16‏/1‏/2012

لنرقص معاً على قبر 2011 !


كان (جحا) وولده راكبين حمارها قاصدين جهة ما ، فمرا على مجلس قوم من رجال البلدة .. فتنامى إلى سمع (جحا) جزءاً من الحوار الدائرة بينهم :
-         « انظروا إلى هذا الرجل عديم الشفقة !! لقد وصل به التبجح لأن يركب هو وابنه على ظهر هذا الحمار المسكين .. أين ذهبت الرحمة بين الناس هذه الأيام ؟! »
نظر (جحا) إلى المتكلم بنظرة صارمة ، ثم أردفها بنظرة أخرى إلى المجلس برمتها ، ثم ابتسم ابتسامة ساخرة وأكمل المسيرة .
فيما بعد ، تعب الأبن من ركوب الحمار ، فطلب من أبيه أن يسير قليلاً بجواره حتى يريح عضلات فخذيه المشدودان من ركوب الحمار .. فتمثل (جحا) للأمر طالما فيه راحة لأبنه .. وترجل الأبن بجوار الأب الراكب على الحمار ..
فمرا على قوم يتكسعون على أحد الأزقة ، فإذا بأحدهم يقول :
-         « أسواء مثال على تدهور وانحطاط القيم العائلية لهو هذا الرجل حقاً .. لقد اتأثر لنفسه بالراحة على حساب ولده الصغير !! لقد صار كل من (هب ودب) لأن يكون أباً .. »
كاد الصغير أن يتدخل بالقول ليدافع عن أبيه ، إلا أن إشارة من يد (جحا) أجبرته لأن يعدل عن قراراه وأن يكمل مسيرته في صمت .
أثناء المسيرة طلب الصغير العودة إلى ظهر الحمار مرة أخرى لشعوره بالإرهاق من الترجل ، فاقترح (جحا) أن يصعد أبنه على ظهر الحمار وينزل هو حتى لا يتعب الحمار بعدما اعتاد على حمولة شخص واحد فقط ، فوافقه الصغير وامتثل .
ومرا على جمع من النسوة يسيرون نحو أحد الأسواق ، فسمع (جحا) مصمصمة شفاة أحد النسوة قائلة إلى رفيقاتها :
-         « إنه حقاً لجيل مائع من الشباب ، انظروا كيف يركب الصغير – بكل تبجح – على ظهر الحمار بينما يسير أبيه بجواره !! لقد ذهب عصر البر بالوالدين بلا رجعة .. واحسرتاه على هذا الزمان.»
كالعادة .. لم يعلق (جحا) بشيء ، إنما فلتت من عينيه نظرة غاضبة تجاه النسوة .. ثم تجاهل الحوار كله ومضى في طريقه.
قبل وصولهما إلى مقصدهما ، قررا أن يسيرا معاً على قدميهما بجوار حمارهما !!
ولأن البلدة لا تخلو من الجائلين هنا وهناك ، فقد مر موكب (جحا) الصغير على بعضاً من حكماء البلدة يقبعون على قارعة الطريق ، فنظر أحدهم إلى الحمار ومرافقيه وقال في حنكة حكيمة:
-         « هذا حمار محظوظ حقاً ، فقد قاده حظه إلى من هو أغبى منه !! انظروا له وهو يمشي معهم في خيلاء يتساوى مع إنسانيتهم .. هل هو عصر ارتقاء الحمير بالبشر ؟! أم لهو عصر الهبوط الإنساني فكرياً وعقلياً وأخلاقياً وأخيراً سلوكياً ؟!»
هنا لم يتمالك (جحا) نفسه أبداً ، ورغماً عنه أصدرت تجاويف أنفه بالاشتراك مع حنجرته بإطلاق حشرجات غليظة متقطعة أشبه بغطيط النائم ، وقام أصبعه الأوسط بتسديدات لا بأس بها تجاه الناس ، فيما تكفل فمه بإطلاق الشنيع من السباب الذي لا يمكن ذكره هنا بأي حال من الأحوال .

