قالها الطبيب برتابة وهو ينظر إلي الأشعة بنظرة فاحصة سريعة .. بينما أجفل الشاحب الذي يجلس أمامه من مفعول عبارته المقتضبة .. كان يتوقع مرض صدري من الأنواع المنتشرة هذه الأيام .. ولكن .. سرطان الرئة ؟! مط الطبيب شفتيه وهو يتحاشى النظر إليه بحكم خبرته المهنية في هذه الحالات : أطرق الشاب رأسه إلى الأرض .. حاول أن يبحث عن ثقب منطقي في جدار الواقع يهرب بواسطته من مرارة الحقيقة .. حتى أنه تمنى أن يتخلى وجه الطبيب عن الجدية المبالغ فيها ويصدر ضحكة رقيعة قائلاً : إلا أن عقله رفض حتى تخيل الصورة الهزلية .. هذه الملامح لا تعرف للهذر طريق .. ربما أشبه بصورة (مجرمي الحرب) كما يتخيله عقله الباطن !! قالها وهو يتشبث بغريزة بقاءه لآخر لحظة .. من يدري !! فهو يؤمن بأن هناك أمل تحت كل حجر .. مازال عقله يرفض التصديق .. في أي لحظة سيتعالى صوت المنبه المزعج ليعلن وقت استيقاظه من أحلامه الطلسمية والعودة إلى الواقع كعادته كل يوم .. كل شيء يبدو كالحلم في هذه اللحظة .. لم يتصور أن الواقع المفرط والمبالغ فيه يوازي خزعبلات الأحلام .. تقابلت عيناه مع عين طبيبه لأول مرة .. وبدت عيناه غير مرحبتان بوجوده في العيادة أكثر من ذلك .. هناك مرضى سخفاء آخرين ينتظرون النطق النهائي في قضية وجودهم في هذه الدنيا .. أما هو فقد كان نصيبه حكم مباغت بالإعدام !! تحامل على نفسه ووقف على قدمين متراخيين ، وودع طبيبه بكلمات مبهمة لم تلقى اهتماماً أو رداً منه .. * * * * * بدأ يستسلم للأمر بعد خطوات من العيادة .. وأخذ يفكر في تداعيات ما بعد الموت .. المجهول القادم .. دون أن يدري .. وجد يده تمتد لا إرادياً إلى جيبه وتخرج بعلبة سجائره !! تأملها بخوف للحظة .. ثم ابتسم بسخرية قائلاً : وأشعل سيجارته مستمتعاً .. بينما ولد في عينيه بريق استهزاء عميق بأساطير ما بعد الموت .
12/5/2010
تداعيات أسطورة (الذي بعد ..) .
« سرطان الرئة . »
« هل هناك أمل يا (دكتور) ؟! »
« للأسف .. المرض مستشري بداخل ثلثي الرئة اليمنى .. لقد جئتني متأخراً جداً .. أعانك الله على بلاءك . »
« هأو أو .. دخلت عليك يا حلو .. عليك واحد .. نياهاهاهاهاه .. »
« هل تأملت التحليلات والأشعة ؟! رئتيك تحولا إلى قطعة أسفنج سوداء جافة .. حالتك متأخرة جداً كما سبق وأن أوضحت لك . »
« ولكن .. أنا مازلت في مقتبل العمر .. كيف حدث هذا ؟! ولماذا أنا بالذات ؟! »
بقلم : wael at 2:05 م
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق