11‏/2‏/2011

ما بعد الرحيل ..


الجسد المسجى أمامي ..
هو ما تبقى من بلدي ..
مصر ..
ذاك الوطن الذي ظل يقاوم كثيراً ..
حتى أنهكته محاولاته ..
فيا أيها القدر ..
كن رحيماً ..
أنتقي جيداً ما في جبعتك ..
وقدمه إلي وطني ..
وعلى هامتك أعظم إمارات الاحترام ..
فكم تعذب وطني كثيراً بسبب حماقاتك ..
فكن معه ..
أرجوك .

16‏/1‏/2011

اعتذار هامس اللهجة ..!


إليها ..
هي ..
من نافست شرودي بشرود .. وتحدت فضولي بعناد ..
من اغتالت – ببضع كلمات – غروري .. ومسحت من فوق هامتي إمارات الكِبر والجمود ..
هي التي غرست نبتة البسم على وجهي  .. وفجرت على عواصم حزني قنابل من ورود ..
 وجلست بين يدي كالهرة الناعسة .. تبغي – ولو ابتسامة – تخرج من ثغري الموصود ..
فعصف برقتها ردة فعلي .. والذي جاء على هيئة أعتى عواصف الجحود ..
هي من تدثرت بعباءة الغموض .. ومشت أمامي بغية إرشادي للطريق المنشود ..
هي ..
من اقتربت مني كالفراشة الطفلة .. فاحترقت بداخلي بنيراني الصديقة ..
وأرادت أن تقتل الوحش بداخلي ، فتكالبت عليها أحزاني العتيقة ..
فياليت وؤدت بداخلي جميع كلماتي الصفيقة ..
بدلاً من أن تخرج زفرة جرح من هاتين الشفتين الرقيقة ..
لها ..
أقدم اعتذار صادق وصامت .. ولها وحدها سأبوح بالحقيقة ..أرتنا

 

(اعتذار ارتجالي – كعادة حوارنا – تأخر كثيراً إلى كيان سامي يدعى "شرود" .. )


وائل عمر .

12‏/11‏/2010

من مذكرات عاشق إرهابي .


حبيبتي سابقاً ..
عادة ما يبدؤون رسائلهم بكلمة (أما بعد..) ..
لكنني سأبدأ رسالتي بجملة :
أما بعد الفراق ..!

أكتب إليك خطابي هذا ، بينما ترقد جثة (الحب) تحت قدمي ، لقد مات فجأة وبدون سابق إنذار ..
حاولت عبثاً أن أتذكره كياناً ينبض بالحياة .. وكيف كان شريكنا طوال ثلاثة سنوات ..
لقد كان موجوداً عندما تأملت – خلسة – لون عيناك العسليتان ..
وقد كان ثالثنا عندما اختلسنا سوياً أول قبلة قوية كفيلة بإحراق كونين وثلاثة سماوات من لهيبها ..

حبيبتي سابقاً ..
ليس ذنبك – أبداً – أن يكون هناك آخر جاء بصفة "رسمية" ، يزيحني برفق من على صدرك .. ثم يدخل هو مكاني ..
وليس ذنبي أن أتقبل محتل وغازي لوطن شرفت دوماً بالانتساب إليه !! وأقام من حولك الأسوار لكي لا أطل عليكِ ما بين الحين والحين .
ولكي أنصرك أنتِ .. كان علي أن أعلن الهزيمة أمامه ..
وألملم ما تبقى من أشلائي ، لأرحل بعيداً .. وفي صمت ..
فقد تصيبك أي من شظايا معاركنا معاً ..
ولكم أكره – أيا عزيزتي – أي سوء ينالك .. فلست أملك أخلاق الهوجاء ..
سأعلن الانسحاب من دون شرف ..
وإن كفاني شرف سلامتك ..

حبيبتي سابقاً..
ربما ستنسين ..
مع الفستان الأبيض والموسيقى الصاخبة ..
أو حتى ما بعد الفستان الأبيض ..
ربما ستنسين بعد أول حضن من طفلك الذي يحمل اسمه !!
لكنني لا أملك ترف النسيان ..
فأنا – يا عزيزتي السابقة – أحمل جحيمي ما بين أذناي .. أحترق ببطء كل لحظة كلما فكرت بنا .. وتشتعل براكيني كلما تذكرتك .. وتفور الحمم كلما تذكرته هو !

حبيبتي سابقاً ..
سألتك عنه : هل هو وغداً ؟!
فقلت : بل شهماً وسيماً بريئاً كالأطفال ..
فلم أجد ما أقوله ..
وكان هذا أخر ما قلته ..!!

 حبيبتي سابقاً ..
لولا ضعفي ما كان هناك آخر ..
كنت سأبقى أنا في كل مكان ..
ولكنهم يقولون أن ما حدث كان بسبب القدر ..
وكم ودت أن أضاجع القدر حتى يموت ، أو حتى يذوق ما أذاقني ..
لكنه أجبن من أن يواجهني ..
لكنني سأنتظره حتماً في غرفتي.. وفي اشتياق للقائه ..
سأرى إن هو الضعيف .. أم أنا ..
على صدري حزام ناسف لي ولقدري ..
وتحت أقدامي ترقد جثة الحب الرطبة ..
وسيظفر الموت مني بابتسامة ساخرة ..


حبيبتي السابقة ..
بدون ضغائن أو كراهية أشكرك ..
وحظ موفق مع .. الآخر .

5‏/11‏/2010

الخروج من الشرنقة.. (4)


إبان الحملة الفرنسية على مصر ، ذهب شيخ أزهري إلى قائد الحملة (نابليون بونابرت) وأخذ يتلو عليه من الإنجيل ما يخص بالسلام والرحمة على الآخرين ..
لم يبد (بونابرت) أي تأثر بما يسمع ، وقرر أن يصمت تماماً حتى ينتهي هذا الشيخ الذي يبدو عليه أنه درس الديانة المسيحية !
 لانت ملامح الشيخ عندما انتهى من مهمته ، ثم نظر إلى وجه (الصاري عسكر) متوقعاً رد فعل إيجابي لما فعله للتو ..
هنا تكلم (نابليون) بدهاء ومكر شديدين قائلاً :
-         « هل أتيت لي لتعدل من إسلامك إلى المسيحية ؟! »
انتاب الشيخ الهلع والذعر ، وأخذ ينتفض وهو يصد التهمة عن نفسه قائلاً :
-         « أنا ؟! أعوذ بالله من الكفر ؟! أعوذ بالله »
نظر إليه (نابليون) ملياً .. ثم قال في بطء :
-         « إذن كيف جئت تقنعني بما لا تقتنع به أنت ؟! »

* * * * *

في هذه الأيام صعدت كلمتي (مسلم ، ومسيحي) على سطح الأحداث المشتعلة في مصر ، صارت البلد كساقي فتاة تأخذ في التباعد عن بعضهما !! لدينا ساق مسلم ، وساق مسيحي ..
الساقين كرها بعضهما ، فظهرت عورة مصر أمام غيرها من الدول الشامتة حولنا !
هنا يجب أن نطرح السؤال المحتوم في هذه الحالة :
هل تهتم لديانتك أكثر ؟!
أم لبلدك ؟!
هل يعنيك أن تظهر صورتك أمام الآخرين كمصري فحسب ؟!
أم يهمك أكثر أن تبدو مسيحياً أو مسلماً ؟!