* * * * *

من المفترض هنا أن أكتب – بكل ذهول – عن طول فترة الغياب والتي قضيتها بعيداً عن (عرين الغضب) !! ولا مانع من أصبغ كلامي بالكثير من الحكمة والحنكة لأبرر فترة انشغالي الماضية ، بل وأزيد وأحاول التدثر بجلابيب التواضع وانكار صفة الغرور .. وبينما أحاول ذلك ، فأني – حتماً – سأحاول التظاهر بعكس ما أبديت من أسباب .
لذلك .. لنحاول أن نكون متفقين على عدم إبداء الأسباب ..
ليكن الأمر أني لم أكن هنا .. والآن أصبحت هنا !
والآن .. ماذا لدينا لنتحدث عنه ؟!
هناك أحداث عديدة مؤخراً !! أحداث عديدة ومتلاحقة لدرجة أننا مللنا من التحدث عن كل جديد !!
هذه في رأيي هي لعنة التجديد بإفراط سخيف !!
لدينا أعاصير وزلازل حدثت في أرجاء الكوكب ، (تسونامي) الوسيم قرر الظهور مجدداً في أرجاء الكوكب مسبباً الخراب لبعض المساكين !
أيضاً انتهت – أخيراً – أسطورة (الشهيد الحي) المتمثلة في شخص (أسامة ابن لادن) بعد فلاح الأخوة الأمريكان اتخاذ بعض الإجراءات الجادة والعنيفة لإنهاء حياته .. وهو درس يعلمنا بأن لا ننقاد إلى لي عنق الدين حسب أهوائنا، خصوصاً لو احتوت هذه الأهواء بعضاً من الدموية المفرطة يقودها عقلاً لا يضع اعتباراً حقيقياً لحياة الإنسان..
(معمر القذافي) قتِل أيضاً .. وهو على ما أذكر كان يعمل رئيساً لأحد البلدان العربية بطريقة تطوعية ، ربما اختلف معه أبناء شعبه في هذا الشأن ، فقاموا بإنهاء وظيفته بطريقة دموية وغير محببة على الإطلاق!
حفيد ملكة إنجلترا تزوج أخيراً .. إنه الأمير (ويليام) ابن الشهيدة (ديانا) الذي حظي بالارتباط المقدس مع الملاك الرقيق (كيت) ، وهو اسم سخيف جداً لا يفي بتلخيص جمالها ورقتها وعذوبتها! في الحقيقة أنا أنصح الأخوة (الإنجليز) بالتركيز قليلاً على اهتمامهم بتسمية أبنائهم وبناتهم ، خصوصاً لو كانوا يحملون جينات وراثية من الملائكة ذاتها ! عموماً حظ سعيد لذاك (الأصهب) المدلل مع أنشودة الدلال والمعزوفة الجمالية المجسدة في كينونة تدعى اعتباطاً بـ (كيت ميدلتون) ..
لنركز قليلاً على مصر وما مر بها من أحداث في العام المنصرم ..
هناك انفجار كنيسة في أول ربع ساعة من بداية العام الجديد.. ضحايا ، أشلاء ، قتلى ، الفاعل مجهول حتى هذه اللحظة ..
هناك قطار قرر التنزه بعيداً عن قضبانه متسبباً في مقتل بضع البائسين .. لحسن الحظ أنه لم يقرر إشعال بعض النيران للتخلص من البرودة القارصة المميزة لشتاء هذا العام ..
هناك صديق لي أخبرني بأن بطارية حاسوبه المحمول بدأت في الاحتضار ، وصار وقتها الفعلي يتلخص في مدى زمنه مقداره ربع ساعة أو أقل .. ولهذا أنا أشعر بالأسف من أجله !
لحظة ..
هناك حدث ما ..
مصر استيقظت على بركان ثوري هادر ..
اللعنة .. كيف لم أتذكر هذا الحدث الهام منذ البداية؟!
(ثورة المصريين) ..
لقد حان الوقت لأن ينقشع الظلم عن هذا البلد أخيراً !!
ستعود مصر إلى العصور الزاهية كما كانت من قبل !!
