الإنسان !! حتى الآن هو أكثر الكائنات رقياً على سطح الكرة الأرضية ، والمقصود بالرقي هنا : هو ارتقاء تكوينه البدني والجسدي والعقلي عن باقي الكائنات الأخرى التي تعيش معه في نفس الكوكب ! أيضاً الإنسان هو الكائن الوحيد الذي عرف كيف يتكيف مع ظروف البيئة المحيطة به ، فتجده يعيش في الصقيع القارص ، والحر القائظ .. وفي الغابات المنبتة ، وفي الصحاري الجرداء بلا أي مشاكل بيولوجية تذكر .. لقد نجح في ذكاء أن يذلل الصعاب الموجودة في ثنايا الطبيعة وتفوق على إرادتها .. عكس الكائنات الأخرى .. فالدب القطبي مثلاً لا يتحمل أن يتكيف في أي صحراء استوائية مثلاً .. أيضاً نبات الصبار لا يتحمل العيش في مكان يتواجد به الماء بكثرة ! وطبقاً لعادات الإنسان الغذائية .. سنجد أنه أيضاً الكائن الوحيد صاحب أكبر وأشمل سلسلة غذائية معروفة حتى الآن ! فهو يأكل النبات والحيوانات التي تعيش في البر ، والأسماك البحرية ، وأيضاً الطيور ! وأيضاً يعتبر الإنسان من أكثر الكائنات رفاهية بيولوجية وسيكولوجية واجتماعية ! وهذه الرفاهية وفرت له بدائل وترف غير موجودة عند باقي الكائنات الأخرى .. ولنأخذ القرد مثالاً على ذلك ، فهو أقرب الكائنات شبهاً للتشريح الإنساني ، وأيضاً تالي كائن يضاهي الإنسان في ذكاءه ! إلا أنه حتى الآن لم نجد قرداً أبتكر وسيلة مرتجلة للطيران في السماء ، أو حتى الغوص في البحار العميقة مثلما فعل الإنسان وسبقه هو وباقي الكائنات الأخرى ! ومهما بلغ درجة خيال الإنسان فأنه لن يتوقع أبداً خروج سمكة من البحر مثلاً وعلى خياشيمها أجهزة تؤهلها للتنفس خارج البحر وأيضاً أجهزة تمكنها من السير على الأرض ! عكس الإنسان الذي أفلح في التوغل لأعمق المحيطات من خلال مساعدة أجهزة وفرت له الهواء الذي يحتاجه للعيش حتى في بطن المحيطات المظلمة الخاوية من أي نسب هواء يمكن استنشاقه برئتيه !! وعندما وصل الإنسان إلى درجة عمق معينة عجز عن اختراقها بهذه الوسيلة بسبب الضغط المائي الهائل ، استخدم عقله مرة أخرى وأخترع وسيلة أخرى هي الغواصات ! ثم استكمل شق غموض البحار مرة أخرى في حماس ! نفس الحال بالنسبة للفضاء .. كان الحلم هو مجرد التحليق لمسافة بسيطة في السماء مثل أي عصفور صغير تعلم الطيران للتو .. وبالفعل أفلح في اختراع الطائرات !! ثم المركبات الفضائية التي مكنته من الوصول للقمر .. ثم المريخ ! وفي نيته الذهاب أكثر وأبعد ! في نفس الوقت الذي يجلس فيه القرد على الشجرة ويقشر موزة أو يأكلها بقشرتها في هدوء عجيب وعقل خالي من المشاكل أو الطموح .. كما كان يفعل جده القرد الأكبر منذ آلاف السنين .. الوضع لا ولن يتغير ببساطة ! الإنسان .. هو ملك متوج على كوكب الأرض .. وبلا منازع أو منافس يخشاه ! فما هو إذن التاج الذي ميز الإنسان وجعله ملك في التطور الرهيب الذي حدث له عبر السنين ؟؟ العقل ؟! ربما هو العقل بالفعل ! وهذا ما استخدمه الإنسان لدراسة نفسه بطريقة تحليلية تمكنه من معرفه كينونته التشريحية والنفسية الغامضة! وكلما أفلح في فك غموض نفسه وطلاسمها ، كلما وجد عقبة أخرى تقابله بداخله! ولعل الإنسان البدائي وقف حائراً أثناء التبول مثلاً !! ربما تساءل عن سر ذلك الماء الأصفر الذي يخرج منه !! مع أنه شرب ماء عديم اللون أو شرب دماء الحيوانات أثناء أكلها وهي نيئة أو حتى شرب عصارات النباتات المختلفة !! كيف تجمع كل ذلك وتوحد إلى لون واحد هو الأصفر الذي لا يتغير في كل مرة خلال مرات عديدة في اليوم الواحد ؟؟ أيضاً برازه .. نفس الشكل الكريه والرائحة الشنيعة في كل مرة!! ما الذي يحدث بداخله ؟؟ وعودة إلى الرفاهية والتطور العقلي .. عرفنا أن كل ذلك يحدث نتيجة عملية الهضم والإفرازات الحمضية داخل المعدة .. وأيضاً عمليات أخرى يعرفها كل الدارسين والمتخصصين في مجال الطب ! أي أن بداخل كل إنسان منا مصانع جبارة وتعمل بلا كلل منذ أن قطع شخصاً ما الحبل السري الخاص بنا ثم ضربنا على مؤخرتنا الصغيرة لكي نبكي وأيضاً نعلن عن قدومنا إلى الحياة .. من هنا تأهبت كل الوظائف الحيوية للعمل جاهدة لمنح صاحبها الحق في الحياة إلى أن تقرر التوقف وتتوقف معها حياة صاحبها ! وربما تساءل جد من أجدادنا القدماء في حيرة : وكلها أسئلة بإمكان أي طفل في عصرنا الحالي الإجابة عليها دون أدنى مشقة ذهنية ! وكلما تقدم الإنسان علمياً وبرع في استخدام عقله .. وجد وحدات أصغر بداخله عجز عن التعامل معها أو فهم سرها .. مثل الشفرة الجينية لكل فرد منا .. وكروموسومات تحديد النوع .. والجينات المسئولة عن تصرفات الشخص أو حتى الحالات المزاجية أو قدراته العقلية ! وكلما استخدم الإنسان مصباح عقله في إنارة حائط الطلاسم الموجودة بداخله .. وجد كهف عميق ومظلم أخر قابع بداخله كله مجاهل وغموض .. لعل هناك مقولة استراح لها الإنسان في وصف نفسه تقول : ما الإنسان إلا شرايين وعضلات وإشارات كهربائية وتفاعلات كيميائية وعظام كلها معبأة بقرطاس جلد .. أنه السر الأعظم .. واسمه الإنسان ! * * * * * ولكن .. أين هو العقل عندما يمارس إنسان عملاً ينافي طبيعته وغرائزه ؟! معروف أن لدى الإنسان غرائز عديدة يحرص عليها في حياته .. ومنها على الترتيب : وأول ما يحرص عليه الإنسان في وجوده هو الحفاظ على حياته .. حتى بدون أي تدخل منه ! وإذا خيرت الإنسان في القضاء على حياته .. أو حرمانه من الأكل على فترات ! سيختار حتماً الاختيار الثاني .. فالمهم عنده أولاً هو حياته .. لذلك يشعر الإنسان بخوف خفي في معظم الأوقات على حياته .. جرب أن تلسع شخص بالنار أو ألكزه بدبوس مثلاً .. ستجده انتفض لا إرادياً وأصابه الهلع !! أنه الحرص على حياته والخوف من أي مخاطر تؤذي وجوده أو تهدد حياته ! غريزة البقاء .. أهم عنده من حتى الجنس والذي يعرف بأنه أعظم متعة حسية معروفة للإنسان حتى الآن ! إلا أن .. حتى الآن لا يعٌرف السبب في ابتكار الإنسان في وسيلة للقضاء على نفسه بوسائل غريبة تعرف باسم الحروب أو القتل ؟؟ لقد برع الإنسان في اكتشاف وسائل عديدة ومبتكرة للقضاء على نفسه وغيره أيضاً !! بدءاً من استخدام الحجارة والنار لقتل غيره .. ثم الحراب الخشبية المسننة .. وبعدها السيوف والأسهم .. وانتهاءاً بالأسلحة النارية .. الآن بإمكانه بمجرد ضغطة زر إنهاء حياة إنسان أخر بمنتهى السهولة !! ووجدت مسميات عديدة تبيح هذا القتل !! منها الحروب مثلاً .. مجموعات من الإنسان تقاتل مجموعات أخرى بكل شراسة وتصميم بالغ على القتل لمجرد اختلاف اللغة أو الجنسية أو العقيدة .. وليت الأمر يتوقف على القتل .. بل اخترع وسائل تعذيبية شنيعة يستخدمها قبل قتل ضحيته ! هل يخفي الإنسان بداخله غرائز تدميرية يبغي محو نفسه وغيره لمجرد أنه يملك ما ليس عند غيره من الكائنات الأخرى ؟ العقل ؟ بما أني إنسان أيضاً .. فأني أتساءل من هنا : أين العقل أيها الإنسان ؟؟ أين أخفيت تاجك يا ملك الكائنات الأعظم ؟؟ هل ضاع منك ؟؟ أم سرقه منك غرورك وأطماعك والحرص على ملذاتك ؟ * * * * * هل الإنسان واحد ؟؟ أعني هل يملك الإنسان طباعاً واحدة وموحدة موجودة ومنتشرة في كل فرد فينا ؟؟ الإجابة هي : بالطبع لا ! الإنسان ليس كائن صلب وجامد مثل الآلات التي اخترعها .. أو حتى كالحيوانات والنباتات التي تحيط به ! الإنسان لا يملك Software حازمة بداخله تقول له ما يجب فعله ، وما لا يليق أن يفعله ! فهو حر تماماً في اختياراته وأفعاله ! وكل إنسان هو وحدة تامة خاصة بذاته في الأفعال والتصرفات .. ويتأثر الإنسان بطريقة قوية بالبيئة والمجتمع الذي يعيش فيه ! فالإنسان في المجتمعات الصحراوية مثلاً يكون قاسي وجامد القلب والطباع ، مع لمحة من الشراسة والهمجية الملحوظة ! ومن يعيش في الثلوج والأجواء الباردة ، ستجده ذو ميول باردة ولا مبالية وتنازلات أخلاقية واضحة ! ونفس الحال بالنسبة للبلدان المتقاربة .. ستجد فيها اختلاف واضح في سلوك الإنسان وتصرفاته ! حتى في أقسام البلد الواحد ستجد اختلاف في العادات والتصرفات .. كل القيم والعادات تختلف حسب موقع الإنسان على سطح الكرة الأرضية ! الثقافات المتعددة والمناخ العام الذي يحيطان بالإنسان هما من يحددان تصرفاته وتعامله في الحياة .. ولو افترضنا بأن بلدان العالم إجماليها ثلاثمائة دولة .. وكان بإمكانك بأن تجمع رجل وامرأة من كل بلد .. ثم طرحت عليهم سؤالاً واحداً .. أياً كان نوعه .. ثق بأنك ستجد لديك ستمائة إجابة مختلفة ومتباعدة من كل فرد فيهم !! الإنسان واحد في الهيئة العامة الخارجية ، لكنه مختلف تماماً من الداخل .. نفسياً واجتماعياً وعقلياً ! شيء غريب فعلاً .. ولكنه نحن بأي حال ! * * * * * هل – بعد كل هذا – يشعر الإنسان بأنه ضعيف ؟ نعم يشعر الإنسان بأنه ضعيف ! لذلك شعر الإنسان بحاجته لمن هو أكبر منه ! الإله .. فمنذ القدم شعر الإنسان بالاحتياج للإله كي يتضرع له ويغفر له حماقاته التي لا نهاية لها ! فحاول تجسيد الإله أمامه عن طريق الأصنام أو التعاويذ أو الطوطم وجعلها مرئية ومحيطة به لكي تراقب تصرفاته .. وأيضاً كي يتذلل لها كي تنعم عليه بالمأوى والغذاء والأمطار ! وألتف حول هذه المعبودات وقدم لها القرابين لكي ترضى عنه .. في بعض الحضارات القديمة كالأزتك والمايا كانت تقدم قرابين بشرية بغرض التقرب للآلهة !! وهو عمل أحمق وفي غاية القسوة ، لكنهم اقتنعوا به لاعتقادهم بأن الصنم سيجزيهم عنه بمنتهى الكرم الإلهي الذي لا ينضب!! وجاءت الأديان السماوية الثلاثة التي تدعو بوحدانية الله .. اليهودية – المسيحية – الإسلام .. وإن اختلفت نوعاً ما في مضمونها ! ثم انبثقت الأديان الثلاثة إلى عديد من المذاهب الفرعية ! وجاءت أديان روحانية أخرى كالبوذية والزرادشتية والكونفوشيوسية والتاوية .. الخ ! الغريب بأن بالأديان وحدت جمع قليل من الناس وليس كلهم ! كما أنها السبب الرئيسي في انتشار الكراهية بين المجتمعات الإنسانية العديدة ! أي أن الأديان قد نجحت في لم شمل بعض الطوائف ، وأيضاً زرع الخلافات بين الطوائف الأخرى .. وقربت جموع قليلة من الناس في عقيدة واحدة ، وأبعدت إجبارياً باقي الناس من أتباع الديانات الأخرى ! أي أنها جمعت فئات قليلة .. وفرقت فئات أكثر ! * * * * * ما هو أكثر شيء يؤمن الإنسان بوجوده أثناء حياته ؟ من الغرائب الموجود عند الإنسان أن الشيء الوحيد الذي اتفق عليه هذا الجنس العجيب مهما كانت عقيدته أو جنسيته أو لغته أو ثقافته هو : الموت! إلى الآن لم يوجد شخص عاقل بإمكانه إنكار حقيقة الموت !! ولعلها من السخرية أن تكون الحقيقة الوحيدة المتفق عليها في حياة الإنسان هي موته! وقد يتجادل الإنسان في أي شيء ، إلا الموت ! وطبقاً لغريزة الإنسان الأولى والرئيسية ، فإن أكثر ما يخافه ويخشاه هو الموت ! لذلك فهو يقدسه ويرهبه في نفس الوقت .. وهناك مراسم عديدة عند الشعوب تقام عند موت شخص ما ، وتختلف طريقة الدفن حسب ثقافة الشعوب وعقائدها .. ومهما بلغت درجة تطور الإنسان في شتى العلوم ، فأنه – حتماً – سيقف عاجزاً وخائفاً أمام وحشاً مرعباً سيلتقي به مثلما التقى بمليارات من أجداده من قبل .. ولن توجد وسيلة معينة لإلغاء هذا اللقاء المرتقب .. أنه وحش لا يعرف التفاهم أو التفاوض أو حتى الهذر .. أنه وحش يسمى : الموت ! * * * * * إذا قرأت هذا الموضوع كاملاً .. حاول استخدام التاج الذي ميزك عن غيرك من باقي الكائنات الأخرى .. وأذهب بعيداً .. بعيداً جداً .. إلى غابة ما .. أي غابة تتجسد في مخيلتك .. توجه إلى أي شجرة موز !! هل ترى ذلك القرد الذي يجلس تحتها وفي يده موزة يستعد لأكلها ؟؟! هل أصابك الفضول لتعرف فيما يفكر كتلة الشعر هذه ؟؟! هل هو بالغباء والتفاهة التي تتخيلها ؟؟ هل تحيرك نظرات عينيه البليدة ؟! هل حاولت تأمله ودراسة سلوكه التفكيري والاجتماعي والنفسي ؟ هل سئمت من وقفتك أمامه ومللت مراقبته ؟ حسناً .. أعط له ظهرك وأرحل من أمامه في عدم اهتمام !! ولكن .. ولكنك لن ترى هذا القرد وهو يلقي بموزته هذه .. ويراقب ظهرك وأنت ترحل عنه في قنوط ! هل ترى نظرات الاهتمام في عينه وهو يتأملك ؟؟ هل تفهم ابتسامة السخرية المرتسمة على وجهه ؟ هل تعرف معنى انعقاد حاجبيه ؟؟ أنها تشبهنا نحن عندما نفكر !! ما الذي يحدث من ورائك وأنت لا تلاحظه يا ترى ؟؟ هل تعرف أنت ؟؟
17/8/2008
أكثر من مجرد كائن !