* * * * *

لو نظرنا إلى الديانة المسيحية والديانة الإسلامية ، لوجدنا الكثير من التعارض الفادح ، يعارض يستحيل أن يصدر من نفس الإله هنا وهنا ..
فـ (الله) في الإنجيل ، ليس هو (الله) في الإسلام !!
الطريقة الوحيدة لنفي هذا التعارض هو أن يصرح المسيحي بأن القرآن مكتوب اجتهادياً وتملأه الأخطاء .
ومن الناحية الأخرى يصرح المسلم بأن الإنجيل محرف بطريقة لا شك فيها ..
المصيبة أن الطرفان لم يختارا طريقهما منذ البداية !! فكل منهما ورثا الدين عن أهليهما منذ الطفولة ، وتشربا العادات والطقوس كما تعلما اللغة والتقاليد .. كما أن هناك موانع صارمة في أن يفكر أي منهما في دينه .. فالدين يأتي سائغ ومهضوم دون الحاجة لهضمه فكرياً .. لذلك يصعب على أي من أحدهما أن يأتي أخر من ديانة أخرى يتحدث معه في الدين ويبدي نوعاً من التفكير المنطقي ..
لأنه ببساطة لا منطق في الدين !!
الدين هو حزمة واحدة لا يمكن فصلها ..
حتى ولو بلغ كم المبالغات الغير معقولة فيه ، فهو مقبول لكل طرف !
ربما هذا ما حدث في القصة التي بدأ بها هذا الموضوع ..
العدو المحتل هنا هو مسيحي .. والطرف الضعيف هو مسلم ..
لذلك حاول المسلم استدرار العطف الديني للمسيحي ، لكنه – أي المسلم – لا يعترف به مطلقاً .. إنما ظن إنها ورقة قد تكون رابحة ومخلصة من ذل وهوان الاحتلال !!
وهذا ما نفعله نحن في حياتنا كل يوم في مصر ..
نخدع بعضنا البعض دون أن نشعر بذرة خجل واحدة !!
نسي المسيحي إنه مصري .. كما نسي المسلم أنه مصري ..
وصرنا دولاً أشتاتاً تحت دولة واحدة ممزقة اسمها (مصر) ..

* * * * *

في الآونة الأخيرة تسارعت التطورات التكنولوجية ، وضاق أكثر مفهوم اتساع العالم .. فالعالم أضحى أصغر من قرية صغيرة كما يقال  في السابق .. بل العالم مساحته نفس مساحة لوحة مفاتيح في أي حاسوب .. يمكنك من خلاله أن تجوب جميع الأنحاء بضغطة زر .. وفي نفس مكانك !!
هنا انتشرت المواقع الدينية من الطرفين ،  وصار كل طرف يعرض سلعته على الملأ بحرية وليس على استحياء كما كان يحدث في الماضي ..
بعدها ظهرت المقارنات بين الطرفين ..
-         إلهي أكثر تسامحاً من إلهك ..
-         رسولي أكثر وسامة من رسولك ..
-         ديني أكثر بساطة من دينك ..
-         الجنة عندنا أكثر جمالاً من الجنة عندكم ..
-         أصدقاء رسولي أكثر شجاعة من أصدقاء رسولك ..
هنا دخل المصري المسيحي في معترك دائم مع المصري المسلم ..
مناقشات واحتدام وجدل لا ينتهي ..
صارت العقول الإنسانية مثل عقول الببغاوات ، تردد ما لا تعي .. ولا تعي ما تقول ..
ويستمر التطاول من الطرفين لأجل غير معروف !!
وينتقل هذا التطاول إلى الحياة العملية ..
حتى أودى الأمر إلى تساقط قتلى بين الطرفين ..
حياة الإنسان أصبحت هينة وسهلة ومعدومة أمام واجب ديني واهي !!
هنا لابد من الإرغام على وضع الدين تحت ميكروسكوب فكري ، ويعاد التأمل فيه ..
ونفكر في جدية :
ما الذي نريده حقاً من الدين ؟!
هل هو النزعة الطائفية السائدة الآن ؟!
 أم نريد السلام فحسب ؟!
هل سيصبح الإنسان أقوى من معتقدات قد تكون صواب أو خطأ ؟!
أم سيستمر في التوغل في ذلك الجانب المظلم من هذه الأديان ؟!
القرار لنا ..
نحن وحدنا .


6‏/10‏/2010

رسائل إلى صديقي الـ ..!


