16‏/1‏/2012

لنرقص معاً على قبر 2011 !


كان (جحا) وولده راكبين حمارها قاصدين جهة ما ، فمرا على مجلس قوم من رجال البلدة .. فتنامى إلى سمع (جحا) جزءاً من الحوار الدائرة بينهم :
-         « انظروا إلى هذا الرجل عديم الشفقة !! لقد وصل به التبجح لأن يركب هو وابنه على ظهر هذا الحمار المسكين .. أين ذهبت الرحمة بين الناس هذه الأيام ؟! »
نظر (جحا) إلى المتكلم بنظرة صارمة ، ثم أردفها بنظرة أخرى إلى المجلس برمتها ، ثم ابتسم ابتسامة ساخرة وأكمل المسيرة .
فيما بعد ، تعب الأبن من ركوب الحمار ، فطلب من أبيه أن يسير قليلاً بجواره حتى يريح عضلات فخذيه المشدودان من ركوب الحمار .. فتمثل (جحا) للأمر طالما فيه راحة لأبنه .. وترجل الأبن بجوار الأب الراكب على الحمار ..
فمرا على قوم يتكسعون على أحد الأزقة ، فإذا بأحدهم يقول :
-         « أسواء مثال على تدهور وانحطاط القيم العائلية لهو هذا الرجل حقاً .. لقد اتأثر لنفسه بالراحة على حساب ولده الصغير !! لقد صار كل من (هب ودب) لأن يكون أباً .. »
كاد الصغير أن يتدخل بالقول ليدافع عن أبيه ، إلا أن إشارة من يد (جحا) أجبرته لأن يعدل عن قراراه وأن يكمل مسيرته في صمت .
أثناء المسيرة طلب الصغير العودة إلى ظهر الحمار مرة أخرى لشعوره بالإرهاق من الترجل ، فاقترح (جحا) أن يصعد أبنه على ظهر الحمار وينزل هو حتى لا يتعب الحمار بعدما اعتاد على حمولة شخص واحد فقط ، فوافقه الصغير وامتثل .
ومرا على جمع من النسوة يسيرون نحو أحد الأسواق ، فسمع (جحا) مصمصمة شفاة أحد النسوة قائلة إلى رفيقاتها :
-         « إنه حقاً لجيل مائع من الشباب ، انظروا كيف يركب الصغير – بكل تبجح – على ظهر الحمار بينما يسير أبيه بجواره !! لقد ذهب عصر البر بالوالدين بلا رجعة .. واحسرتاه على هذا الزمان.»
كالعادة .. لم يعلق (جحا) بشيء ، إنما فلتت من عينيه نظرة غاضبة تجاه النسوة .. ثم تجاهل الحوار كله ومضى في طريقه.
قبل وصولهما إلى مقصدهما ، قررا أن يسيرا معاً على قدميهما بجوار حمارهما !!
ولأن البلدة لا تخلو من الجائلين هنا وهناك ، فقد مر موكب (جحا) الصغير على بعضاً من حكماء البلدة يقبعون على قارعة الطريق ، فنظر أحدهم إلى الحمار ومرافقيه وقال في حنكة حكيمة:
-         « هذا حمار محظوظ حقاً ، فقد قاده حظه إلى من هو أغبى منه !! انظروا له وهو يمشي معهم في خيلاء يتساوى مع إنسانيتهم .. هل هو عصر ارتقاء الحمير بالبشر ؟! أم لهو عصر الهبوط الإنساني فكرياً وعقلياً وأخلاقياً وأخيراً سلوكياً ؟!»
هنا لم يتمالك (جحا) نفسه أبداً ، ورغماً عنه أصدرت تجاويف أنفه بالاشتراك مع حنجرته بإطلاق حشرجات غليظة متقطعة أشبه بغطيط النائم ، وقام أصبعه الأوسط بتسديدات لا بأس بها تجاه الناس ، فيما تكفل فمه بإطلاق الشنيع من السباب الذي لا يمكن ذكره هنا بأي حال من الأحوال .

* * * * *

من المفترض هنا أن أكتب – بكل ذهول – عن طول فترة الغياب والتي قضيتها بعيداً عن (عرين الغضب) !! ولا مانع من أصبغ كلامي بالكثير من الحكمة والحنكة لأبرر فترة انشغالي الماضية ، بل وأزيد وأحاول التدثر بجلابيب التواضع وانكار صفة الغرور .. وبينما أحاول ذلك ، فأني – حتماً – سأحاول التظاهر بعكس ما أبديت من أسباب .
لذلك .. لنحاول أن نكون متفقين على عدم إبداء الأسباب ..
ليكن الأمر أني لم أكن هنا .. والآن أصبحت هنا !
والآن .. ماذا لدينا لنتحدث عنه ؟!
هناك أحداث عديدة مؤخراً !! أحداث عديدة ومتلاحقة لدرجة أننا مللنا من التحدث عن كل جديد !!
هذه في رأيي هي لعنة التجديد بإفراط سخيف !!
لدينا أعاصير وزلازل حدثت في أرجاء الكوكب ، (تسونامي) الوسيم قرر الظهور مجدداً في أرجاء الكوكب مسبباً الخراب لبعض المساكين !
أيضاً انتهت – أخيراً – أسطورة (الشهيد الحي) المتمثلة في شخص (أسامة ابن لادن) بعد فلاح الأخوة الأمريكان اتخاذ بعض الإجراءات الجادة والعنيفة لإنهاء حياته .. وهو درس يعلمنا بأن لا ننقاد إلى لي عنق الدين حسب أهوائنا، خصوصاً لو احتوت هذه الأهواء بعضاً من الدموية المفرطة يقودها عقلاً لا يضع اعتباراً حقيقياً لحياة الإنسان..
(معمر القذافي) قتِل أيضاً .. وهو على ما أذكر كان يعمل رئيساً لأحد البلدان العربية بطريقة تطوعية ، ربما اختلف معه أبناء شعبه في هذا الشأن ، فقاموا بإنهاء وظيفته بطريقة دموية وغير محببة على الإطلاق!
حفيد ملكة إنجلترا تزوج أخيراً .. إنه الأمير (ويليام) ابن الشهيدة (ديانا) الذي حظي بالارتباط المقدس مع الملاك الرقيق (كيت) ، وهو اسم سخيف جداً لا يفي بتلخيص جمالها ورقتها وعذوبتها! في الحقيقة أنا أنصح الأخوة (الإنجليز) بالتركيز قليلاً على اهتمامهم بتسمية أبنائهم وبناتهم ، خصوصاً لو كانوا يحملون جينات وراثية من الملائكة ذاتها ! عموماً حظ سعيد لذاك (الأصهب) المدلل مع أنشودة الدلال والمعزوفة الجمالية المجسدة في كينونة تدعى اعتباطاً بـ (كيت ميدلتون) ..
لنركز قليلاً على مصر وما مر بها من أحداث في العام المنصرم ..
هناك انفجار كنيسة في أول ربع ساعة من بداية العام الجديد.. ضحايا ، أشلاء ، قتلى ، الفاعل مجهول حتى هذه اللحظة ..
هناك قطار قرر التنزه بعيداً عن قضبانه متسبباً في مقتل بضع البائسين .. لحسن الحظ أنه لم يقرر إشعال بعض النيران للتخلص من البرودة القارصة المميزة لشتاء هذا العام ..
هناك صديق لي أخبرني بأن بطارية حاسوبه المحمول بدأت في الاحتضار ، وصار وقتها الفعلي يتلخص في مدى زمنه مقداره ربع ساعة أو أقل .. ولهذا أنا أشعر بالأسف من أجله !
لحظة ..
هناك حدث ما ..
مصر استيقظت على بركان ثوري هادر ..