بقلم :
wael
at
9:41 ص
9
التعليقات
Labels: تأملات
2/8/2008
هام وعاجل إلى السيد وزير الداخلية !
فخامة السيد معالي وزير الداخلية . تحية طيبة وبعد ؛ مقدمه لسيادتكم العميد / سامي مجدي ، أبنك البار يا سيدي .. والذي ستثبت تحريات سعادتكم الدءوبة عني كفاءتي الفائقة في العمل الشرطي طوال ثلاثون عاماً قضيتها في خدمة الوطن والنظام معاً بلا كلل . سيدي معالي الوزير ، أريد في هذا الخطاب أن ألفت نظركم لظاهرة غريبة ومقلقة بعض الشيء عن وطننا الحبيب (مصر) .. لذلك .. أتمنى أن تسمح معاليك لي بنقل ما حدث لي بالأمس بأمانة تامة من جانبي ، وسأترك لمعاليك – شاكراً – البت في هذا الأمر المريب . * * * * * بالأمس .. وفي الصباح الباكر ، تركت منزلي بعد مشاجرة حادة وجادة نوعاً ما زوجتي في البيت .. بالطبع هذه أسرار لا تخفى على معاليك ! لكن .. هذا اليوم بالذات فاقت المشاجرة الحد المسموح به مع زوجتي ، وترتب على ذلك خروجي من بيتي وأنا في أسوأ حالاتي المزاجية طراً .. لكني لم أهتم ، وصممت على مواصلة أدائي لمهمتي تجاه الوطن .. مهماً بلغت ظروفي الشخصية ! لذا بمجرد خروجي من باب شقتي ، مددت يدي في جيبي وأخرجت نظارتي الشمسية (Ray ban) الشهيرة ذات اللون البني الغامق ووضعتها على وجهي في حماس ! طوال خدمتي في الشرطة وأنا أعلم قيمة هذه النظارة الشمسية الداكنة ، ليس القيمة المادية بالطبع ! لكنها القيمة النفسية .. الرهبة يا سيدي ! هذه النظارات – السحرية – تبدو على وجوهنا كأنها أعين كبيرة مفتوحة للأبد وتراقب بلا كلل كل من حولي في شك وريبة دائمة ، كما أنها تمنحنا الفرصة في ثبر أغوار وخفايا المواطنين دون أن يعرفوا أين تتوجه نظراتنا أو حتى من أي زاوية ننظر لهم ! أحياناً تساعد الشوارب الغليظة و (الكروش) البارزة في زيادة وقع هذا التأثير على الناس قاطبة ! لذلك تأكدت من صرامة ملامحي في مرآة المصعد ، وتيقنت من أن النظارة تخفي نصف وجهي كالمعتاد .. و(نفشّت) شاربي كعادتي كل صباح .. ربما رتبت على (كرشي) في رضا وفخر لحظتها ، لكني لست متأكد من ذلك الآن ! عندما خرجت من المصعد ، تهجمت ملامح وجهي لا إرادياً – كالعادة – تحسباً لقدوم حارس العقار (البواب) مهللاً بلهجته القروية : أنها الكلمات المعتادة من عامة المواطنين والشعب إلينا نحن ضباط الشرطة ! بالطبع هذه أمور لا تخفى على معاليك باعتبارك ضابط شرطة كفؤ سابقاً .. أعني قبل تكليف سيادتكم بمهام وزير الداخلية ! لا أخفي على معاليك بأني كنت أحتاج لغو وكلمات الإطراء من البواب بشدة ، فقد تعكر مزاجي كثيراً جراء مشاجرتي مع زوجتي ! لحظتها كانت وظيفتي أشبه بجناحين كبيرين مثبتين في كتفي ، وهذا البواب هو الهواء اللازم لطيراني عالياً ، أما مفعول كلماته معي هو (السمو) الذي يصل بي لعنان السماء .. وإن كنت أخفي (سموي) هذا بداخلي ولا أعطي للبواب انطباع بأن كلماته هذه أثرت في بالمرة .. بالعكس ! فأنا أرمقه بنظرة قرف عميقة من وراء نظارتي ، وكثيراً ما تجاهلت رد تحيته . في هذا الصباح لم أجد البواب وراء باب المصعد .. تجاهلت الأمر وكأن شيئا لم يحدث ، من يدري ؟ لعله ذهب لشراء شيء ما لأحد السكان الأوباش جيراني في العمارة ! عند توجهي لباب المبنى وجدته .. البواب .. كان مستلقياً على أريكته الخشبية في خمول .. أعترف لمعاليك بأن المنظر كان صاعقاً تماماً .. هل تجاهل – قاصداً – القدوم إلى باب المصعد كعادته كل صباح ؟؟ المهم .. عندما مررت بجانبه ، لم يغير وضعه بالمرة !! بل أقسم لمعاليك بأنه نظر مباشرة إلي عيني وهي خلف النظارة في برود ، وابتسم ابتسامة ساخرة سريعة ، ثم أغمض عينه في تراخي مملوء بالنعاس المزيف .. هكذا يا معالي الوزير ! هكذا حدث أول موقف معي بالأمس .. وهكذا بدأ الأمر !! * * * * * أثناء ركوبي سيارة (البوكس) متوجهاً إلى القسم ، أمرت السائق بأن يأخذ طريق (الكورنيش) كنوع من التغيير ، لعل رؤيتي للنيل تغير قليلاً من مزاجي السيئ هذا .. كما أنها فرصة لا بأس بها لضبط بعض المواطنين الأوغاد أثناء ارتكابهم لبعض الأفعال الفاضحة على ضفاف النيل .. أنه نوع ما من أنواع (الاستفتاح) الهين ، فأنا أرغب في بداية هذه اليوم – بالذات – ببعض المحاضر الخفيفة نوعاً ما . كان الطريق مزدحماً بعض الشيء وتوقفنا كثيراً في الإشارات ! لحظتها اكتشفت ثاني أغرب شيء في هذا اليوم : كل قائدي السيارات كانوا يرمقونني بنظرة غريبة وطويلة ! نعم معاليك .. كانت نظراتهم عميقة جداً لدرجة أنها اخترقت سواد نظاراتي واجتاحت سواد عيني نفسه وتبغي غزوه في شراسة ! أنها نظرات مرعبة ومخيفة للغاية !! سابقاً وفي مثل هذه الحالة ، كان مجرد التفاتي لأي قائد سيارة كفيلة بإدارة وجهه للناحية الأخرى أو يطأطئ وجهه للأسفل . لكن الآن كل العيون حولي مركزة إلى عيني أنا .. ولا أنسى نظرة أحدهم وهو نحيل بالمناسبة ، نظر إلي ملياً .. فقررت صد نظراته بنظراتي الخاصة والتي تدربت عليها طويلاً من قبل .. إلا أن حدة نظراته كانت تزيد مع الوقت ، وبدأت ابتسامة ساخرة تتوالد على شفتيه في تحد واضح منه !! ربما هذه أول مرة أنحي فيها وجهي بعيداً هرباً من نظرات شخص آخر !! أنقذني من هذا الموقف الصعب اخضرار أشارة المرور ومضي هذا الشاب لحاله , لحظتها بدت لي إشارة المرور هذه كأنها شجرة يانعة أتت بثمار طيب .. أنه كرامتي الشخصية يا معالي الوزير ! * * * * * بدأت التساؤلات تنهش عقلي وصدري بعد الموقف السابق !! ما الذي يحدث ؟؟ هل هناك عيب في هيبتي اليوم ؟؟ كان لابد لي أن أتأكد من حجم هيبتي .. وبشدة .. لذلك صرخت في سائق (البوكس) وأنا ألكزه في صدره بعنف : _ أنت ماشي بالراحة كدة ليه يا حيوان أنت ؟؟ ماتشد حيلك شوية ؟؟ هنا ارتجف السائق كعادته ، وبدا الذعر على وجهه وقال : _ أمرك يا سامي بك ، بس النهاردة (الكورنيش) زحمة شوية . لوهلة ابتسمت في رضا ، إذن الهيبة لاتزال موجودة .. وتنفست الصعداء لحظتها .. إلا أني تذكرت أمراً ما مهم .. هذا السائق هو عسكري معنا في القسم وليس من المواطنين الأوغاد ، أي هو في نفس حقلي الوظيفي ! أريد التأكد من الأمر مع أحد المواطنين العاديين الأوغاد !! بناءاً عليه أمرت السائق بالوقوف جانباً ، وترجلت أنا من (البوكس) باحثاً عن من يصلح لتجربة هيبتي عليه ! لم أطل البحث ، فقد وجدته جالساً في شرود على أريكة أمام النيل ! توجهت إليه في ثقة وأنا أرسم ملامح الجدية على وجهي ، واعدل وضع نظارتي الشمسية على وجهي .. وبداخلي تترد أغنية وليدة في هذه اللحظة العجيبة .. أغنية تقول : ها أنا قادم إليك أيها الشاب الأحمق ، سأنهل من كرامتك لكي تزيد هيبتي .. كن فأر مذعوراً لكي أبدو أنا أسداً هصوراً .. كن فريسة سهلة وضحية راضخة حتى أكون أنا أعظم صياد .. هل تتمتم معاليك بأنها لا تصلح كلمات لأغنية ؟؟ * * * * * وصلت للشاب ، وربت على ظهره في بطء وقلت : رفع الشاب نظره إلي في هدوء وقال : هنا فقدت سيطرتي على أعصابي تماماً .. لقد تجمع كل ما مررت به في يومي حتى الآن في يدي ، وهويت بها على خد هذا الوغد في شدة .. لدرجة أن خيط رفيع من الدم بدأ ينسال من الركن الأيسر لشفته ! بالتأكيد سيرضخ الآن ويبكي معتذراً ويطلب مني الصفح على فعلته الشنيعة هذه !! هذه هي الطريقة الوحيدة لمعاملة المواطنين الغوغاء أمثاله .. أنها الطريقة المثلى التي تعلمناها في كلية الشرطة للتعامل مع أفراد الشعب العصاه ! أي أنها طريقة عادية ومألوفة لا تخفى على معاليك ! إلا أنه .. إلا أنه حدث استثناء لهذه القاعدة .. دعني أعود بك لهذا الشاب وما قد حدث بعدها .. * * * * * بعد صفعتي على وجه الشاب النزق .. وقفت أمامه منتظراً إياه لأن يبرز بطاقته !! إلا أنه وقف يرمقني في هدوء ، ويحاول – هو الآخر – أن يخترق زجاج نظارتي !! ثم رفع يده في بطء .. ومرر ظهر يده على شفته الدامية .. ثم نظر في هدوء إلى أثار الدماء عليها .. ووجه إلى نظره مرة أخرى وقال في هدوء لم أتوقعه منه : ودون أن أفلح في فك طلاسم كلماته هذه ، أو حتى أفهم شيئاً مما قاله .. هوى الشاب على وجهي بلكمة قوية .. نعم معاليك .. لقد لكمني .. لعلك لا تصدق معاليك أمكانية حدوث هذا .. حتى أنا لم أصدق البتة ! ولم يؤكد لي هذا إلا وقوعي على الأرض .. وخيط الدم على شفتي .. الأغرب من ذلك أن هذا المجرم انحنى على وجهي وأنا راقد وقال : وبصق على نظارتي واستدار مغادراً المكان في هدوء كأن شيئاً لم يحدث !! هل كان الجنون ذاته يرفرف بأجنحته فوق رأسي في هذه اللحظة ؟؟ * * * * * صدقني معاليك .. لقد أصدرت كافة أوامري العصبية والعضلية لجسدي للحاق بهذا المجرم ، إلا أن هول ما حدث أصابني بشلل لحظي غير عادي .. هل حدث ما حدث ؟؟ لقد تأثرت كرامتي وهيبتي في تلك اللحظة أكثر مما اتسخت بذلتي (الميري) من تراب أرضية (الكورنيش) القذرة .. لقد مررت بأصعب ما يمر به ضابط شرطة ، لقد أعطيت صفعة وتلقيت لكمة يا سيدي !! وصدقني مرة أخرى معاليك .. مهما وصفت لك .. فلن استطيع وصف ما رأيته من وراء عيني الزجاجية المبصوق عليها .. لقد .. لقد رأيت النيل نفسه يسخر من سقطتي هذه .. أهذا ممكن يا سيدي ؟؟ * * * * * عندما ذهبت للقسم الذي أعمل به تأكدت تماماً أن الموضوع ليس شخصي بالمرة .. لاحظت هذا في أعين الزملاء الضباط .. كلهم جاءوا بلا نظارات شمسية على الإطلاق !! نظرات أعينهم تملؤها الذهول والهلع .. ربما لم يفصح أحداً منا عما حدث له ، لكنه أمر واضح وجلي في نظراتهم ! حتى تعامل المواطنين الأوغاد اختلف تماماً .. لقد تعاملوا معناً كأننا – مجرد – موظفين حكومة نعمل لخدمتهم .. هل تتخيل معاليك بأن مواطن حقير عادي كان يمزح مع مأمور القسم قائلاً : وهناك حقير أخر رفض أن يناديني باسم : سامي بك .. بل قال ببساطة : العميد سامي !! وعندما نبهته لذلك الأمر ، قال في فجاجة وقحة : ألجمتني إجابته للغاية ، وسألته في عصبية عن السبب فيما يقوله ، فأجاب : * * * * * معالي الوزير .. تقديراً لكفاءتي الوظيفية تردد أنباء عن احتمال ترقيتي إلى رتبة (لواء) قريباً .. وهذا يعكس أشياء عديدة منها سلامة قواي العقلية أولاً ! ولكن .. هناك شيء ما يحدث .. هناك ظاهرة ما بدأت في الانتشار مؤخراً .. أنهم لا يهابونا على الإطلاق .. فقط يخشانا المسجلين الخطرين والمجرمين الاعتياديين .. لكن باقي المواطنين لا يخشونا .. كنت أظن أن الأمر بدأ مع زوجتي (بالمناسبة : هي من بدأت الشجار معي بالأمس ) .. لكن هناك البواب .. وقائدي السيارات .. وكافة فئات المواطنين .. هناك شيء ما يحدث .. هناك شيء ما يحدث .. الرجاء سرعة التدخل للحد من تلك الظاهرة الفظيعة ! وإلا اضطررت أسفاً لتبديد رصاصة من عهدتي وإفراغها في رأسي لكي يتوقف هذا الجنون ، أقله بالنسبة لي أنا ., فنحن في خطر يا سيدي .. صدقني يا معالي الوزير .. نحن في خطر . أنا خايف يا سيدي .. خائف للغاية .. ربما وضح ذلك من ارتعاش خطي في هذا الخطاب ! فأنا أرتجف يا سيدي .. أرجوا أن تلفت معاليك جدياً للتحقيق في أسباب هذا الكابوس .. أرجوك يا سيدي .. وتقبلوا بفضول ماحق الاحتراس
مقدمه لمعاليكم :
عميد / سامي مجدي .