بطريقة ما – سأحرص على كونها سرية – تمكنت من الحصول على أوراق خاصة بصديقي (والذي تعرف عليه بعضكم ، وسيتعرف عليه معظمكم فيما بعد) ..
هو صديقي منذ أيام الطفولة .. وصديقي الوحيد حالياً ! يعيب عليه الناس من حولنا فظاظة أسلوبه وتهكمه الدائم على أساسيات يتشبث بها مجتمعنا في بسالة غريبة ، بينما يراها هو ضعف موروث من الأسلاف .. لذلك يحاول أن يبعد مد هذا الاحتلال (كما يطلق عليه) من دائرة وجوده في الحياة ..
ستعرفون كلمات صديقي هنا عندما تكتسي باللون الأحمر .. فهذا هو لونه المفضل في الكتابة منذ مراحل التعليم الأولى (وكم عانى بسبب ذلك من المدرسين وقتها) ..  
طبيعة هذه الأوراق ستتضح بدءاً من هذا الموضوع ، وإجمالها حتى الآن سبع وثلاثون رسالة ستنشر تباعاً فيما بعد ..
ولكن .. (أين وكيف تم نشرها ؟! ) ليس من شأنكم ..
أو .. (ما هو اسم صديقك هذا أو أي معلومات عنه.) أيضاً ليس من شأنكم .
أترككم مع أوراق صديقي ..
وائل عمر .