اللعنة .. كيف لم أتذكر هذا الحدث الهام منذ البداية؟!
(ثورة المصريين) ..
لقد حان الوقت لأن ينقشع الظلم عن هذا البلد أخيراً !!
ستعود مصر إلى العصور الزاهية كما كانت من قبل !!
لكن .. متى كانت مصر تعيش عصور زهو ورخاء ؟! منذ آلاف السنين ربما ؟!
لا يهم ، سيعود الرخاء بطريقة ما ..
لنحضر أنفسنا للأمان والطمأنينة ، فقد ذهب ضباط الشرطة الملاعيين الرعناء بلا رجعة بعد انكسرت شوكتهم التي استقرت في حلوقنا – نحن المصريين – عشرات السنين !! نعم .. فلن نخشى من اليوم مواجهة هؤلاء الأوغاد القساة ، لتكن صفحة جديدة في تاريخ الآمان في مصر ..
لكن .. معدل الجريمة ارتفع في مصر إلى 400% بعد الثورة ؟!
هل لدينا نحن المصريين نوايا إجرامية إلى هذه الدرجة ؟! سرقة وقتل واختطاف واغتصاب وتحرش ونصب ومخدرات وبلطجة !!
لابد أن الشعب كان مكبوتاً أثناء العصر الذهبي لوزارة الداخلية المنكوحة هي ورجالها الأوغاد ..
نعم .. لابد أن هذا هو السبب !!
إذن لا داعي للخوف والهلع ، فهذا هو الوقت المناسب لرجال الدين لكي يشدوا العزم والاستعداد للمرحلة القادمة لبناء مصر جديدة تتسم بالأخلاق والتسامح والتأخي ..
لكن .. أين هم رجال الدين يا ترى ؟!!
أووه .. أنهم مشغولون بامتطاء ظهر الثورة واعتلاء الأحداث الجارية بكفاءة وتبجح يحسدون عليها ..
لابد أن بعضهم سيتجه إلى السلك السياسي متعللين بأنهم أقدر من يستطيع إدارة دفة البلاد إلى جنات الآمان .. لماذا نمارس السياسة مع الشعب طالما يمكننا ممارسة السياسة مع الله ؟! فهو من سيعطينا كل ما نتمناه عن طريق السياسة .. إذن في هذه الحالة ليكن (الإسلام هو الحل) ..
هل حدث ذلك بالفعل؟! اللعنة إذن ..
لكن لا يهم .. لدينا خيار أخر برغم كونه غريباً بعض الشيء في هذه الحقبة بالذات ..
لدينا القوم الذين يتفاخرون بهرموناتهم الذكورية المشعرة !
أنه وقت العودة إلى (الله) القديم .. ذاك الإله المربوط والمقيد بعصر معين ولا يمكنه الخروج منه ! حيث كل شيء حرام × حرام .. بينما كل حلال بين هو مجرد حرام مشكوك في أمره ، وحيث يتحول المرء إلي كيان ديناميكي من الشك الموسوس في أبسط القواعد الحياتية العادية !
عموماَ دعونا لا نستبق الأحداث ، لنعطي هؤلاء السادة الأجلاء فرصة لتحسين صورتهم ، ومن ثم تحسين الحالة الاجتماعية لدولة (مصر) ..
أما بخصوص الشرطة الدينية (جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ومستقبلها في مصر ، فأنا لا أتوقع لها أي مستقبل حقيقي يذكر في بلادنا!! فالفكرة برمتها (طرحاً وتنفيذاً) هي مجرد تصور مضحك ومقزز في ذات الوقت .. إنها أشبه برجل يتغوط في إحدى بلدان قارة (آسيا) ، ليتساقط خراءه عليك أثناء جلوسك تحت سقف غرفة نومك !