لكن .. متى كانت مصر تعيش عصور زهو ورخاء ؟! منذ آلاف السنين ربما ؟!
لا يهم ، سيعود الرخاء بطريقة ما ..
لنحضر أنفسنا للأمان والطمأنينة ، فقد ذهب ضباط الشرطة الملاعيين الرعناء بلا رجعة بعد انكسرت شوكتهم التي استقرت في حلوقنا – نحن المصريين – عشرات السنين !! نعم .. فلن نخشى من اليوم مواجهة هؤلاء الأوغاد القساة ، لتكن صفحة جديدة في تاريخ الآمان في مصر ..
لكن .. معدل الجريمة ارتفع في مصر إلى 400% بعد الثورة ؟!
هل لدينا نحن المصريين نوايا إجرامية إلى هذه الدرجة ؟! سرقة وقتل واختطاف واغتصاب وتحرش ونصب ومخدرات وبلطجة !!
لابد أن الشعب كان مكبوتاً أثناء العصر الذهبي لوزارة الداخلية المنكوحة هي ورجالها الأوغاد ..
نعم .. لابد أن هذا هو السبب !!
إذن لا داعي للخوف والهلع ، فهذا هو الوقت المناسب لرجال الدين لكي يشدوا العزم والاستعداد للمرحلة القادمة لبناء مصر جديدة تتسم بالأخلاق والتسامح والتأخي ..
لكن .. أين هم رجال الدين يا ترى ؟!!
أووه .. أنهم مشغولون بامتطاء ظهر الثورة واعتلاء الأحداث الجارية بكفاءة وتبجح يحسدون عليها ..
لابد أن بعضهم سيتجه إلى السلك السياسي متعللين بأنهم أقدر من يستطيع إدارة دفة البلاد إلى جنات الآمان .. لماذا نمارس السياسة مع الشعب طالما يمكننا ممارسة السياسة مع الله ؟! فهو من سيعطينا كل ما نتمناه عن طريق السياسة .. إذن في هذه الحالة ليكن (الإسلام هو الحل) ..
هل حدث ذلك بالفعل؟! اللعنة إذن ..
لكن لا يهم .. لدينا خيار أخر برغم كونه غريباً بعض الشيء في هذه الحقبة بالذات ..
لدينا القوم الذين يتفاخرون بهرموناتهم الذكورية المشعرة !
أنه وقت العودة إلى (الله) القديم .. ذاك الإله المربوط والمقيد بعصر معين ولا يمكنه الخروج منه ! حيث كل شيء حرام × حرام .. بينما كل حلال بين هو مجرد حرام مشكوك في أمره ، وحيث يتحول المرء إلي كيان ديناميكي من الشك الموسوس في أبسط القواعد الحياتية العادية !
عموماَ دعونا لا نستبق الأحداث ، لنعطي هؤلاء السادة الأجلاء فرصة لتحسين صورتهم ، ومن ثم تحسين الحالة الاجتماعية لدولة (مصر) ..
أما بخصوص الشرطة الدينية (جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ومستقبلها في مصر ، فأنا لا أتوقع لها أي مستقبل حقيقي يذكر في بلادنا!! فالفكرة برمتها (طرحاً وتنفيذاً) هي مجرد تصور مضحك ومقزز في ذات الوقت .. إنها أشبه برجل يتغوط في إحدى بلدان قارة (آسيا) ، ليتساقط خراءه عليك أثناء جلوسك تحت سقف غرفة نومك !
وماذا عن القوم الليبراليين؟!
بغض النظر إلى افكارهم المتعارف عليها عند عامة الناسة بأنهم قوم داعين إلى الخلاعة واللواط وانتشار العري الإباحي ومعاقرة الخمور، هل في دعوتهم شيء جاد من الناحية السياسية ؟!
هل يمكن أن تشيع الليبرالية كفكر فردي بين المصريين ؟!
فالليبراليه هي اللبنة الأولى لبناء دولة علمانية ، ودولة مصر ككيان شمولي لا يمكن تصور وضعه داخل دائرة علمانية عامة .. إذن لا يمكننا أن نتكلم عن مستقبل سياسي ليبرالي بعين قريرة ..