بقلم :
wael
at
1:50 م
15
التعليقات
29/7/2008
تعبير حر ؟!
ساد الصمت بغتة على فصل (1/3) بعد ولوج أبلة (مسرات) مدرسة القراءة فيه ! وهدأت الفوضى العارمة التي أثارها زملائي منذ قليل تماماً ، الكل التزم الصمت خوفاً من أبلة (مسرات) !! حتى (محسن) أكثر تلميذ مشاغب في فصلي والذي يجيد تقليد المدرسين بطريقة مضحكة – خصوصاً أستاذ / رياض مدرس الحساب – قد عاد إلى مقعده ولبس ثوب البراءة الطفولي بخبث وشيطنة . الكل هنا يخشى أبلة (مسرات) للغاية ، والسبب هو قسوتها في إيقاع العقاب المؤلم لنا .. لذلك لا يجرؤ أحداً هنا في مجرد التنفس بصوت عالِ أثناء شرحها بطريقتها العصبية لنا . بناءاً على (جدول الحصص) .. اليوم لدينا حصتان تعبير ! معظم زملائي يرتعبوا من حصص التعبير أو حصص تسميع (المحفوظات) ، لذلك يمكنني – وسط هذا الهدوء الرهيب – سماع (كركبة مصارين) بعض زملائي بوضوح !! سنمر منذ الآن بساعة ونصف من القلق والترقب والخوف ! في بعض الأحيان تعاقب أبلة (مسرات) زملائي بعصبية مبالغ فيها إذا ما اقترفوا بعض الأخطاء الكتابية في موضوع التعبير بالذات ، لذلك تصرخ بصوتها (المسرسع) موجهه كلامها للفصل كله : «أنتوا شوية بقر .. بهايم .. يا خسارة تعبي في الحصص معاكم .. أنتوا فاكرين نفسكم حتفلحوا يا حيوانات أنتم ؟؟ جاتكم القرف كلكم على بعض ! وأبقوا قابلوني لو فلحتوا » !! من مكاني في وسط الصف الأول أرمق أبلة (مسرات) بنظرات تأملية باسمة ، كأني أنتشي من عصبيتها هذه ! لعلي أضيف سبباً أخر لاستمرار احتقاري وكرهي لها .. كأنها تركت بيتها وعالمها الخاص وجاءت متبرعة بوقتها وتشرح لنا مجاناً !! بالطبع هي تأتي إلى هنا طمعاً في مرتبها فقط ! * * * * * بعد أن فرغت أبلة (مسرات) من كتابة اسم المادة على (السبورة) الكالحة ، استدارت لنا وقالت : « النهاردة يا (موكوسين) عندكم حصة (تعبير حر) .. أصل أنا زهقت منكم !! اللي عايز يكتب أي حاجة يتنيل على عين أهله ويكتبها !! ربنا يعدي الحصتين دول على خير .. جاتكوا القرف يا بعدا » !! نسيت أن أذكر مدى سفالة تعبيرات أبلة (مسرات) !! فهي امرأة ذات لسان (زالف) كثيراً ما يتماطر ويتراشق بالسباب لأتفه الأسباب ! «أنت مستني عزومة أنت وهي ؟؟ ما تتنيلوا على عينكم وطلعوا الكراريس واكتبوا الهباب الموضوع ! عجايب والله » ! بحكم قرب مقعدي منها ، اضطررت لدفن نظراتي بين ذراعي كراستي المفتوحة ، لكني رأيتها بطرف عيني وهي تخرج محمولها من حقيبة يدها ، ثم طلبت رقماً ووضعت المحمول على أذنها ، وأبهامها على زر الغلق ! أنها تقوم بما يسمى (ميسد كول) لشخص ما !! من هو يا ترى ؟؟ * * * * * بعد خمس دقائق دخلت أبلة (صفاء) مدرسة الرسم .. واستنتجت أن (مسرات) قد أعطت إشارة لـ (صفاء) تعلن فيها أنها متفرغة الآن !! (صفاء) مدرسة رسم ، لكنها لا تقوم بالتدريس لنا .. بل لفصل (2/3) المجاور .. هي شابة مليحة وجميلة بعض الشيء !! وقد عادت لتوها من إجازة (شهر العسل) .. هي عروسة حديثة بالمعنى المعروف .. قامت (مسرات) لاستقبال (صفاء) بكل لهفة ، وطبعت على خدها الناعم أربع قبلات بالتمام والكمال ، ثم جلسن في مواجهة مقعدي لبدء حوار سيطول مدته لحوالي الساعة ونصف ! لكن .. هل تركت (صفاء) فصلها وحصتها وجاءت تجلس وتحكي مع (مسرات) ؟؟ لا أعلم !! وكيف يمكنني أن أعلم ؟؟ * * * * * (طااااااااااااااااخ).. دوت الصفعة عالياً على خدي الأيسر .. أفقت من شرودي هذا لأجد يد (مسرات) اليمنى في الهواء بجوار خدى المصفوع ، كأنها تهدد بضربي قلم أخر إن لزم الأمر !! هللت (مسرات) في غيظ واضح : « أنت مابتكتبش ليه يا حيوان أنت ؟؟ أنت قاعد بتتصنت علينا ؟؟ » ! رفعت عيني لها في غل واضح ، وعدلت وضع نظارتي بعدما انعوجت بفعل ضربتها المفاجئة .. وقلت في تأني غاضب بعض الشيء : « أنا مش بتصنت عليكي يا أبلة (مسرات) ، أنا بس بفكر في موضوع لكتابته .. عشان النهاردة – زي ما حضرتك عارفة – حصة تعبير حر ! يعني مفيش حاجة محددة عشان أكتبها ! » .. مصمصت شفتيها في حركة قميئة وقالت : « أحمد يا عمر .. الواد فاكر نفسه (نجيب محفوظ) واللا (يوسف السباعي) .. يا خويا أكتب أي نيلة ، خلاص يعني ؟؟ حتكتب اللي ما اتكتبش ؟؟ جاتك القرف ! » .. استمرت نظراتي لها بنفس الثبات ، إلى أن تجاهلتني تماماً وعادت إلى حديثها مع (صفاء) ! هي طلبت مني أن أكتب .. حسناً .. ها هو قلمي الأزرق في يدي .. ها هي صفحتي البيضاء تنتظر جروحاً زرقاء عليها !! ها هو الغل الذي أولد غضباً لا حد له !! سأكتب بناءاً على رغبة مُدرستي الغير رقيقة بالمرة ! فهل تدري – هي – ماذا سأكتب ؟؟ * * * * * كراسة التعبير العزيزة .. أكتب فيكي الآن في خضم حوار أبلة (مسرات) مع صديقتها أبلة (صفاء) .. بعيداً عن (اللولب النحاسي) الذي تنصح به أبلة (مسرات) صديقتها – بشدة – في هذه اللحظة ، وبعيداً عن نصائح الأولى التي تؤكد للثانية بعدم تكرار خطأها بعد الزواج بعدما أهملت تركيب (اللولب النحاسي) ، فكان النتيجة بأن رزقت أبلة (مسرات) بطفل وهي في شهر زواجها العاشر ! بعيداً عن كلام الكبار والقليل الأدب الذي تتبادله مدرستنا الآن مع صديقتها عديمة (اللولب النحاسي) !! أنا بالفعل لا أعرف ماذا أكتب هنا ؟؟ (تعبير حر) .. هذا نوع الموضوع .. فهل يعرف طفل في التاسعة معنى كلمة (حر) هذه ؟؟ كيف لطفل أن يكتب موضوع حر وهو لا يملك حتى إفراغ مثانته إلا بعد تذلل ملّح إلى مدرسه السادي المتوحش كي يشعر بالراحة ؟؟ فكيف يكتب من لا يملك حرية التبول في أي وقت يشاء لأن يكتب "موضوع حر " ؟؟ (نقطة ، ومن أول السطر !) .. سمعت من قبل عن اعتقال طالبة في مرحلة الثانوية العامة لأنها قامت بالتعبير عن رأيها في التعبير ضمن امتحان اللغة العربية في أخر العام ، فأبدت رأيها في السياسة وأحوال البلد الراهنة ، وأيضاً رأيها في رئيس مصر نفسه ! فقامت الدنيا من حولها ولم تقعد !! فكيف لهذه (الماجنة) الصغيرة لأن تبدي رأيها التافه في رئيس جمهوريتها المعظم ؟؟ وقد سمعت بأن صفعات مخبري وضباط الشرطة عندنا أشرس من صفعات أبلة (مسرات) !! فكيف إذن أكتب (موضوع حر) طالما صاحب الموضوع نفسه ليس حر أبداً ؟؟ هه ؟؟ كيف ؟؟! * * * * * كراستي العزيزة .. مطلوب مني بأن أملأك طوال الساعة ونصف بلغو لا معنى له ، فقط إرضاء لأبلة (مسرات) ومنهج اللغة العربية الغبي .. حسناً .. دعيني أحشوك بما يدور في حديثهما الآن .. ثم أعود لأكتب فيك بما يدور في رأسي بعدها .. م – أوعي يا صفاء تدلعي الراجل من أولها .. أتقلي عليه أوي .. أوعي تناوليه غرضه بسهولة ! ص – مش عارفة والله يا مسرات .. الراجل مش عاتقني ، حتى مش مدّيني فرصة أحط مكياج حتى .. على طول (متصربع) .. وبعد كدة (يا حبة عيني) ينام زي القتيل ! م – ما تستغربيش يا حبيبتي ، هم كدة في الأول !! بعد كدة أحنا حنتحايل عليهم ! قطيعة تقطعهم كلهم .. تصوري الراجل بتاعي (الخيبان) بقاله فترة (مش ولابد) ؟؟ بس وحياتك مش حتنازل عن حقي منه ! أنا وصيت الجزار على حتتين كوارع يرمّوا عضمه وعضم اللي خلفوه كمان .. على الله ربنا ينفخ في صورته ياختي ! ده أنا زهقت ! ص – الحمد لله .. لسة ماوصلناش لمرحلة الكوارع (هاها) .. م – ماتخفيش ياختي ، بكرة توصلوا !! مش عارفة ياختي أيه اللي حصل للرجالة الزمن ده .. قطيعة تقطعهم كلهم مرة واحدة .. ص – حرام عليكي ، ماتقوليش على (سومة) كدة ! م – (سومة) ؟؟ هو بقى اسمه (سومة) ؟؟ طيب ياختى .. كراستي العزيزة .. بغض النظر عن استيعابي لهذا الحوار الغريب أم لا .. إلا أني كتبته استناداً إلى ما يسمى (تعبير حر) .. ربما كان تساؤلي هنا عن نقطة واحدة : هل سيحدث لي هذا الشيء الغامض المبهم الذي يحدث لرجال هذا الزمن أم لا ؟؟ * * * * * ثلاجتنا بدأت تصدر أصوات واهتزازات عجيبة هذه الأيام .. لم أفضل ارتداء (كاب) أبداً مهماً كان أناقته .. لماذا يظن أبي أني أحب أفلام ذلك المعتوه المسمى (إسماعيل يس)؟؟ بالعكس ، أنا أكره حركاته المستفزة جداً .. أتمنى أن يصبح (محسن) صديقي في يوم من الأيام .. هل هناك أدوية تعالج التلاميذ ذوي الخط السيئ ؟؟ .. أحب أكل الموز والمانجو ، وبدأت أكره البطيخ الماسخ .. ماذا يشجع من لم يقتنع بمستوى فريق الأهلي والزمالك هذا الموسم ؟؟ .. كيف يفهم (الأسانسير) ؟؟ .. هل تتكلم الكلاب والقطط مثلنا ؟؟ هل الشيخ (مجدي) العبيط هو رجل مبروك كما يقول أبي؟؟ .. كيف تكون النار ساخنة دائما ؟؟ هل هناك نار باردة يا ترى ؟؟ .. أتمنى أن أرى جارنا أبونا (بطرس) معنا في صلاة الجمعة القادمة ، لقد طلبت منه مرة أن يأتي معي ، ولكنه رفض ! فهل سيذهب إلى النار يا ترى ؟؟ .. أتمنى أن أشرب سجاير مثل (عمو سمير) جارنا .. كيف تعلم حمار ميت العوم على سطح النيل في حين أني لا أستطيع السباحة ؟؟ .. لماذا يهتز صدر أبلة (صفاء) في حين لا يهتز صدر أبلة (مسرات) أبداً ؟؟ .. هل تشرب (أمنا الغولة) عصير قصب مثلنا ؟؟ هل ستغضب أمي لو عرفت أنني بلعت أحدى حبوب دوائها ؟؟ .. هل الشيخ الشعراوي في الجنة الآن ؟؟ .. هل هناك شجر ليمون في الشمس ؟؟ .. كراستي العزيزة .. أتمنى أن يندرج ما سبق تحت اسم (موضوع حر) .. فهل تعرفي أنتِ إن كان هو فعلاً (موضوع حر) أم لا ؟؟ * * * * * كراستي العزيزة .. هل تهتم أبلة (مسرات) ومثيلاتها بما يكتبه تلميذ في التاسعة من العمر مثلي أم لا ؟؟ وهل سيعامل أبنها مثلي في المدرسة ؟؟ أم سيصفعه مدرس على خده مثلما حدث لي منذ قليل ؟؟ هل سيكتب أبنها (موضوع حر) أفضل مني أم لا ؟؟ هل ينام على سريره ليلاً وهو يحمل هم صبيحة اليوم التالي ؟؟ هل يقّدر كم عصا سيأخذها على يده ؟؟ وكم على ظهر يده ؟؟ وكم على مؤخرته ؟؟ وكم على خده ؟؟ هل يعلم أبن أبلة (مسرات) أن مصير وجوده في الدنيا توقف على عدم تركيب أمه لـ (لولب نحاسي) ؟؟ * * * * * كراستي العزيزة .. من قال أني نسيت ضربة أبلة (مسرات) على خدي ؟؟ أنا لم أنس أبداً .. ولن أسامحها أبداً على هذه الفعلة .. سأردها لها بطريقتي .. ليس مهماً أن يكون الألم محسوساً على خدها أو حتى جسدها .. بل سيكون ألماً نفسياً على طريقتي أنا .. لقد أثارت ضربتها هذه حقداً بداخلي يكفي حرارته قتلها ألف مرة .. سأنتقم منها .. وعلى طريقتي الخاصة .. ولن تكفي (حتتين) كوارع لرمّ (عضمها) هي أو حتى (عضم اللي خلفوها) .. كراستي العزيزة .. أنا أكره أبلة (مسرات) .. وكل ما تقوله أبلة (مسرات) .. فهل ستشي – آيا كراستي العزيزة – لها بذلك ؟؟ * * * * * كراستي العزيزة .. انتهت الحصتين .. وانتهى وقتك معي الآن .. بعدها ستكونين معها .. أبلة (مسرات) .. ربما ستطالعك كلك .. ربما ستقرأ الموضوع كله وبحذافيره .. ربما ستهملك أيضاً .. هذا شأنها هي .. لقد أنهيت ذلك المدعو (موضوع حر) .. ولا يهمني رأيها بعدها .. لقد مات بداخلي الخوف منها ودفنته هنا بداخلك .. كراستي العزيزة .. شكراً .. * * * * * بعد انتهاء زمن الحصتين ، قام كل تلميذ من مكانه لتسليم كراسته إلى أبلة (مسرات) .. بعضهم يرتجف في وجل ويرتعب من العقاب المنتظر في حصة التعبير التالية .. وبعضهم لا يبالي بالمرة .. إلا أني متأكد من عمق نظرتي الساخرة إلى عين أبلة (مسرات) وأنا أسلمها كراستي العزيزة .. وأعطيتها ظهري عائداً مقعدي في وسط الصف الأول ، متجاهلاً بكل صفاقة نظرات عيناها الذاهلة والمتسائلة ! وعقلي الصغير يدور ويدور .. وبداخله أفكار شريرة وماكرة تتوالد في لهفة وغل .. ربما انعكست بضع أفكاري هذه على عيني بطريقة أو بأخرى .. فهل ستعرف يا ترى سر نظراتي هذه ؟؟
بقلم :
wael
at
8:30 ص
12
التعليقات
Labels: قصة طويلة ..