وماذا عن القوم الليبراليين؟!
بغض النظر إلى افكارهم المتعارف عليها عند عامة الناسة بأنهم قوم داعين إلى الخلاعة واللواط وانتشار العري الإباحي ومعاقرة الخمور، هل في دعوتهم شيء جاد من الناحية السياسية ؟!
هل يمكن أن تشيع الليبرالية كفكر فردي بين المصريين ؟!
فالليبراليه هي اللبنة الأولى لبناء دولة علمانية ، ودولة مصر ككيان شمولي لا يمكن تصور وضعه داخل دائرة علمانية عامة .. إذن لا يمكننا أن نتكلم عن مستقبل سياسي ليبرالي بعين قريرة ..
علينا أولاً أن نقنع ألكترونات ذرة برادة معدن (الألمونيوم) أن تنجذب بحفاوة نحو مغناطيس متوسط الحجم (وإن كان أهمية الحجم معدومة هنا) !
حسناً .. أعترف بضيق أفقي لاستشفاف مستقبل مصير مصر السياسي ، تاركاً هذه المهمة للمجلس العسكري ليقررها هو وزمرته ، مع حق الزعم بأن القرار سيكون بيد الشعب "طبعا" ..
لنتحدث عن التغير الذي أصاب المصريين أنفسهم بعد الثورة ..
أمممم .. ليس التغير المطلوب لإبقاء شوارعنا نظيفة من القذارة والبصاق للأسف ، ولا التغير المنشود لارتقاء الأخلاق السامية ، فلازال هناك سائق سيارة يكيل السباب وربما اللكمات إلى أحدهم على قارعة طريق سريع أو مكان شاغر كفيل بركن سيارة أحدهما ، ولازال ذاك الشاب الرقيع يتحرش بإحداهن كلامياً أو تلامسياً !!
ولازال يتواجد الموظف الحكومي القابع وراء مكتبه ذو الدرج المفتوح ليتلقى رشوة من أحد المواطنين المشوب بـ (الفهلوة) ليقضي حاجته التي يمكنه قضاؤها بدون أية مصاريف إضافية سيئة السمعة!!
التغير الحقيقي الذي لمسته هو بروز عدة انقسامات وشروخ في صرح الكيان المصري ، من قبل كان يوجد (مسلم ومسيحي) ، وصار الآن (سلفي وأخوانجي ومسيحي وليبرالي كافر وعلماني ملحد وماسوني وفلول وتحريري وعباسي "نسبة إلى الميدانين").. وكل منهم يتفاخر بحبه الجارف للبلد ، ولا يتوانى عن تسديد التهم إلى الآخرين بدعوى الخيانة والتمهيد للتدخل الخارجي في شئون البلاد الداخلية ..
لقد بدأت الأحداث بصورة مفاجئة .. لكنها متوقعة بطريقة ما !
أما التداعيات التي جاءت فيما بعد ، فهي للأسف باعثة للملل والشك في مصداقية المعنى الحقيقي الذي يقفز إلى الذهن كلما ترددت لفظة (ثورة) ..
لذلك فأنا أعتبر أن ثورات البلدان مؤجلة كلياً حتى تكتمل ثورة النفوس ذاتها .. الأمر أشبه بصنع عقد فاخر من اللآلئ اللامعة لكنها غير مثقوبة، بينما يمني صاحب العقد ويشيد بأناقته حالما يرتدي هذا العقد !
معذرة إذا لم أشارك المحتفيين بالثورة ..
ربما لسوداوية طباعي ، أو لسبب أخر أجهله ..
على أيه حال كان لابد من أن أفصح عما بداخلي تجاه هذا الشأن تحديداً ..
ألقاكم قريباً ..

* * * * *

-         « هل سمعت ما الذي قاله (جحا) بالأمس أثناء شجاره مع حكماء البلدة ؟! »
هكذا قال أحد الجالسين في المقهى ليبدأ نوبة حوارية أخرى مع صديقه لقتل الملل والوقت ..
فرد عليه صديقه :
-         « نعم .. لقد تفوه هذا البذيء المعتوه بألفاظ نابية كثيرة في حق سكان البلدة !! لقد قال شيئاً مبهماً عن حمار وطفل صغير، وأشياء أخرى عن (مرآة النفس) والمحاكمات السريعة التحضير والقرارات المسلوقة والمرتجلة !! »
-         « هذا ملخص سريع لما حدث بالأمس ، لكن هناك شيئاً واحداً سمعته ولم أفهمه !»
-         « وما هو ؟!»
-         « لقد كان لحوحاً ومصراً وهو يطالب الناس كلها بالكف عن تخيل أنفسهم بمكانه حماره ‍!»

10‏/6‏/2011

دين .. وسلف !!


بدأ الأمر بفكرة ثائرة منه ، وبعدها توصل (جاليليو) إلى دحض النظرية السائدة في عصره والتي تتمثل في :
الأرض ثابتة ، وأن الشمس تدور حول الأرض .. بل أن الأرض هي مركز الكون برمته ..!
والبرهان في حوزة (جاليليو) هنا هو منظاره أو تليسكوبه الذي لا يدع مجالاً للشك في صحة ما يقول ..
ولكن .. كلامه ونظرياته لم تعجب الكنيسة وقتها .. وتألب عليه أفراد الدين ليتراجع عن خرف ما يشيعه بين الناس .. فالأرض – حتماً – مركز الكون كما ذكر الأسلاف .. وأن الشمس تابعة ذليلة ومسخرة لرغبات سكان الأرض .. فهي تخضع لمشيئة الرب في هذا الأمر !!
لذلك عانى (جاليليو) كثيراً في نشر نظريته العلمية المهمة .. إذ كانت الكنيسة بالمرصاد لأبحاثه التي بدأت تجذب الأنظار المتحررة ، وتنال الإنكار من الطبقات المتدينة وقتها .
ومات (جاليليو) .. وهو على يقين في صحة ما توصل له .. وفي أعماقه سخرية واستهزاء بعقول رجال الدين وعلى رأسهم البابا نفسه .. وحينما جاءه الموت .. خرجت روحه مستريحة بعد أن اكتست بلذة الوصول إلى الحقيقة .
بعدها بأربعمائة عام تقريباً .. تقدمت الكنيسة باعتذار مقتضب لـ (جاليليو) وأبحاثه ، وقامت بتكريم جثمانه اعترافاً منها لجرمها السابق في حقه .
فقد انتصر العلم أخيراً .. وأثبت أن الأرض ما هي إلا كوكب تافه يدور حول الشمس .. وأن الشمس نفسها تتحرك داخل المجرة .. وأن مجرتنا برمتها ليس أكبر المجرات المعروفة .. وأن الكون كله يتحرك ويتمدد في انتظام .. بل أن حجم الكون كله يقترب إلى ما لا نهاية ..!
بينما توقف نمو عقول القساوسة في عصر (جاليليو) إلى ما ذكر في الكتاب المقدس فقط!!
وأدى هذا العفن العقلي إلى تأخر البشرية أربعة قرون هامة في علم الفلك ..
والسبب هو : مشيئة الرب !!
نفس الجملة التي قيلت إلى (نيوتن) حينما اكتشف الجاذبية الأرضية وقوانينها الباتة.. فقد ولول أفراد الكنيسة وقتها وتذرعوا بأن سقوط الأجسام هي "مشيئة الرب " وهو وحده أعلم بها وليسوا البشر !!
وكانت حزمة الاتهامات الثابتة وقتها جاهزة في أي وقت :
الهرطقة والإلحاد والسحر !!
فهل نطق لسان نيوتن بالهرطقة والإلحاد والسحر يا ترى؟!
أم هو علماً صريحاً يعتبر التشكيك فيه الآن درباً من الجنون والخبال ؟!