* * * * *

الرسالة الرابعة عشر :  من / م. س.
يجيئني هاجس بأنك أنسب شخص يقدر على إخراجي مما أنا فيه الآن ..
فأنا عبارة عن بحر وغريق وقشة ذائبة معبآن في كيان واحد .. هو أنا ..
أنا يا أستاذي جندي مجهول في حرب سرية ..
أنا ببساطة أحد ضحاياً الحب .
هل يتسع وقتك لمعرفة قصتي؟!
حسناً ..
منذ عامين قابلتها ..
لم ألتفت كثيراً لملامحها .. فهي أنثى تمتلك ما تملكه أي أنثى أخرى ، ولا تمتلك ما هو عند الذكور !!
كان اللقاء رتيباً بحكم الزمالة في نفس مكان العمل .. لذلك تعارفنا بلا اكتراث .. فأنا مجرد ملامح مرتبطة باسم في خلايا مخها الرمادية ، وهي كذلك بالنسبة لي ..
سهام ..
هل ترى ؟! حتى أسمها عادي جداً ، ومكرر بسخاء في كل مكان حولك ..
وبحكم وجودنا داخل أربعة جدران معظم اليوم ، كانت هناك بضع محادثات بخصوص العمل .. العمل فقط .. ربما لأن شخصيتي تحوي بعض العنصرية تجاه الجنس الأخر بطريقة مريبة ، يكفي أن أعلمك بأنه كلما تحاورت معي أي أنثى فأنني لا أسمع معظم حوارها ، فسرعان ما يشرد ذهني عنها بشكل ما بسبب ملل وتفاهة الحوار .. (مايسة) زميلتي الأخرى كانت أكثر من أشرد عنها بطريقة مضحكة ، إذ يكفي بأن تتفوه بكلمتين حتى يحور عقلي صوتها إلى نقير دجاجة غبية جائعة !! هذه طبيعة بداخلي لا يمكنني إنكارها أو حتى الفرار منها .
وتمضي الأيام .. ولا جديد تحت الشمس .. أو حتى عليها ..
حتى ضبطت نفسي يوماً وأنا أفكر في لون عين (سهام)  قبل نومي !!
أنا؟!
هل أنا مراهق أرعن أو رومانسي عابث ؟!
أنا أعرف حدود نفسي جيداً .. فكيف تسول (نفسي) بأن تفكر في عين زميلة لي ؟!
وفي التو اعتقلت الفكرة في رأسي ، وقمت برجمها حتى الموت ، وبعثتها مرة أخرى وأحرقتها لكي تموت إلى الأبد في رأسي ..
في اليوم التالي أدركت السبب !
ربما من أول نظرة إلى عين (سهام) ..
عرفت أن عينها ذاتها تملك روحاً خاصة بها .. عين متقدة كألف شمس تشع ضوءاً ما مازال مجهولاً .. لا أعرف ماهية لغز عيناها .. ربما شجعني ذلك لأن أنظر لبقية ملامح وجهها ..
وكانت الخلاصة أن وجهها يصلح لأن يكون مرآة لجميع آلهة الأزمان الغابرة قاطبة ..!
صدقني أنا لا أتكلم عن الناحية الجمالية !! ولكن عن الناحية الـ .. الـ ..
لا أعرف تحديداً ..
لكني أجد راحة من نوع خاص كلما نظرت إلى وجهها ..
فقط أستريح من كل شيء ..
لذلك تغيرت معاملتي معها ..
(سهام)..
نعم .. ليس كل النساء بلهاوات كما كنت أظن من قبل ..
ربما لكونها سفيرة النساء عندي ؟!
لا أعلم أيضاً ..
لكن ما أعلمه هو أنني لم أعد اكتفي بساعات العمل فقط..  فكان الهاتف وسيطاً بشكل ما على استحياء في أول الأمر ، ثم تداعت الأمور بعدها بطريقة ليس بإمكاننا تعقبها !!
عندها توقفت مع نفسي للمرة الثانية .. هل وقعت في شباك عنكبوت عملاق اسمه الحب؟!
هل أحببت (سهام) حقاً ؟!
عندها ثارت نفسي محتدة على ما يحدث .. إذ كيف أقع في الحب كالغر الساذج؟!
الحب ضعف ..
وأنا أكره كوني ضعيفاً .
لذلك تحولت إلى طور الجفاف مرة أخرى .. بعدما لاحظت نظرات اللهفة في عين (سهام) كلما التقينا .. هذه نظرات حب بلا شك ! إذن هي تحبني ..
لكنني – بدون قصد مني – كنت أصد نظراتها بعنف ، وتحولت معها إلى كيان خشن جاف المشاعر ، وكم آلمني تعبيرات عينيها .. بالذات عينيها .. لكنني لم أكن لأملك غير ذلك .. كنت أحاول حماية نفسي من الحب ، وحمايتها مني أيضاً..
ولكن ..
هل انتهت القصة هنا؟! 
هل أنا مجرد أحمق أخر مر بمماس دائرة الحب ثم تراجع عن التوغل فيها ؟!
القصة ستبدأ في ذلك الصباح ..
عندما أفقت من شرودي على صوت (مايسة) وهي تصدر أصواتاً أنثوية بلهاء الغرض منها التعبير عن الفرح !!
عندها أدركت (سهام) – وقد جاءت لتوها لمكان العمل – وفي يدها اليمنى يقبع معدن أصفر في استسلام مثير للغيظ ..
(سهام) صارت مخطوبة الآن ..
لم أكترث لأن أهنئها .. لكنني لاحظت أنها تتلاشى النظر في عيني وقتها ، ولم أفهم السبب ..
لوهلة دارت في رأسي نظرات وبسمات وضحكات تشاركت فيها مع (سهام) .. ثم انتهت الوهلة لأدخل في جو العمل ..
بعدها بثلاثة أيام رأيت (سهام) مع زوجها المنتظر في أحد الميادين العامة القريبة من العمل !!
لا أتذكر كيف كانت وقتها !!
