8‏/5‏/2010

الخروج من الشرنقة (2) ..

كانت حياته بائسة مؤخراً !!

بل كان وجوده مرادفاً قوياً لمعنى كلمة (بؤس) ..

فقد كل شيء ذا قيمة من حوله (أبويه ، وظيفته ، أصدقاءه ، حبيبته ) ..

ومؤخراً فقد ثقته بنفسه !!

لم يتبق أحداً بجواره لكي يشكو له همه .. فقرر اللجوء إلى (الله) ..

كان يحادثه ليلاً ونهاراً ..

يتكلم معه كأن صديقه في بعض الأحيان ..

ويتعامل معه على أنه عدوه في معظم الأحيان ..

كان من المعتاد أن يناجي ربه قائلاً :

  • « أرأيت يا (الله) ما حدث لي ؟! لم أعد أملك شيئاً سواك .. فهل لك أن تتدخل قليلاً يا (الله) وتغير تعاستي وبؤسي وشقائي ؟! لماذا صمتك يا إلهي ؟! هل تريدني أن أذهب إلى بيوتك وأتضرع أمام رموزك ؟! أولست في كل مكان ؟! أفعل شيئاً .. أرجوك يا (الله) .. تعبت ، ولم أقدر على الاستمرار .. فأنا ألومك من فرط محبتي لك .. ولم أفقد الإيمان بك ولو للحظة .. أنا لا شيء بالنسبة لك يا (الله) .. ولكنك كل شيء لي .. أرجوك أفعل شيئاً .. أرجوك . »


 

بعد انتهاءه من الابتهال والتضرع حسب طريقته .. قام بفتح عينه ، وتوقع أن تتغير الدنيا من حوله إلى الأجمل .. ربما أشبه بالأسلوب الساحر والخالب للألباب في الأفلام الخيالية ..

ولكن ..

لم يحدث شيء ..

لا يزال في صالة شقته الصغيرة ..

محاطاً بجدران كئيبة تحوي خربشاته الطفولية العابثة ..

التلفاز العتيق يصدر أصوات مبهمة تحكي أنباء عن مصرع العشرات في انفجار ما في منطقة ما .. يليه نبأ عن مقتل المئات بسبب إعصار عاتي في منطقة يسكنها الفقراء من دولة ما ..

أطرق رأسه في ذل وهو يتمتم في ضعف :

  • « ويبقى الوضع كما هو عليه .. لا فائدة . »


 

وسولت نفسه في الدخول إلى نوبة بكائية حارة ..

لكنه سئم من الضعف ..

فرفع رأسه إلى سقف الغرفة بغضب قائلاً :

  • « حسبك .. ألم تمل بعد من هذا العبث ؟! تشاهدنا وترانا بلا إحساس ؟! نتألم ونتعذب هنا ، وأنت كما أنت .. تتفاخر بلا كلل بذاتك العظمى وكمالك المثالي !! بينما في كل لحظة تتعالى صرخات المعذبين أمثالي .. قل لي .. كيف يبدو الأمر بالنسبة لك ؟! هل أنت بعيد لدرجة أن لا تصلك دموعنا ؟! أم تتلذذ بعذابنا ؟! هل أنت موجود ؟! أم وجودنا واه بالنسبة لك ؟! هل نحن مجرد أحلام تتشكل لك ؟! ما أنت ؟! قل لي . أجبني .. أرحني .. أعطني سبباً واحداً لما يحدث .. دلني على إشارة واحدة تثبت وجودك !! »


 

(لم يحدث شيء !!) ..

  • « غريبة .. لم تكلف نفسك بتسديد عقاب لي يثبت غضبك علي .. حتى غضبك كان سيبدو لي دليلاً على وجودك .. لكنك تكاسلت عنه ، هل ذهبت أيام مجدك بلا رجعة ؟! أيهل جفت أمطار طوفانك ؟! أم خمدت حركة زلازلك وتجمد رصيد براكينك ؟! أدعوك لأن تغضب علي .. قم بسخطي حتى لأتأكد منك .. أفعل شيئاً .. يقتلني صمتك .. فأنا لم أعد أحبك .. ولا حتى أخافك .. ارني قسوتك التي تغنيت بها .. أتحداك لأن تفعل شيئاً .. والآن . »


 

(نفس الوضع .. لم يحدث شيء !!) ..