* * * * *

حينما دخلت أعواد الثقاب (الكبريت) إلى مصر ، التف حوله علماء الدين في حيرة بالغة وريبة عميقة .. فقد كانوا يتساءلون وقتها :
-         « هل هذه البدعة المستحدثة تنقض الوضوء ؟! »
كالعادة .. حدث الاختلاف في الآراء !!
فهناك فريقاً أفتى صراحة بأن الكبريت ينقض الوضوء .. وأنه يصل إلى درجة التحريم !!
وأفتى فريقاً أخر بأنه لا مانع من استخدامه .. ولكن يجب الحذر من (الشطط) المتطاير منه ، فهو ما يبطل الوضوء !!
أما الفريق الأكثر تيسراً وتماشياً مع الأمور فقد أفتى بأن الكبريت هو نار مسخرة لإفادة المسلمين .. بناء عليه لا ضير إطلاقاً في استخدامه لخدمتنا وتيسير أمورنا !!
تقريباً نفس ما حدث أثناء دخول الاختراع العجيب (صنبور المياه) !! .. فالوضوء لابد أن يكون من ماء جاري .. وليس من هذا الثقب السحري العجيب ! واختلفت الآراء مرة أخرى !!
وأيضاً دخول المياه الغازية .. هل هي تنقض الوضوء ؟! هل هي حلال أم حرام؟! هل هي من المسكرات ؟!
لدينا الكثير من هذه الحالات .. ويمكننا – بكل ثقة – تسميتها : الخوف من الحداثة !!
ففي الآونة الحالية تقف الأديان عاجزة عن تطور البشر المتلاحق في شتى المجالات .. فهي – أي الأديان – جاءت في حقب متلاحقة ومتقاربة نوعاً ما .. ثم توقفت بغتة تاركة البشر في منتصف الطريق .. وفقدت ميزة المواكبة العصرية .. لذلك فإن أي متدين في عصرنا الحالي لابد أن يقال عليه : متخلف ورجعي !! فالتدين يسيطر على أفكاره وعاداته وحتى ملبسه ..
المتدينين بأنواعهم هم أكثر الناس تصلباً وتشدداً لأفكارهم هم .. مع إنها ليست أفكارهم الذاتية .. بل أقحمت في رؤوسهم إقحاما!! على الرغم من ذلك فالمحاورة معهم تمتلئ بأطنان من التعنت والتفرد بصحة آرائهم وحدهم .. وهذه مخالفة صريحة لأبسط شروط الحوار الحر ..
تخيل أن هؤلاء القوم نجحوا في ارتياد الفضاء (أقول تخيل) .. فكيف سيكون الأمر ؟!
هل هو سلس ؟! أم مليء بالتعقيدات ؟!
رأيي الشخصي بأنه سيكون مليء بالتعقيدات !!
فلو وصلوا إلى التكنولوجيا الكافية للخروج إلى الفضاء .. فستظهر مشكلة الصلاة مثلاً ..
فاليهودي سيقابل مشكلة (أيام الشبث) .. وهي السبت بالعربية!! فكما استراح الرب في اليوم السابع ،فعلى اليهودي أن لا يفعل شيئاً في هذا اليوم .. هي راحة إجبارية من صانع الكون هدية لهم على يهوديتهم! لذلك فالحتمية أن تقف جميع الآلات المكوكية في الفضاء اللامتناه حسب التوقيت الشمس لكوكب الأرض لرغبة رب الأكوان في تدليل اليهود!!

كيف يصلي رائد الفضاء وهو معلق في الفضاء نفسه؟ كيف سيولي وجهه شطر المسجد الحرام بينما الكرة الأرضية برمتها بعيدة عن مرمى بصره ؟! كيف سيتوضأ ؟! كيف سيسجد ويركع وجسده سابح بلا جاذبية ؟!
ناهيك عن هذا وذاك .. كيف سيحدد مواقيت الصلاة نفسها وحركة الشمس مختلفة كلياً .. فلا فجر ولا عصر في الفضاء ..
ربما اجتمع الفقهاء ويفتون بأنه لا حرج على رواد الفضاء من عدم إقامة الصلوات أثناء وجود الإنسان في الفضاء ؟! جائز ..
لكن هل سيقر هؤلاء الفقهاء بالجدوى من خروج العلماء المسلمين إلى الفضاء ؟ أم سيعتبرون أن الأمر مجرد بدعة وضلالة وإهدار فادح لأموال الدولة (المسلمة) ؟!
 أممم ..
لندع أمر الفضاء إلى القوم الكفرة الآن ..!
ولنأخذ نظرة سريعة إلى شؤوننا ..
نحن ..

* * * * *

في الآونة الأخيرة ..
حدث الأمر الحتمي الذي ينقص هذه الحقبة ، وعلى هذه الأرض بالذات ..
(الثورة المصرية) ..
أو ما يطلق عليها اعتباطاً بـ (ثورة) ..
بعدها حدثت عدة تغيرات ملحوظة لا يمكن إنكارها .. ولكنها ليست بالتغيرات الكاملة التي تلزم المضي في سباق الأمم الحضارية ..
على أكتاف هذه الثورة ، تصاعدت أصوات منسية لفئة بعينها من المصريين ..
(السلفيين) ..
وكلمة (سلفية) التي ينبثق منها وصف (السلفيين) تعني السلف .. ليس بمعنى الاستدانة بالطبع .. ولكنها تعني من سبقونا من الأجداد .. أي أنها ترادف – بكل اطمئنان – كلمة (رجعية) ..
وعلى الرغم من عدم فهمي لمنطقية أفكارهم .. أو حتى ما يغري في العودة إلى طباع وعادات الأزمان الغابرة !! إلا أنه – وللأسف – أزادت أعدادهم وعلا صوتهم باعتباره حق مكتسب أنجبته "الثورة" المصرية ..  
لنقل أن أي إنسان حر تماماً في أفكاره ومعتقداته وطقوسه الخاصة .. يمارسها كما يشاء دون أدنى اعتراض من الآخرين ..
ولكن ..
أن يتشعب الأمر ويبدأ في التطاول على غيره من البشر ممن يخالفونه الأفكار والطقوس والعادات .. فلابد أن يرتفع الأصبع الأوسط ليد الحقيقة في وجهه ..
وهذا دأب السلفيين ..
فهم لا يطرحون أفكارهم أو رؤيتهم لغيرهم تاركين لهم فرصة في التفكر بها أو حتى مجرد فرصة للاقتناع .. بل ما يقولونه هو أمر واجب ومفروض على الجميع ! وإن كان هناك مجرد انفراجة للاعتراض أو عدم الموافقة .. فهم يعتبرون أنفسهم أمام مجدف ومهرطق لا يستحق العيش للحظة واحدة .. فالحل الوحيد هو إخراس فمه ووراءه أفكاره إلى الأبد (وما أشبه الليلة بالبارحة)..
لذلك يأتي العنف كمرادف للسلفية ، فهو كفيل بتكميم الأفواه وسجن العقول بدافع الخوف .
فلا يجب أن يتضاد رأيك معهم وإلا كانت عواقبك وخيمة .
أذكر أول مرة قمت فيها بالاصطدام مع أحد الآراء السلفية .. كان ذلك في طفولتي ، وفي المدرسة !! كان يدرس لنا حصة الرسم رجل ملتحي (!!) وكان ذو وجه عبوس ونادراً ما أراه مبتسماً .. كان يملي علينا تعليماته في أول العام الدراسي على ألا نرسم جسداً بشرياً كاملاً ، لابد من أن نترك خطاً ناقصاً وفاصلاً ما بين الرقبة والجسد !!
ولما سألته " ولم يا أستاذ ؟! " ..
أجابني لأن في يوم القيامة سيسألني الله عن روح هذا الجسد .. أين هي ؟!
تعجبت من إجابته كثيراً .. فأردفت بما معناه : وهل الله بهذه السذاجة ليسأل عن روح لجسد مرسوم ببلاهة في كراستي ؟!
وبعد عقاب غير مستساغ حسياً على وجهي ويدي ..وتعلمت أن أتبع الحذر أثناء معاملتي لهذا المدرس بالذات .. ولا أخفي بأن تعاملي معه كأن أشبه بتعاملي مع البلهاء أو ناقصي الأهلية العقلية .
تركت هذا الحادث ورائي ، ولم ألتفت له كثيراً.. إلا أنني اصطدمت بما يوازيه من غرابة فيما بعد ..  عندها كنت أتساءل في صمت : كيف يتقبل البعض على مضغ هذه الأفكار الشاذة وتصديقها بهذا الاطمئنان المريب ؟!
الأدهى أنني أدركت أن (السلفية) لا تتوقف على المسلمين فقط .. بل هناك سلفيين يهود ، وأيضاً سلفيين مسيحيين !!
وكل منهم لا يدرك مدى رجعية أفكاره أمام الفئات الأخرى !!
ومع ذلك .. الكل يتهم الكل .. والكل يصر على أنهم أفضل حالاً من الكل ..
والحقيقة تائهة ما بين العقول .. أو الأقدام .. فلا فرق بينهما هنا .