علينا أولاً أن نقنع ألكترونات ذرة برادة معدن (الألمونيوم) أن تنجذب بحفاوة نحو مغناطيس متوسط الحجم (وإن كان أهمية الحجم معدومة هنا) !
حسناً .. أعترف بضيق أفقي لاستشفاف مستقبل مصير مصر السياسي ، تاركاً هذه المهمة للمجلس العسكري ليقررها هو وزمرته ، مع حق الزعم بأن القرار سيكون بيد الشعب "طبعا" ..
لنتحدث عن التغير الذي أصاب المصريين أنفسهم بعد الثورة ..
أمممم .. ليس التغير المطلوب لإبقاء شوارعنا نظيفة من القذارة والبصاق للأسف ، ولا التغير المنشود لارتقاء الأخلاق السامية ، فلازال هناك سائق سيارة يكيل السباب وربما اللكمات إلى أحدهم على قارعة طريق سريع أو مكان شاغر كفيل بركن سيارة أحدهما ، ولازال ذاك الشاب الرقيع يتحرش بإحداهن كلامياً أو تلامسياً !!
ولازال يتواجد الموظف الحكومي القابع وراء مكتبه ذو الدرج المفتوح ليتلقى رشوة من أحد المواطنين المشوب بـ (الفهلوة) ليقضي حاجته التي يمكنه قضاؤها بدون أية مصاريف إضافية سيئة السمعة!!
التغير الحقيقي الذي لمسته هو بروز عدة انقسامات وشروخ في صرح الكيان المصري ، من قبل كان يوجد (مسلم ومسيحي) ، وصار الآن (سلفي وأخوانجي ومسيحي وليبرالي كافر وعلماني ملحد وماسوني وفلول وتحريري وعباسي "نسبة إلى الميدانين").. وكل منهم يتفاخر بحبه الجارف للبلد ، ولا يتوانى عن تسديد التهم إلى الآخرين بدعوى الخيانة والتمهيد للتدخل الخارجي في شئون البلاد الداخلية ..
لقد بدأت الأحداث بصورة مفاجئة .. لكنها متوقعة بطريقة ما !
أما التداعيات التي جاءت فيما بعد ، فهي للأسف باعثة للملل والشك في مصداقية المعنى الحقيقي الذي يقفز إلى الذهن كلما ترددت لفظة (ثورة) ..
لذلك فأنا أعتبر أن ثورات البلدان مؤجلة كلياً حتى تكتمل ثورة النفوس ذاتها .. الأمر أشبه بصنع عقد فاخر من اللآلئ اللامعة لكنها غير مثقوبة، بينما يمني صاحب العقد ويشيد بأناقته حالما يرتدي هذا العقد !
معذرة إذا لم أشارك المحتفيين بالثورة ..
ربما لسوداوية طباعي ، أو لسبب أخر أجهله ..
على أيه حال كان لابد من أن أفصح عما بداخلي تجاه هذا الشأن تحديداً ..
ألقاكم قريباً ..

* * * * *

-         « هل سمعت ما الذي قاله (جحا) بالأمس أثناء شجاره مع حكماء البلدة ؟! »
هكذا قال أحد الجالسين في المقهى ليبدأ نوبة حوارية أخرى مع صديقه لقتل الملل والوقت ..
فرد عليه صديقه :
-         « نعم .. لقد تفوه هذا البذيء المعتوه بألفاظ نابية كثيرة في حق سكان البلدة !! لقد قال شيئاً مبهماً عن حمار وطفل صغير، وأشياء أخرى عن (مرآة النفس) والمحاكمات السريعة التحضير والقرارات المسلوقة والمرتجلة !! »
-         « هذا ملخص سريع لما حدث بالأمس ، لكن هناك شيئاً واحداً سمعته ولم أفهمه !»
-         « وما هو ؟!»
-         « لقد كان لحوحاً ومصراً وهو يطالب الناس كلها بالكف عن تخيل أنفسهم بمكانه حماره ‍!»

ليست هناك تعليقات: