم ..

القنوط ..

اليأس ..

الذل ..

الاستسلام لمتاعب الحياة ..

في اعتقادهم – أي من أقدموا على الانتحار – أن ألم لحظة يكون أهون كثيراً من آلام الحياة بأكملها !!

لذلك قرروا الهروب من الباب الخلفي ..

غالباً ما يترك المنتحرين رسالة ورائهم كنوع من التبرير لفعلتهم هذه .. أحياناً تكون بلغة يائسة حزينة مكسورة ، أو بلغة غاضبة لاعنة للعبث الهرائي المسمى (حياة) !!

الاكتئاب هو الدافع الأقوى للانتحار ..

ربما كان السبب عاطفي ، دراسي ، عملي .. إلا أن الاكتئاب هو المبرر الأول .

وأساليب الانتحار نفسها قاسية في بعض الأحيان ، وأحياناً تكون يسيرة !

البعض هلك بإلقاء نفسه من مكان عالِ (سطح بنياته أو شرفة غرفته) ، والبعض الأخر قرر رمي نفسه في مكان مائي عميق (من فوق جسر) ..

وآخرين اختاروا الأدوية الكيميائية (سواء بكميات كبيرة أو أدوية ذات أثار جانبية مميتة ) ..

وكثيرين جداً اختاروا السم كحل فعال وسريع وغير مؤلم (يقولون أن أجدرهم هما الزرنيخ و سيانيد البوتاسيوم !!) ..

والعجيب أن بعض البشر المرفهين قد قرروا الانتحار بسبب الملل !! أو بسبب بعض الفلسفات المتشائمة التي تهدف إلى إراحة الذات بذاتية مجردة !!

في حياتنا نسمع عن صيغ عديدة للانتحار ..

في اليابان مثلاً نجده موجوداً تحت اسم (هارا كيرى) .. وهو وسيلة انتحار معقدة تأخذ وقتاً طويلاً لإعدادها ، لكنها تتلخص في غمد سكين أو سيف في البطن طولياً .. طريقة قاسية جداً للموت ، لكنه غالباً ما يقوم به اليابانيين هروباً من عار معين طبقاً لعاداتهم الشيقة والغريبة .. أشهر من انتحر بهذه الطريقة هو الأديب والعسكري الحاصل على جائزة نوبل للآداب (يوكيو ماشيما) .. وهم يعتبروه مات بطريقة مشرفة !

أيضاً في اليابان اشتهر نوع من الانتحار الديني (كاميكازى) .. وكان في أوجه إبان الحرب العالمية الثانية وتكبدت بسببه أمريكا خسائر فادحة من الطيارين اليابانيين الذين كانوا يرتطمون بطائرتهم – بعد نفاذ الذخيرة – بمراكب الأسطول البحري ، وقتها كان الياباني يعتقد بأن واجبه أن يموت فداءاً لروح الإله المتمثلة في الإمبراطور وقتها (هيرو هوتو) ..

عندنا في الشرق الأوسط مفهوم مشابه للانتحار الديني وهو : الاستشهاد ، ويملك معظمنا فكرة لا بأس بها عن هذا النوع !!

ولا ننسى أيضاً الانتحار الوطني (الفدائية) .. وهو معروف بطريقة خفية لكل من يدخل حرب معرض فيها للموت في كل لحظة .

في وقتنا الحالي تتضارب بعض المسميات حول النوع الجديد الذي ظهر فجأة في العراق .. أنه خليط عجيب من (الاستشهاد الفدائي) وقد يؤيده البعض ويعارضه البعض الآخر .. لكن في الغالب يطلق عليهم الإعلام (الانتحاريين) .

وتطور مفهوم (الاستشهاد الانتحاري) في الشرق الأوسط بطريقة تواكب تطورات العصر الرقمي ، فالنوع الأشهر حالياً هو الحزام الناسف الذي يذهب بحياة المدنيين الآخرين (!!!) بكميات وفيرة .. وهناك نوع جديد بدأ في الظهور حالياً وهو تلغيم المؤخرة (وضع المتفجرات داخل فتحة الشرج) .. وقام بتجربته رجل سعودي وطالب نيجيري (الأول مات متناثراً كأشلاء لحمية وعظمية بديعة ، والآخر نجا لكنه تسبب في فضيحة كبيرة لنظم الأمن في المطارات الأمريكية !! ) .


 

* * * * *

المدعي بدأ في فقدان هدوء أعصابه ، وبدأ يصرخ بعصبية :

  • « دعني أتظاهر بالهدوء والعقلانية هنا ، سأحاول مستعيناً بفتات بواقي المنطق الذي أملكه حالياً في إيجاد علاقة إيجابية بكل حالات الموت التي سبق ذكرها .. وحاولت الجمع بين ذكريات الطفولة وبين معلومات في تفسير ما يحدث في ثنايا الكابوس الشنيع الذي يتكرر معي .. ولكن بلا فائدة !

    ما هي العلاقة بين ذبح الحيوانات وبين القتل والإعدام والانتحار بما يحدث لي أثناء نومي على فراشي ؟!

    هل يراوغ المتهم (عقلي الباطن) ؟!

    أنا أعهده ذكياً وخيالياً في أحوال كثيرة ، ولكن ما الذي يقصده في استرسالاته السابقة ؟؟!

    ولماذا تعمقت كثيراً في ثنايا الموت بهذا العمق ؟!

    فليتكلم المتهم ..

    لقد تعبت من محاولات الاستنتاج ..

    وها أنا أعلن الفشل ..

    فليتكلم المتهم ..

    فليتحدث عقلي الباطن بوضوح أكثر ! » .

هنا تنهد المتهم .. وبدأ في السرد بطريقة تختلف عن السابق .. يبدو عليه أنه يفكر هذه المرة ، على عكس ما سبق عندما بدا أنه يتذكر .


 

* * * * *


 

بدأت الحكاية – فعلياً – ظهر يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 .

عندما قطعت المحطات التليفزيونية برامجها المملة لتعلن ارتطام طائرة ببرج التجارة العالمي في مانهاتن .. وأخرى في مبنى البنتاجون ، وبعدها بقليل وعلى الهواء أيضاً جاء ارتطام الطائرة الأخرى في المبنى الأخر ، ليتهاوى العملاقين الأمريكيين على الأرض .

وقتها هلل الكثيرين عندنا فرحاً وطرباً ، وأيضاً بشماتة لا تخفى عن كل ذي عقل ، ففي نظرهم حدث التالي :

لقد تهاوى أنف أمريكا الظالمة والداعمة لدولة الإرهاب اللعينة (إسرائيل) في أسفل طبقات الذل والمهانة .. هذا ثأر محمد الدرة (هل تذكرونه ؟!) وغيره من أطفال فلسطين الأبرياء .. لقد جاء يوم أمريكا أخيراً .. لقد زهق الحق وجاء الباطل .

حتى ظهر الكائن (الخرائي) ليعلن مسئوليته عن الحادث ..

لقد جاء من يدعى (أسامة بن لادن) ..

وتابع الجميع صوره على التلفاز وهو يظهر بمنخاره الضخم ولحيته الكريهة ويتكلم بلهجته المقيتة والخنفاء ..

وفي لحظات صار هو البطل الذي طال ظهوره بالنسبة لنا .. والإرهابي رقم واحد بالنسبة للعالم كله ..

وعرفنا بعدها (الدلدول) التابع له والذي يدعى (أيمن الظواهري) ليتقاسم معه التصريحات (الخرائية) ما بين الحين والآخر ..

وراقبنا في شماتة ملامح (جورج دابليو بوش) التي تدل على غباء صارخ وهو يصرح ببدء فاعليات الحرب على الإرهاب في العالم ..

وبدأت الأمطار الصاروخية في الهطول على الدولة الكارتونية (أفغانستان) .. وسمعنا أكثر عن تنظيم القاعدة برئاسة (أسامة).. وحركة طالبان الفكاهية بزعامة (الملا عمر) ..