* * * * *
·         ما هو المعنى الحقيقي للدين؟!
·         هل الدين تشذيب للنفس واعتدالها حقاً؟!
·         هل هو علاقة سامية روحانية ما بين الإنسان والمعبود (أياً كان) ؟!
·         هل يرتبط الدين بمكان أو زمان معين وثابت لا يتغير؟!
·         هل يقبل الدين الحداثة أم يلفظها ؟!
·         لماذا هناك أكثر من دين ؟! ولماذا انبثقت من الأديان أديان أخرى ؟!
·         ما هو أكثر دين يريح الإنسان ويشفق عليه من عذابه ؟!
·         هل هناك علاقة بين رحمة الدين ، وغباء أتباعه؟!
·         هل هو لزاماً على الدين أن يتخذ طابع القسوة المفرطة والرحمة التي لا حدود لها؟!
·         لماذا لم يوجد دين واحد يضم الإنسان قاطبة تحت مظلته ؟! هل الأمر بهذه الصعوبة؟!
·         لماذا يصاب الإنسان بـ ( الأنانية الدينية) ؟!
·         لماذا لا يتقبل الإنسان أديان غيره من البشر ويعطي لنفسه فرصة للتأمل فيها؟!
·         هل يأتي اليوم الذي يخرج فيه الدين من القولبة الجافة ويتميز بالسلاسة الجديرة بفكر الإنسان المتجدد؟!
·         وأخيراً .. هل يخرج الدين من سطوة أشخاص بعينهم يضيفون إليه توابلهم الخاصة حسب أمزجتهم الشخصية ، يوجهونهم كما الخراف .. ويتحكمون بعقولهم المسلوبة كيفما شاءوا ؟! هل يصبح الدين حراً وطليقاً من دون ذقون وأزياء عدة لا حاجة له به؟!
إرادة الأحرار وحدها هي ما تقرر جميع ما سبق من الأسئلة .



11‏/2‏/2011

ما بعد الرحيل ..


الجسد المسجى أمامي ..
هو ما تبقى من بلدي ..
مصر ..
ذاك الوطن الذي ظل يقاوم كثيراً ..
حتى أنهكته محاولاته ..
فيا أيها القدر ..
كن رحيماً ..
أنتقي جيداً ما في جبعتك ..
وقدمه إلي وطني ..
وعلى هامتك أعظم إمارات الاحترام ..
فكم تعذب وطني كثيراً بسبب حماقاتك ..
فكن معه ..
أرجوك .

16‏/1‏/2011

اعتذار هامس اللهجة ..!


إليها ..
هي ..
من نافست شرودي بشرود .. وتحدت فضولي بعناد ..
من اغتالت – ببضع كلمات – غروري .. ومسحت من فوق هامتي إمارات الكِبر والجمود ..
هي التي غرست نبتة البسم على وجهي  .. وفجرت على عواصم حزني قنابل من ورود ..
 وجلست بين يدي كالهرة الناعسة .. تبغي – ولو ابتسامة – تخرج من ثغري الموصود ..
فعصف برقتها ردة فعلي .. والذي جاء على هيئة أعتى عواصف الجحود ..
هي من تدثرت بعباءة الغموض .. ومشت أمامي بغية إرشادي للطريق المنشود ..
هي ..
من اقتربت مني كالفراشة الطفلة .. فاحترقت بداخلي بنيراني الصديقة ..
وأرادت أن تقتل الوحش بداخلي ، فتكالبت عليها أحزاني العتيقة ..
فياليت وؤدت بداخلي جميع كلماتي الصفيقة ..
بدلاً من أن تخرج زفرة جرح من هاتين الشفتين الرقيقة ..
لها ..
أقدم اعتذار صادق وصامت .. ولها وحدها سأبوح بالحقيقة ..أرتنا

 

(اعتذار ارتجالي – كعادة حوارنا – تأخر كثيراً إلى كيان سامي يدعى "شرود" .. )


وائل عمر .