فراشة بروح قطة ؟!
أم زهرة يانعة استقرت بداخلها الشمس ؟!
لا أتذكر .. كما أنني لست ميالاً إلى التعبيرات العاطفية السخيفة التي أسمعها في الأغاني الشبابية الحالية !!
كانت متأبطة ذراع شاب أخر .. خطبيها !!
راودني وقتها أن أذهب وأتشاجر معه حتى يسقط أحدنا ميتاً من قبضة الأخر !!
أو أن أذهب إليها وأصارحها بأني افتقدها ..
جزء كبير مني قرر أن أخبرها بأني أحبها ..
أما الجزء العقلاني فقرر أن أشرح لها طبيعيتي المستعصية ..
أنا مجرد قفل أو مزلاج ، وهي وحدها المفتاح لطلاسمه !
نعم .. يجب أن أعترف وأخبرها ..
لكن ..
هو .. نظرات الحب والهيام الصادق تطل من عينه إليها .. هذا الذكر يحبها حقاً .. فأنا أرى نظرات الضعف في عينه ! هنا قررت أن أنظر إلي عيناه ملياً ، فهذه ليست نظرات ضعف أبداً .. أنها أشبه بلحظات نصر !! نعم .. فقد ظفر بها حتماً .. هل هذه هي السعادة التي يشتهيها البشر في كل لحظة في حياتهم ؟!
لك أن تتخيل شعوري في هذه اللحظة ..
اللحظة التي فهمت فيها شعور الحب ، والذي لم يكن ضعف أبداً .. بل هو راحة ممزوجة بسعادة !! بينما التي أحبها تقف فعلياً مع من يبادلها هذه الأحاسيس .. أنا فقط طرف دخيل بينهما .. شيء يصعب أن يضاف إلى وجودها .. فماذا يمكنك أن تضيف ما بين الوردة وشذاها ؟! عندها قررت أن أدير ظهري لهما وأرحل في هدوء !!
لحظتها أدركت المعنى الحقيقي للضعف !! وهو حتما ليس كما ظننته ..
يومها تقاسمت وسادتي مع سهاد لا يرحم ..
هل السهاد حقاً هو سهر المحبين كما يقولوا ؟!
إذن فمكانه ليس هنا معي في صومعتي ذات الخرسانة المعنوية الكئيبة .. السهاد مكانه بينهما الآن في هذه اللحظة .. هو ثالثهما الشرعي ، بينما أطعن نفسي بسكاكين القسوة طلباً لخلاص روحاني لن يأتي !
في اليوم التالي .. في مكان العمل .. جلست هي بكل وداعة كما عهدتها دوماً أمامي ..
العينان .. هما ذات العينان الشبيهة بكيان منفصل عن الإنسانية كلها .. تمشط في جدية سطح شاشة حاسوبها بنشاط متقد ..
بينما أتسائل أنا أثناء تأملي لها :
هل تفكر فيه الآن ؟! كيف تنقل هذه العينان صورة الآخر إليها ؟! ما الذي تفكر فيه حينما تقع هذه العينان عليه ؟! ما هو شعوره عندما تراه ؟!
أفقت من تساؤلاتي فجأة لأسألها بدون مقدمات :
-         هل تحبينه فعلاً ؟!
عيناها المذعورة تفر من الشاشة الزجاجية بهلع لتستقر على عيني أنا ..
لم ترد على سؤالي .. إذ نظره عينها وحمرة خجلها وإيماءة وجهها في صمت كفيلة بالرد على سؤالي هذا ..
أنها تحبه حقاً ..
تحبه ..
عرفت إجابتها بينما تنشق الأرضية وتبتلعني أنا والكرسي ، وجاءت يد خفية قاسية تعتصر قلبي ، وربما أنفجر بركان خامل في رأسي يقذف حمماً تتسلى بإصابتي في مقتل !! كل هذا يحدث بينما مشاعري أعلنت استسلامها لصد محاولات دموعي من الفرار من مقلة عيني ..
لم أدر بشيء بعدها ..
فهذه هي غرفتي .. وها أنا أكتب إليك ..
أما عما توسط ذلك فمعدوم من ذاكرتي تماماً ..
هل بكيت أمامها ؟!
هل صرخت وملأت المكان بشتائم غامضة بلغة مجهولة؟!
هل هنأتها كما يفعل النمطيين ؟!
لا أعلم ..
صدقني لا أعلم ..
كل همي الآن أن أحبس دموعي التي تنهمر مني كما لو كنت مراهقة ساذجة ..
هناك طفل جميل كان ينمو في رحم حياتي الخرسانية أسمه الحب ، لكني استلت سكيني وذبحته بلا رحمة غير عابئاً بصرخاته في داخلي .. وكم هو قاسي أن أداعب جثة طفل على أمل أن تعود إليه الحياة كما كنت أتمنى .
وعندما تيقنت من عبث المحاولات .. أيقنت بعدها بأنها هي وحدها التي شعرت بها .. وهي وحدها التي ابتعدت عنها .. وهي وحدها التي أتمنى أن أدفن نفسها في أي قبر تشاءه عيناها ..
هي وحدها التي أدركت أن وجودها حولي أشبه بالدين ، يصعب تغيريها كلما شئت أنا أو الظروف ..
هي وحدها التي أمكنني أن أطلق عليها (هي الوحيدة) .. فكل أخرى غيرها هي مجرد (هي أخرى) ..
لعلك تتساءل لماذا أكتب إليك أنت بالذات ..
ربما لأني أدركت انك نسخة أخرى مني ، أننا نتشابه كثيراً في معظم الصفات .. أيقنت ذلك بعدما قرأت ردك صدفة مع صاحبة الرسالة التاسعة .. أنت جاف مثلي تماماً .. ولكنك تسخر من المشاكل حولك ، بينما أنا أغرق فيها بكل كفاءة .. ربما وجدك الحل عندك ..

في انتظار ردك.
م. س.

* * * * *

إلى / أياً كان اسمه !!
رسالتك طويلة جداً يا رجل ، بل هي طويلة بحق ..
ربما يشفع لك تعبيراتك والتي لاقت عندي صدى مقبولاً نوعاً ما ..
رسالتك هي الرسالة الرابعة التي أتلقاها بشان ما يسمى الحب ، ولا أدرى لماذا يظن البعض بأني حكيم الهوى أو رسول العشق أو أي مسمى سخيف أخر ؟! ما شأني أنا بهمومكم الشخصية ؟! هل تعتقد بأني أقرأ رسالتك هذه وأنا أجلس على أرجوحة أمام حمام سباحة قصري المنيف مسترخي الأعصاب وكأن المشاكل انتهت من الحياة ؟! دعني أصحح فكرتك هذه لو كنت تعتقد فيها .. أنا لي حياتي الخاصة وأرفض أي اقتحام من الآخرين لي !
ثم تسألني عن الحب والهيام والعشق وكأنني (ديونوسيس) في الأساطير الإغريقية ، والحقيقة أنني أعلم عن الحب نصف ما تعلمه شجرة صبار موشكة على الموت من فرط الجفاف المقحط ..
كما أنني جهول تماماً بعالم الأنثى !! فأنا أقف أمام الأنثى بحيرة تشابه حيرة الأنثى نفسها أثناء وقوفها أمام مبولة في حمام رجالي !!
(بالمناسبة: أسم سهام لهو بحق أسم سخيف للغاية .. إذ كيف يطلق الوالدين أسماء لأسلحة حربية لأبنائهم ثم يتمنون لهم حياة آمنة بكل سذاجة ؟! أيضاً أحمل لأسم سيف نفس الكراهية !!)
ما علينا .. دعنا نأخذ مشكلتك من الجانب الإنساني والنفسي ونثرثر قليلاً بتحليلية محايدة:
·        تقول إنك لم تلتفت يوماً إلى الأنثى قط .. هذا ليس عيباً في ميولك الجنسي ولا بسبب رواسب نفسية منذ الطفولة .. يبدو أنك فكرت كثيراً في منطقية الأمر !! خيالك الواسع حطم قيود القاعدة النمطية المألوفة ، وجعلك تخرج من الدائرة المحكمة المفروضة على المنطق نفسه .. أعتقد أنني أشاركك في هذا الأمر .. خصوصاً التغيرات الفسيولوجية والهرمونية للأنثى أثناء حياتها !! أنه شيء لا يعقل لو تعمقت فيه حق التعمق !! جعلتني للحظة أتحسر على العصر السعيد للبشرية قبل وجود الحمقاء البلهاء الخرقاء المسماة (باندورا) أو الأنثى الأولى في الأساطير الإغريقية !
لقد تأهب عقلك تماماً لرفض فكرة وجود الأنثى في حياتك ، وقد أودى ذلك إلى تطور طفيف في أولوية الغرائز لديك .. فسقطت مرتبة الغريزة الجنسية لديك إلى درجة أدنى .. فالحب هو تعبير مهذب للغريزة الجنسية ، لذلك فإن جملة (أنا أحبك) تنقلب منطقياً إلى (أنا أشتهي مضاجعتك) في عقلك الباطن !! لذلك يتأفف عقلك من التفكير في ذلك الأمر .