21/7/2008
وطن أسمه (مصر) !! (الجزء الثاني).
عدت اليوم لتكملة باقي حواري عن مصر .. أولاً دعوني أعرفكم على هذه الفتاة التي تقف بجواري !! هل ترونها ؟؟ لا ؟؟ دعوني إذن أصفها لكم : هي سمراء اللون ، لكنه سمار خام وخاص بها وحدها .. سمار يصعب أن تجده في غيرها .. سمار يميزها هي فقط . عيناها واسعتان نجلاويتان .. عينان تتسمان بلمحة تأمل واضحة .. لكنهما تشعان انكسار واضح وكسيف ! ثغرها ؟؟ لعله أغرب ثغر رأيته في حياتي !! شفتها السفلى ترسم ابتسامة جاهزة في أي وقت ، ولأي شخص !! لكن .. شفتها العليا محفور عليها حزن جارف وكئيب !! كيف يجتمع هذين الشفتين يوماً على الرغم من تضادهما الرهيب ؟؟ هذا سر خاص بها وحدها !! شعرها الطويل الذي هو بلون الأحلام ورشاقة النسيم ، والذي يجري على طول جسدها الأهيف الممشوق الطويل في خفة ويسر !! لكنه يشوبه بعض القذارة الواضحة للعيان ! ملامحها العمرية تؤكد أنها متقدمة في السن !! بل هي أكبر من عرفت حياتي سناً !! ولكن كيف يبدو على وجهها نضارة الشباب الأبدي ؟؟ كيف أشعر عندما أراها أنها طفلة وشابة وعجوز في ذات الوقت ؟؟ لا أدري !! ملابسها محتشمة طوال الوقت !! لا تبدي خلاعة واضحة في ذوقها الملبسي !! ربما هي لا تختار ما ترتديه من ملابس .. من قبل رأيتها تلبس رداءاً أخضر اللون .. أما الآن فهي تلبس رداءاً مكوناً من ثلاثة ألوان ( أسود ، أبيض ، أحمر) .. أعزائي .. يشرفني بأن أقدم لكم : مصر .. مصر ذاتها تقف معي الآن .. وتقف أمامكم أنتم أيضاً !! فهل بينكم ما يفسر لي التضاد الواضح في معالمها ؟؟ لماذا هي جميلة وقبيحة ؟؟ لماذا هي نظيفة وقذرة ؟؟ لماذا هي شابة وحيزبون ؟؟ لماذا هي سعيدة وبائسة ؟؟ لماذا هي شامخة ومنكسرة ؟؟ لا أحد يعرف ؟؟ إذن دعونا نحاول لأن نعرف .. اسمحوا لي بأن أطفئ سيجارتي استعداد لقيامي بعمل عنيف نوعاً ما بكلتا يداي !! ها أنا أمسك (مصر) من شعرها بحزم وقوة بيد ، وبيدي الأخرى أنزع عنها ملابسها بقسوة وأمزقها تمزيقاً .. نعم .. أنا أعرّي (مصر) أيها السادة .. أنه ليس نوعاً من أنواع (الأستريبتيز) لوطن بقدر ما هو محاولة لاستكشاف ما يداريه عنا ذلك الوطن الحزين والخائب ! والآن .. أنظروا إلى جسد وطننا العاري .. لماذا تطرقون بنظركم إلى الأرض هكذا ؟؟ لماذا يغمض البعض عينه ؟؟ لماذا أصاب الحياء غالبيتكم ؟؟ آيا أعزائي .. هذا الوطن ليس لديه أي نوع من (العورات) الحسية مثلنا .. هذا ليس جسد آدمي بالمرة !! أننا في مهمة استكشافية من نوع خاص لبحث أسباب الخلل في هذا الجسد ! أرفعوا رؤوسكم أيها السادة .. وافتحوا أعينكم جيداً ، وأيضاً آذانكم ! أنظروا إلى جسد (مصر) .. عارياً تماماً .. ولكن .. أحذركم من النظر في عين (مصر) الآن .. فهي في أشد حالات الانكسار منذ أن جاءت إلى الحياة .. هي الآن تنظر إلى الأرض .. دامعة العين .. يصدر منها نحيب صامت وغامض .. فدعونا ننهي مهمتنا سريعاً هنا .. فمهماً كانت نيتي وغرضي فلن احتمل رؤيتها هكذا أبداً .. دعونا نبدأ إذن :
هل ترون هذه الجروح الصغيرة على جسدها ؟؟
أنها بقايا من حروب وغزوات تورطت فيها رغماً عنها ..
فقد طمع الغزاة والأعادي في جسدها العامر والشهي بالنسبة لهم ..
الكل طمع في مضاجعة هذا الوطن بلا شفة !!
ولم يهتموا مرة لصرخاتها المتوسلة أبدأ ..
كل همهم هو المتعة فقط !!
أعدادهم لا تحصى ولا تعد ..
على الرغم من اختلاف جنسياتهم ولغاتهم وثقافتهم .. إلا أنهم اشتركوا في نفس المأرب ..
مصر .. وخيرات مصر ..
كلهم رغبوا في أن تكون (مصر) عاهرته الخاصة ..
الأسكندر الأكبر ..
جنكيز خان وحفيده هولاكو خان ..
الصاري عسكر نابليون بونابرطه ..
العبيد المباعين في الأسواق الحرة والأوكازيونات المسمين اعتباطاً بالممالبك ..
ملكات المملكة البريطانية ..
محمد علي الكبير وأبنائه وأحفاده وأبناء أحفاده وأحفاد أبنائه ..
حتى جيش الدولة الوليدة المسماة (إسرائيل) احتلتنا بعد هزيمة مخجلة ..
هذا الجسد يا أعزاء قد مر عليه معظم جيوش شعوب الأرض ذهاباً وأياباً دون مراعاة لحرمته !
وعندما أتساءل عن السبب الرئيسي لتلك المشكلة المسببة لاغتصاب وطن بأكمله عدة مرات من عدة شعوب .. واستناداً للقواعد المنطقية والقواعد الرئيسية ، سنجد أن القاسم المشترك الأكبر في تلك الحالات هو :
شعب مصر ..
كأن الدأب الدائم لهذا الشعب المحير هو الارتضاء بالذل في أي وقت وفي كل مكان ومجاناً بلا مصروفات إضافية ..
ربما سمعنا عن بعض المظاهرات والثورات البطولية في تاريخ مصر .. لكنها قياساً بتاريخه الطويل سنجدها غير كافية بالمرة ..