تراخت قواه من فرط تشنجه السابق .. تكور على نفسه في وضع جنيني ودخل في نشيج واهن ..

  • « أعلم أنني لا شيء .. فلا أنا صاحب نفوذ ولا مال ولا شهرة .. أنا لا شيء بالنسبة لك .. ولا شيء حتى بالنسبة لنفسي .. حاولت أن أفعل شيئاً .. ولكني ضعيف يا (الله) .. وقضيت عمري كله في البحث عنك في كل مكان .. ولكني لم أجدك .. سامحني إن تبجحت عليك .. ولكنه حقي .. فما يحدث لي لا أملك عليه صبراً .. وأنت لم تمر بظروفي لحظة واحدة .. ظننت أنني أقوى منك في صبري وتحملي .. ولكني أعترف بضعفي .. سامحني أرجوك .. سامحني .. »


 

ظل يردد عبارته الأخيرة بصدق .. حتى غالبه النعاس في وضعه هذا .. فنام على رقدته ..


 

* * * * *


 

مسكين أنت ..

تعبت من أجل الوصول إلي ..

بحثت في كل الأنحاء .. ولم تمل من البحث عني ..

حاولت التعامل معي وكأني مثلك وعلى هيئتك وطبيعتك ..

أنا صانع الأكوان كلها بهيئتها ودقتها .. وظننت أنت بمحدودية صنيعي .. فلا الشمس أكبر الموجودات كما يعتقد عقلك .. ومع ذلك ليس بمقدروك أن تنظر إليها ..

ولا الذرة أصغر الموجودات كما يظن عقلك .. ومع ذلك لا يمكنك أن تراها ..

صنيعي متعاظم أيها المسكين .. فلا يوجد وحدة عظمى .. ولا وحدة صغرى ..

ومع ذلك تمني نفسك في أن ترى صانعه ملء العين وتجلي الرؤى !


 

وحاولت الوصول إلى بالرتابة ..

وأوصلتك قناعتك بأنك ستصل لي عن طريق أفعال وكلمات بعينها ظناً منك أنها وسيلة سهلة لأمتثل أنا لطلباتك وأمانيك !!

وفي مخيلتك أن محرك الأفلاك والمجرات والأجرام كلها يقبع في شوق ولهفة لحركة يسيرة منك ..

أتظن بأن بضعة كلمات تقولها أنت كفيلة بتعظيمي !

أو بضع أحرف تكفي لاحتوائي أنا وما صنعت !

أيها المسكين ..

أنا صانع العظمة كلها .. ولا احتياج لي بها ..

فهي منالكم أنتم ..

فأنا لا أصف ذاتي – أبداً – بما أصنع ..


 

تبكي إلي ..

وتشكو إلي مني ..

وتلومني على ضعفك ..

وتطلب بتذلل بأن أصنع شيئاً حيالك ..

ولم تجرب مرة أن تشاء صنعاً .. بل تتحجج بمشيئتي أنا ..

تقف في مكانك ساكناً .. وتطلب مني أن أسري إليك بجميع الأنحاء ..

ونسيت أن مشيئتي أنا من مشيئتك ..


 

أيها المسكين ..

أتيت لي طالباً طامعاً ..

و راجياً آملاً ..

ثم خائفاً مذعوراً ..

وبعدها غاضباً حانقاً ..

ولم تجرب أن تأتي إلي تواصلاً بذاتك لذاتي ..

لم تشأ أن تجيئني كما أنت ..

بل حاولت أن تصل لي عن طريق غيرك من المساكين ..

وفي ظنك بأن الطريق إلى صانعك يمر بطرقات صنعها آخرين ..

تعالى إلي ..

أصنع طريقك بطريقتك ..

هلم إلي ..

فلا يوجد حاجزاً أمام ذاتي وذاتك ..


 

أيها المسكين ..

أتعبك البحث عني في كل الأنحاء ..

ولم تجرب أن تبحث عني بداخلك .

هناك 6 تعليقات:

غير معرف يقول...

بصراحه انا كنت داخله اشتمك بعد الى انا قريته عندك بس بصراحة قعدت افكر شويه فى كلامك
هو مش غلط
بس مش صح
او يمكن صح وغلط
ويمكن غلط
انا حيرانه يا وائل
عاوز توقل ايه فى الموضوع ده
يا ترى كلامك صح
وليه لا


شوفت يا وائل حصل لى ايه بعد كام زياره لموقعك
الحقنىىىىىىىى

wael يقول...