·        تكلمت بأريحيها عن عين رماح .. أقصد سهام وكأنها عيناً مختصة بذاتها عن البشرية قاطبة !! ما بك يا هذا ؟! أي خرف تقوله ؟! أنه الفراغ الذي يملؤك لا أكثر .. ليس بسبب روح عينها أو جمال طحالها !! لقد تمكنت منك الغريزة الثالثة بصدمة ارتدادية مضاعفة .. لقد سولت طبيعتك الأولى إلى تطبيق المثل المعروف : (إذا لم تكره ما تكرهه ، فحب كل ما تكره !) هذا هو سبب ميلك إلى ذلك الكائن طويل الشعر !! ثم يبدأ الأمر معك بلمحة خاطفة بشرودك في لون عينها .. هذا أمر يناسب الرومانسيون البلهاء الذين يعتقدون بأن الحب ما هو إلا مكواة عملاقة تساوي وتمهد خشونة حياتهم بسلاسة .. ثق تماماً بأن كلهن سواء .. سواء في الظلام أو في غيره !

·        (ضعف) .. تقول الضعف ، لقد استيقظ عقلك وتمرد على الغريزة بعد رقدته الغافية .. ثم تصرفت على سجيتك كما تعودت من قبل ، ثم حاربت الكيان الطفيلي الذي يحتل وجودك في كل لحظة مع ... (ماذا كان اسمها ؟!) ..

·        لقد صارت مخطوبة .. انتكاسة أخرى سببها الذكر الذي بداخلك والذي لا يقبل بوجود ذكر أخر في أي شيء .. تصرف معتاد عند الإنسان يشاركه فيه الحيوان بتعادل سيكولوجي مريب !! ربما هذا ما يفسر رغبتك القوية في التعارك معه حتى الموت .. مجرد سلوك حيواني مجرد !! لا تقلق إذن .

·        تعاني من السهر والهيام والغيرة .. حياتك انقلبت إلى جحيم أسطوري وقهر  وأشياء أخرى .. لماذا لا تعترف إن الأمر لا يتعدى كونه رغبة ذاتية لتعذيب نفسك ؟! أنه مماثل للتطهير الذاتي في علم النفس (ولا تجرؤ على أن تطلب مني أن أشرحه لك !) لك عندي نصيحة واحدة : تخلص من الفراغ الذي يملأك.

·        ختمت رسالتك بجمل كثيرة تبدأ بكلمة: (هي وحدها) .. دعني أسألك : كيف تتوقع أن يكون هناك غيرها وأنت متقوقع بهذا الشكل المذري؟ ثم تصرخ بعدها بشكواك إلى غيرك بغية الحصول على حل سهل وسريع وفعال؟ إن لم تكن قادراً على حل مشاكلك بنفسك .. فعليك أن تغلق فمك مثل ساقي عذراء مصابة بحياء ممزوج بوسواس قهري ! كن رجلاً قحاً ولا تفعل مثلما يفعلن منتفخات الصدور ذوات الأصوات المزعجة .

مشكلتك بسيطة يا رجل ..
لإنه لا توجد مشكلة .
لإنه لا يوجد حب في حياتك .
هل فهمت ؟
أنتهى تعليقي على مشكلتك ..
ولا يهمني إن استطعت أن أفيدك برأيي أم لا ، فأنت وحدك من يقرر حياتك أنت .. ومهما تكلمت إلى الناس للتعبير عن همومك ، فأنت وحدك من تشعر بآلامها .. تماما كما يقول المثل : لا يعرف غيري أن حذائي ضيقاً .

والآن أتركك لنفسك.

* * * * *

انتهت الرسالة الأولى التي أنقلها عن صديقي ..
وانتهت الرسالة الرابعة عشر التي وصلت إلى صديقي ..
ولكن .. بعد قراءتي لمعظم الرسائل توقفت كثيراً .. إذ أن ما يحدث كل لحظة في العالم هي أشياء لا تصدق فعلاً .. هناك مواقف غريبة يمر بها الناس ونتعجب حينما نسمع عنها !!
فيما بعد سأذكر الغرائب التي جاءت في المراسلات .. وسأترككم أنتم لتفاضلوا ما بين التصديق أو التكذيب ..
إلا أنني أتعجب لشيء واحد فقط ، وهو نفس ما يتعجب منه صديقي نفسه :
-         لماذا يراسله البعض على الرغم مما يقال عنه أنه فظ وجاف ؟!

و. ع.