الكل يراقب القصف العنيف ، ويترقب ظهور البطل الجديد المتمثل في (أسامة) ..

لكنه اكتفى بالظهور كضيف شرف من حين لآخر ليطلق المزيد والمزيد من الوعيد لأمريكا الظالمة !

بعدها جاء الدور على دولة أخرى جاء دورها في قائمة الإرهاب :

العراق ..

ويعاد سيناريو القصف الجوي مرة أخرى .. والشرق الأوسط حائر ما بين الشجب والاستنكار وتنظيم المظاهرات والمقاطعة لدول الغرب (خاصة أمريكا) ، وحار أكثر في توزيع اهتمامه على القضية الفلسطينية أو الأفغانستانية أو العراقية ..

وتابع الجميع التصريحات العنترية لـ (صدام حسين) وتابعه خفيف الظل (الصحاف) وتضاحكنا نحن العرب على المصير الأسود الذي ينتظر (العلوج) الأمريكان فور وصول قوات المشاة الأمريكية الجبناء ..

وسمعنا في الوقت نفسه عن (الشيعة والسنة والأكراد في العراق) في خلطة غريبة ندركها لأول مرة في بلد مثل العراق !!

ودخل المشاة الجبناء وسط بغداد .. ويسقط رمز بغداد الشهير (تمثال صدام حسين) ليطارده العوام بالأحذية في الشوارع !

ثم ..

ظهر (الخرائي) الثاني ..

(أبو مصعب الزرقاوي) ..

خليفة (الخرائي) الأول (أسامة) في بلاد ما بين النهرين ..

عرفه الجميع عندما انتشر فيديو ذبح المهندس الأمريكي في العراق ..

وهناك تأكيدات بأن الزرقاوي نفسه هو من ذبح الرجل !

ولأن الزرقاوي يعاني من عقدة الخجل المتوطدة في نفسيته ، فلم يكن دائم الظهور مثل (لادن أو ظواهري) .. بل كان يكتفي بقطع الرؤوس فقط ..

ومن هنا ..

بدأت وسائل الإعلام تعلن عن اختطاف الكثيرين من المدنيين الأجانب في العراق مع عرض مقاطع لهم تثبت وجودهم مع أحدى التنظيمات الجهادية (كما يطلق عليها الإعلاميون) ، ثم العثور على جثثهم بعد ذلك وهي مقطوعة الرأس !

كثيراً ما تساءلت أثناء شرودي وأنا أشاهد الأخبار – مع المدعي الواعي – عن شعور الضحية وهي محاطة بهؤلاء الوحوش ! هل هناك باب ضئيل للأمل والنجاة ؟! أم أنه لا مناص من الشعور بالسكين وهو يقطع الأوردة ويحز القصبة الهوائية ؟!

ومرة أخرى ..

أمارس هوايتي العجيبة في التعرية والتجريدية ..

فهذا إنسان .. وهذا إنسان آخر ..

لكن كلاهما مصبوغان بشكليات عرقية ودينية ولغوية وجنسية ..

هل يمكن لفوارق الإنسان الشكلية أن تنصهر في بوتقة واحدة ؟!

هل حقق الإنسان أحلام الآلهة الموجودة في الأديان كلها ؟! أم أنه طاش وشذ عن القاعدة ؟!

هل لجميع الآلهة التي تزاحمت على نسب وجود الإنسان لها في العديد من الديانات أن تحتفظ بنفس هذا الإصرار كما في السابق ؟! أم ستتنصل منه وتتبرأ من صنعه ؟!

ربما أنا هنا متهماً في المحاكمة بصفتي العقل الباطن لشخص ما ..

ولكن ..

هناك مخاوف كثيرة أحملها بداخلي ..

وقد حاولت إخراج هذه المخاوف بين الحين والأخر على هيئة أحلام .. وقد أصاب بالجنون إذا لم أطلقها من بين براثني ..


 

فلتعتبرها المحكمة حادث قتل خطأ لفكرة ما سكنت بداخل طياتي .. مثلها مثل القطة التي ماتت أمام وعي الوليد !

أو حتى (أضحية) في سبيل عقلانية الكيان الذي أسكنه .. مثلها مثل الخروف الذي رأيته يذبح في مناسبة ما !

أو إعدام سريع لمعنى كريه كان وجوده يسبب الضرر على أفكاري الأخرى ، مثله مثل أي إنسان تعرض للإعدام .

لماذا لا تعتبرها المحكمة بأن هناك أحدى بنات أفكاري ترغب بالانتحار ؟! أوليس الانتحار في الحلم أقل ضرراً من أن تنتحر فكرة ما في عقلي الواعي ؟! هل من السهل أن تنتحر بنات أفكاري وأنا على قيد (الوعي) ؟!

فلتتخذ المحاكمة إجراءها معي ..

وأكرر هنا :

لم ولن أندم على أي مما فعلته .. بل هذا حقي على هذا الكيان الذي أشاركه مناصفة من الداعي (العقل الواعي) ..

انتهت مرافعتي ..

وانتهى دفاعي عن ما فعلت ..

وها أنا ماثل أمام القائد والقاضي هنا ..

فليكن الحكم بأي صورة .. فأنا أقبلها على أي حال ..

ففي محيط عالمي الخاص الكثير والكثير من الأمور أخفيها عن العقل الواعي لكي لا يصاب بالجنون .. بينما أنا في الظل أموت وأتعذب بطرق أشنع لكي لا يتعذب هو ..

لتكن – إذن – مشيئة القائد .


 

* * * * *


 

بعدما جاء دوري للتحدث في الأمر ، وبصفتي (أنا) القاضي والحاكم وصاحب الكيان ..

وبينما أراقب نظرات المدعي (العقل الواعي) وهو يراقب في ذهول المتهم (العقل الواعي) .. كان لابد من إنهاء الأمر بصورة عادلة ..

لذلك تكلمت بنبرات أحاول أن تبدو وقورة على قدر الإمكان :

  • « الجنون ..

    هو مصير الإنسان الذي يتصارع العقل الباطن فيه مع عقله الواعي ..

    كلاكما مساعدان لي في إدارة هذا الكيان ، وكلاكما متناصفان في المناصب .. لا يعلو أحداً على أحد بالنسبة لي ، فكل منكما له وظيفة محددة غير مسموح بالتقاعس فيها أو إبداء حماسة زائدة عن الحد ..

    العقل الواعي عليه أعباء كثيرة بالنسبة لوجوده هنا .. فهو من يتعامل مع العقول الواعية الأخرى الأجنبية .. أنه وحده من يتعامل حسب درجة كفاءة هذه العقول ويتشكل حسب القدرات العقلية الأخرى .. أي أنه أشبه بالحرباء التي تغير من لون جلدها حتى يتشابه مع لون الطبيعة المحيطة بها لكي لا تبدي أي شذوذ عقلاني ..

    فلو كان العقل الواعي الأجنبي الذي يتعامل معه محدود ويسيطر عليه الغباء ، فإن المدعي يتحول في لحظات إلى كيان بليد ورتيب يتناسب مع العقلية الأخرى المتعامل معها .. والعكس صحيح أيضاً .

    وأنا على ثقة بأن الكيانات الإنسانية الأخرى تفعل نفس الشيء .

    العقل الواعي هو وحده من يتقيد بالعادات والطقوس والمواريث التي تحيط بنا منذ الطفولة ..

    حيث تتحول التقاليد إلي سجن !

    والدين يتحول إلى سجن !

    والكيان المحدود لنا يتحول إلى سجن !

    هناك سجون كثيرة تحيط بالعقل الواعي .. وهنا يأتي دور شريكه : العقل الباطن ..

    فهو يمتاز بذاكرة جبارة لا تغفو عن أدق التفاصيل على عكس العقل الواعي .. كما أنه يتحرر من كافة السجون المحيطة بالعقل الواعي ..

    فمن السهل جداً أن يطير في المنام ..

    وأن يأكل ما يشاء ..

    وأن يتكلم مع من يرغب ..

    كما أنه يتحرر من الدوائر الأخرى التي تغلف العقل الباطن ..

    فلا دين محتوم عليه .. فجميع الأديان لا تجرؤ أن تكلف العقل الباطن بأي مهام .. وليس السبب في محدودية العقل الباطن أو قلة كفاءته .. إنما بسبب ثوريته ومشاغباته الدائمة ..

    حتى الضمير الذي يملكه الإنسان .. لا يمكن أن يعبر عن آرائه في تصرفات العقل الباطن ..

    من الواضح في هذه القضية أن المتهم قد عانى كثيراً من وجود الأسوار التي تحيط بالعقل الواعي .. فبدأ يعلن تمرده بالطرق التي تناسب قدراته ..

    لقد استغل العالم الذي يتوقف فيه قدرات العقل الواعي وهو المنام .. ومن ثم بدأ في عرض رأيه بكل اقتدار ..

    من الملاحظ لثلتنا أننا موجودين في كيان عربي ..

    مصري تحديداً ..

    هذا السور الذي يسجن قدرات العقل الواعي فقط .. ولا يستطيع أن يغيره كلما شاء ..

    وقد سأم الكثير والكثير من الواقع المفروض عليه .. هناك الكثير والكثير الذي يعترض عليه في صمت .. وقد أطلق صرخات يائسة إلى المتهم لكي توعز له بأن يخرجه من هذا الواقع !

    وكثيراً ما أفلح المتهم في مهمته ..

    ولكن ..

    المتهم كان يصطدم كثيراً بالواقع الذي يملأ جنبات العقل الباطن ..

    منها الواقع الذي يدور في مكان أخر ..

    القتل الغير مبرر ..

    الآراء المختلفة من جنسه الإنسان الذي ارتدى أثواب مصنوعة من العرقية والجنس والديانة .. فبدأ يتعامل مع غيره على هذا الأساس .

    الأحلام الذي تنتاب كياننا ما هي إلا صورة من عقدة الذنب ..

    فمن رأيناهم يقومون بالذبح يشاركون كياننا نفس اللغة والعادات والمفاهيم ..

    ولم يفكر العقل الواعي – لمرة واحدة – عن ذنب الكيان المذبوح !

    فبدأ بالثورة عليه لكي ينذره ويحذره من التعاطف مع المدانين ..

    نعم ..

    ليست وظيفة العقل الباطن هو ممارسة الجنس بفحولة آلهة الأساطير الغابرة لكي ينعم الكيان بقطرات لزجة تبلل الثياب الداخلية للكيان النائم في استكانة ووداعة ..

    ولا وظيفته أن يأكل الأطنان مما يشتهيه العقل الواعي في لذة مزيفة ..

    العقل الباطن حاول أن يحذر المدعي للتركيز في دوره ..

    ويا للعجب ..

    العقل الباطن هو من يقول للعقل الواعي :

    أستيقظ أيها الأحمق ..

    أنا أدرك ما يشعر به المتهم ..

    لذلك أنا أسحب منه لفظة : متهم ..

    فهو برئ ..

    وأنا أخرجه فوراً من القفص ليجلس بيننا ..

    ونتناقش ثلتنا في حرية بحثاً عن المتهم الذي يصلح لمعاقبته هنا ..

    هل المتهم هو عروبتنا نحن ؟!

    أم عدم عروبة الآخرين ؟!

    هل ديننا نحن هو المدان ؟!

    أم أديان الآخرين ؟!

    على عاداتنا نحن ؟!

    أم عادات الآخرين ؟!

    وحتى نعثر على متهم حقيقي .. سيبقى القفص فارغاً .. والمجال مفتوحاً للمزيد والمزيد من المحاكمات ..

    سنبحث معاً عن المتهم ..

    ولكن ..

    سنحاول معاً لأن نبحث عن الجمال ..

    تذكروا أننا نكمل معاً كيان مطلق ..

    ليس من المفروض أن نصمت على وجود السجون حولنا ..

    بإمكاننا أن نغير ..

    وبإمكاننا أن نتغير ..

    كل ما نشعر به هو ملك لنا ..

    فلماذا نركز على القبيح والأحمق في عالم الإنسان ؟!

    أدعوكم أيها الشقيقان أن تتحدا معاً ..

    فليس المتعة أن نقيم الجنة والنار في داخلنا .. هذا ليس شأننا نحن .. ولا هو شأن الآخرين كذلك ..

    انطلقا معاً ..

    دعونا نعيش ما تبقى لنا ..

    دعونا نعيش في الواقع والخيال كيفما أردنا ..

    لا نريد غباء ودماء وتعنت في وجودنا الداخلي ..

    لا نريد نزاعات سخيفة لا شأن لنا بها ولا طائل منها ..

    فليعد كل منكما لمكانه .. وليحسن إدارة موقعه ..

    هذا قراري ..

    وهذا حكمي ..

    وحتى إشعار أخر . ».


     


     

30‏/12‏/2009

إلى عزيزي (الأسطورة) ..!



عزيزي الأسطورة : نويل.

أو المعروف بين بلهاء الشرق الأوسط: بابا نويل .

وأيضاً المشهور بين بلهاء الغرب والشمال والجنوب والشرق الأقصى بـ (سانتا كلوز) .

لعلي أتذكر بدايات معرفتي بأسطورتك الكبيرة والتي سيطرت على أذهان العالم كله بلا مبالغة ! وأول سماعي عنك صادف بلوغي العام الرابع .. عندما كنت مجرد طفل صغير برئ المظهر .. لكنني كنت واسع الخيال ، فكنت أتساءل عن كنهك ! وكيف ستعرف سلوكي العام إذا كنت طفل شقي أم طفل هادئ المراس ، وبناء على سلوكي كنت ستنعم علي بكيس كبير من الحلوى التي يندر حيازتها إلا في المناسبات السعيدة .. لذلك كنت أفكر في شخصك كثيراً أيا عزيزي ، وأتخيلك وأنت تراقبني من فوق سقف غرفتي بشغف واضح يغزو معالم وجهك المسنة والوقورة في نفس الوقت ، لذلك كنت أشعر بالحرج منك حينما كانت أمي تحممني ، وأيضاً عندما أصحو من نومي وفراشي مبلل بما أنعمت عليه مثانتي الوردية !!

في عامي الخامس تعرفت عليك أكثر وأكثر ..

بل كنت أشعر بالشفقة عليك حينما أشاهد (الأجانب) في التلفيزيون يخطأون في نطق أسمك ويحورونه إلى (سانتا كلوز) .. أي اسم سخيف هذا ؟! أنت (بابا نويل) .. وتبلغ لي نفس درجة أهمية (بابا ماجد) و(ماما نجوى) و(جدو عبده) .. ولا أبالغ عندما أقول أن اسمك كان مقدس بدرجة بالغة في تلك السن الصغيرة .. لدرجة أني غضبت من أبن خالتي الكبير السن حين قال على سبيل الاستظراف (بابا نوال) .. كنت أعرف أنك لا تزال تراقبني وقتها ، ولعلك تنتظر مني رد فعل بليغ ورادع استحق عليه كيس أكبر من الحلوى في نهاية العام !! وقد كان ..

ومضت السنة ..

الطفل الصغير (أنا) ينام في فراشه مبكراً ارتضاء لأمر والديه ليثبت طاعته العمياء في الساعات الأخيرة من وصول الأسطورة ..

سيأتي غرفتي أنا .. ويرفع رأسي بحنو بالغ ثم يضع كيس من الحلوى تحت وسادتي الصغيرة !

ويا لها من لهفة يا عزيزي ..

الطفل الصغير يحارب بكل جدارة لكي يغلق عينيه ويسبح في الأحلام البريئة ، ولعابه يكاد يسيل كلما تذكر ألوان أغلفة الشوكولاتة الفاخرة والتي سيأتي بها (بابا نويل) في الصباح التالي مباشرة !!


في عامي السادس بدأ الأمر يختلف قليلاً ..

لقد تفتح ذهن الطفل على أمور كثيرة في الدنيا .. وأصبح لا يأبه لوجودك !! بل صار يشكك في وجودك ذاته !!

نعم ..

لقد انصرف ذهنه عن الحلوى السنوية التي تأتي بها كل عام .. وبدأ يتساءل عن أشياء شتى وأمور عدة ..

أذكر منها أنه كان يتساءل بينه وبين نفسه في خبث شديد :

« هل يتشابه مذاق حلمة النهد الأسود مع نفس مذاق حلمة النهد الشديد البياض !! » .

لعل خيالي بدأ في شطحاته في سن مبكرة .. ربما أفكاري بدت شاذة في سني هذه عزيزي الأسطورة .. ولكم عانيت منها في طفولتي .. لذلك كنت ألجأ إلى الانتقام المباشر منك أنت ..

فأنا أول من أطلق عليك لقب : الرجل العبيط ذو الأرداف الكبيرة (بالعامية طبعاً) ، وكنت أتلذذ باستنكار أصدقائي في المدرسة .. وكنت ارسم معالم اللامبالاة عندما يرد زملائي بأنك ستعاقبني على لساني الطويل .. لكني لم أتوقف .. بل تماديت أكثر وأكثر ..

لقد سقط احترامي لك بمجرد انشغالي بألعن واجبات مدرسية ودخول معترك الحياة مثلما يقولون ..

فأنا أصحو من النوم مبكراً قسراً من تحت بطانيتي الدافئة طوال الشتاء لأذهب إلى مدرستي اللعينة في برد قارص لا يعرف الرحمة بأوصال طفل مثلي .. وعلي أن أتحمل مرور وقت كئيب وممل يناهز السبع ساعات من أشخاص مصابين بأمراض نفسية مزمنة يطلقون عليهم (أساتذة ومدرسين) .. ثم أعود بعدها إلى البيت لتبدأ رحلة الواجبات المدرسية الشنيعة والمريعة والمملة ..

بينما تجلس أنت مع موظفينك الأقزام المسخرين لخدمتك يا عزيزي .. تلهو معهم في عالمك المليء بالثلوج البيضاء الجميلة .. وتحرك مؤخرتك ليوم واحد في السنة بعربتك الفارهة والتي يقودها فريق متخصص من حيوانات (الرنة) الطائرة .. ثم تتسلل بعدها عبر المداخن مثل اللصوص لتلقي بعض الهدايا هنا وهناك للأطفال البلهاء والمؤدبين .

ثم بعدها تعود إلى مكانك المريح لتستريح طوال ثلاثمائة وخمسة وخمسون يوماً (عدا السنوات الكبيسة يضاف يوم إلى المجموع السابق) !

كان لابد لي أن أتخلص من أسطورتك السخيفة بأسرع وقت حتى لا يصيبني الخبال من كثرة التفكير بك .. بل عاهدت نفسي أني لن أنقل لأولادي الخرافات المعروفة عنك .. أريد أن أملأ عقول أولادي بذخيرة عقلية تليق بمستقبل لا يتهاون ولا يرحم العقول البليدة .. ولا حتى العقول العادية ..

فلن أنقل لهم قصة البدين الذي يرتدي ملابس حمراء من الفرو الناعم يتوسطها حزام أسود عريض قد يتساقط بسبب عدم وجوده بنطالك الواسع المحيط ، ومن ثم تظهر ملابسك الداخلية !

ولن أحكي لهم عن لحيتك القطنية البيضاء والكثيفة والتي لم تعرف شفرات الحلاقة يوماً .. ولا حتى الداعي من وجود هذه اللحية العجيبة والمقيتة !

ولن أدعهم يتمسكون بمظهرك البدين والمخجل ويعتادون عليه (خصوصاً كرشك القميء يا عزيزي) .. وإلا فما الفائدة من وجود النصيحة الذهبية التي تقول : العقل السليم في الجسم السليم؟!

ولن أدعهم يستمعون إلى ضحكتك السخيفة والتي تعلن عن ظهورك ..

(هووه .. هووه .. هوووووه) ..

لو لم تكن تمتلك حنجرة رجل بالغ يا عزيزي .. واستبدلت حرف (الواو) بالحرف الذي يليه (الياء) .. لصار صدى ضحكتك مائع يليق بداعرة متمرسة مصابة بالتبلد الحسي في أعضاءها التناسلية !!


لا يوجد داعي لأن أتحمل وجودك وسخافة الطقوس الناتجة من وراء فكرة وجودك .. فأنت فكرة بالغ البعض في الدعاية لها ونشرها .. فلماذا أنصاع إذن وراء البلهاء ؟!


قد تتعجب – عزيزي الأسطورة – من هجومي الغير مبرر على شخصك الوهمي !! ولماذا أقضي وقتي في الاستفاضة الصريحة برأيي فيك !!

وهل سبب ذلك يعود إلى خلل حاد في طبيعة نفسيتي أم لا !!

أم أنني أملك الفراغ الكافي للكتابة عنك !!

أمممم ..

دعني أقول لك عن السبب الحقيقي لهجومي عليك :

نحن – البشر – لدينا ما يكفينا من متاعب الحياة ..

بمجرد أن يُقطع الحبل السري الذي كان يربطنا برحم أمهاتنا تبدأ على الفور متاعبنا في هذا العالم .. لعل هذه الحكمة بأن أول أنفاسنا في الحياة هي مجرد بكاء وعويل مرتجف .. هل سمعت – ولو لمرة – إلى البكاء المرتجف المليء بالهلع لطفل حديث الولادة ؟! هل فهمت بما تبوح به صرخاته ؟!

من حقك أن تعجز عن الفهم ..

وإن فهمت لاسودت عظامك البيضاء ونخرت أسنانك اللامعة والتي تتباهى بها في كل مناسبة تظهر فيها أنت أو أحد من بدلائك أو وكلائك الآخرين !


كما أنه من الصعب عليك أن تقحم نفسك في قتال شرس مع (النويلات) الآخرين مثلما نفعل نحن بكل إصرار .. ولا أعتقد بأن الجرائد عندكم مليئة بحوادث قتل بشعة .. ,أو أن (نويل) أخر زميل لك قد مات في معركة لا طائل منها برصاصة في حنجرته مثل مات الملايين منا ..

أسطورتك تحكي أنك تعيش في عالم مثالي .. وتهبط إلينا في يوم محدد لتتكرم على الأطفال بحلوى ساذجة تناسب أحلامهم هم .. بينما الكبار غارقون غرقاً في همومهم التي لا تنتهي ..

ولو آمن بك كبار البشر .. لقلنا أن المشاكل انتهت ..

لكن من يؤمن بك – عزيزي الأسطورة – هم الصغار فقط ..

ذوي العقول المحدودة ..

بينما الكبار يدركون تماماً أنه لا فائدة منك !!

فما الجدوى من تداول أسطورتك إذن ؟؟

ولو الأمر بيدي .. لأوقفتك في عالمك المثالي بعيد عنا .. ووضعتك في إقامة جبرية غير محددة المدة .. فأنت مجرد أمل زائف .. فقط سراب غير محدد المعالم لحين إشعار أخر ..

أخرج من عقولنا (كباراً وصغاراً) لكي ندرك أنفسنا ..

أتركنا نواجه حقيقتنا نحن في كل وقت ، وليس لأن نسبح في السعادة الزائفة يوماً واحداً فقط ..

دعنا نتحرر من سخافة وجودك الواهي ..

أذهب أنت وأصدقاءك الآخرين .. وخذوا معكم العبث الخيالي ..

لملموا متاعكم بعيداً عنا ..

لم نعد رائقي المزاج لنتحملكم جميعاً ..


الإمضاء :

واحد من البشر ..

..

وقريباً ..

البشر جميعاً .