غير معرفة :
لو كان وجودك بصدد إبداء شتائم من باب إبداء الرأي ، فسيذهب رأيك إلى (الزبالة) .. أو كما يسميها بلوجر (تعليقات محذوفة) ..

أما عن قصدي في الموضوع .. أعتقد أنه واضح بجلاء ولا يستدعي كل هذه الحيرة ..

ألا توافقيني ؟!

غير معرف يقول...

thefear\\

اهلا بعظيمنا وائل

المقاله تسافر بنا من

قاع اليأس الي قمم الأيمان

في نهايه المقاله كان الرد الشافي

لتساؤلات هذا الرجل ,,

لا تعليق يا سيد

فانت بكل جوله تحط توقعاتنا

رائع انت و أكثر يا صديق

دمت برونق قلمك

تحياتي

:-)

THEFEAR

رقيه المنسى يقول...

فى البدايه رايت تطاول فى الحديث مع الله عز وجل ولكن لا نستطيع انكار ان هذا يحدث
والان بالنظر لجوهر الموضوع دائما نرى ان الانسان الفاشل يلوم الحظ القدر من الاخر بيقول نصيبى ويبدا يتفنن فى تفسير وتحليل سوء قدره يمكن ربنا هيعوضنى فى الاخره يمكن ده ابتلاء ده اكيد تكفير عن ذنوبى وربنا بيحبنى فبيكفر عن ذنوبى
ونجد الشخص الناجح بيرجع نجاحه لاجتهاده ولتوفيق من الله
مع التعمق فى التفكير هنواجه السوال المعروف
الانسان مسير ام مخير؟
طالما ان الله سيحاسبنا اذن الانسان مخير
ولكن
كل شىء مكتوب من البدايه مش كده ولا ايه؟
السوال ده حير الكثير ودائما من يواجه الفشل يومن بان الانسان مسير (كله مكتوب )
والانسان الناجح مؤمن بان الانسان مخير ( والا احنا هنتحاسب ليه يا جدعان لو معندناش اراده )
بينما الاجابه الصحيحه كما اراها
الانسان مخير مش علشان ( احنا هنتحاسب ليه لو مش مخيرين ) ومش بنفى ان كل شىء مكتوب
اطلاقا
لكن ربنا كتب كل شىء بعلمه ليس بفرضه
ربنا كتب كل شىء لانه هو العليم ربنا يعلم ما سوف يحدث مسبقا
لم يكتب الاقدار لانه فرض حدوثها او اراد حدوثها بهذا الشكل
لذا فنحن نمتلك الاراده ومسولون عن كل ما نواجهه من احداث

النجاح فى الحياه مقياسه ليس التقرب من الله
بغض النظر عن الديانه
يوجد اديان سماويه ويوجد من يعبد الجاموس والبقر
النجاح والفشل ليس بمدى قربك وتضرعك لما تومن به
والا لماذا نجد من هم لا يومنوا بوجد اله من الاصل نجدهم سعداء وناجحين
بينما نجد البعض ممن وهب حياته للقضيه السماويه فقط منتهى الفشل والتعاسه
(من جد وجدومن زرع حصد )
لا انكر وجود الله
ولكن الله يساعد من يريد مساعده نفسه
يوجد فرق كبير بين التوكل والتواكل

غير معرف يقول...

سلمت يداك وائل ....
الموضوع يمكن شفاف كتير مش متعودين نتكلم عنو بهيك طريقة ....و من المتوقع الهجوم اللاإرادي لإي حد يقرأه .....بس هو بيكون في بعض الاحيان هواجس للأنسان ..........أو ممكن نقول ...افكار بنحاول نطردها ...هي مش غلط لكن مش اي حد ممكن يفهمها بالشكل المناسب أو المقصود ......

غير معرف يقول...

مصطفى بونيف

نص رائع، قرأته من زاوية سياسية بحتة بعيدا عن العقيدة والدين، لأنني دائما أرى بأن الدين أعظم وأجل من تناوله في نص أدبي...خاتمة النص كانت أكثر من رائعة.