فمثلاً الاحتلال البريطاني لمصر قد قارب المائة عام ، وعندما خرج الجيش البريطاني عن مصر في عهد الرئيس (جمال عبد الناصر) بعد معاهدات واتفاقيات مثيرة للشفقة .. تم الخروج من مصر تحت اسم : الجلاء البريطاني عن مصر !
كأن مصر تحولت إلى خرقة قذرة وبالية امتلأت بالأوساخ ، فألقوا مصر إلينا تحت اسم مهين هو (الجلاء) .. وحتى الآن نحتفل في يوم 18 يونيو من كل عام بهذا العيد المذري المسمى بـ (عيد الجلاء) ..
ولو كنا تحمسنا قليلاً في تحديد يوماً معيناً في السنة للاحتفال بخروج غازي من مصر ، لامتلأ تقويمنا السنوي بـ 365 يوم أعياد قومية !
تخيل معي وطن له أعياد استقلال ونصر وتحرير وثورة ومقاومة بعدد أيام السنة !
أنه حتماً وطن في أجازة طوال التاريخ !!!
عودة إلى جسد (مصر) مرة أخرى ..
في بداية هذا الموضوع وصفت لونها بالأسمر !!
ربما لأني رأيت لون وجهها ورقبتها وذراعيها وقدميها ..
إلا أنني بعدما عريتها ..
وجدت لونها أصفر تماماً ..
أشبه بالسحالي الهزيلة ..
هل تعرفون ما هو اللون الأصفر الذي يغزو – هو الأخر – ملامح مصر ؟؟
أنه لون الصحراء ..
صحراء أيها السادة ..
معروف جغرافياً وجيولوجياً وطبوجرافياً بأن المساحة التي يشغلها السكان في مصر تشكل 4% من مساحتها الإجمالية ..
دعوني أكرر مرة أخرى :
« تشكل 4% من مساحتها الإجمالية » ..
فقط وقدره أربعة في المائة !
Only Four Percent.
رجوعاً مرة أخرى إلى قواعد المنطق والرياضة ، دعوني أسأل :
كيف يعيش شعب يبلغ تعداده 72 مليون نسمة في مساحة قدرها 4% من إجمالي مساحة وطنه ؟؟
ولماذا تشغل 96% من مساحته الإجمالية مجرد صحاري ؟؟
السبب في هذا هو (حابي) ..
أو النيل العظيم ..
فهو يشق مصر طولياً من جنوبها إلى شمالها ، ونحن نستقر على ضفتيه فقط..
هذا هو شعر مصر والذي تكلمت عنه في بداية الموضوع أيضاً ..
يا ترى ما هو مصيرنا نحن المصريين دون هذا النهر ؟؟
كيف ستكون حضارتنا ؟؟
لماذا يبدو وطني قبيحاً على الخارطة ؟؟ هل هناك طرق أخرى بديلة لمحو هذا الكم المخزي من الصفار ؟؟
4% ؟؟
96% ؟؟
هل علم الهندسة المدنية يهتم فقط بإنشاء كباري ومباني ؟؟
هل توجد وسيلة لمد مياة النيل إلى الأراضي الأخرى المحرومة منه منذ ميلاد التاريخ ؟؟
هل هناك محاولة أخرى صادقة بدلاً من المشروع الهرائي المسمى (توشكى) يسعى إلى توصيل جوانب حية إلى باقي جسد مصر الميت ؟؟
لا أظن أن هناك أقسى من جسد وطن ميت !!
فلنهلل جميعاً لكاتب السطور السابقة !!
أشكرك للغاية يا عزيزي .. ولو أني تأثرت من أسلوبك الواقعي والسوداوي .. وإن كان يحوي بعضاً من الكآبة الواضحة !
شكراً لك مرة أخرى وأتمنى رؤيتك قريباً ..
دعونا نكمل الموضوع بأسلوب أخر ..
أسلوب خالي من التاريخ والجغرافيا ..
أسلوب يركز على البساطة في الحوار !
أسلوب قد يحوي ثمة مجاملة لهذا الوطن .
«المواطن المصري » !!
مصطلح يصف حاملي الجنسية المصرية ! وبالرغم من قذارة معنى كلمة (مواطن أو مواطنين) .. إلا أننا اتفقنا بأن الشخصية المصرية متميزة بالطيبة والشهامة و(الجدعنة) والأخلاق الحميدة ، كما أنه يعشق الضحك ومرح بطبعه وذواق للنكتة .. و .. !
تقريباً المصريين هم ملائكة ، لكنهم بدون أجنحة!
كلام جميل ومؤثر ..
لكنه جدير بأن تقرأه في جريدة (أم منص) أو تسمعه في برنامج تثقيفي على القناة الأولى الأرضية المصرية ..
إذا نظرنا حولنا في وجوه بعضنا البعض .. سنجد لمحة حزن وكأبة واضحة لكل ذي عينين ! معالم الغم تفترش الوجوه المصرية في سخاء واضح .. أنظر إلى أي شخص يمشي في الشارع أو في حافلة مواصلات أو في طابور .. أنظر إلى زميلك في العمل أو الفصل أو المدرج الجامعي ، أو في أي مكان تختاره أنت .. ستجد – حتماً – معالم البؤس الجلية !
إذن فنحن المصريين غارقون في الهموم غرقاً ..
المصيبة أن كل منا يعتقد أن مشكلته جديرة بأن تتوقف الأرض عن دورانها تقديراً لصعوبة ما يمر به من ظروف قاهرة ! لذلك جل ما يفعله المصري هو الشكوى ، والشكوى فقط دون أن يحاول أن يجد حلاً لما يعاني منه ..
وإذا وضعنا شخصية المصري تحت (ميكروسكوب) لا يعرف المجاملة أو المنافقة سنجد أنه :
- ذو طباع همجية بعض الشيء .
- عكر المزاج في أحيان كثيرة .
- يفكر بيده لا بعقله .
- يعشق الفهلوة والأساليب العجيبة الملتوية .
- تعلم أن يكبت آرائه الخاصة ويكتفي بآراء الأغلبية حتى ولو كانت خطأ .
- أدمن الانقياد من الآخرين .. ويبحث دائما عمن يقوده !
- سلبي إلى أقصى درجة ..
- يعشق الكلام .. يعشقه للغاية .
- من أعظم هوايته تتبع الشائعات والفضائح (حبذا لو كانت فنية أو سياسية) ، ثم يرددها بعد ذلك بصيغة العالم بخفايا الأمور .
- يكره الاعتراف بأخطائه أو جهله في أمر معين .. بل يتمادى أكثر وأكثر .
- مستعد للقيام بمشاجرة أو بمعركة كلامية في أي وقت ومع أي شخص لأتفه الأسباب .
- يعتبر الذوق أو احترام الآخرين خيارات فرعية يمكن التغاضي عنها في أي وقت يشاء.
- لا يحترم الوقت أو المواعيد إطلاقاً .
- يعاني كثيراً من الروتين المفروض عليه من حوله (خصوصاً في المصالح الحكومية) ، إلا أنه يمارس – بكفاءة – أنواع أخرى من الروتين التعسفي على نفسه ، وعلى غيره أيضاً .
- مستعد لتصديق أي خرافة دينية سخيفة مهما بلغت لا معقوليتها .
- يعتقد أن فرشاة الأسنان ومزيل العرق هي أدوات كمالية وليست ضرورية بالمرة .
- جبان .. وأكثر ما يخشاه هو الحكومة ورجالها .
- مستعد لنشر القذارة في أي مكان عام يرتاده.
- فضولي جداً .. إلا أنه فضول ممزوج ببرود ولزوجة و(تناحة) غير طبيعية .
- على الرغم من أنه يخشى الحسد كثيراً جداً ، إلا أنه مستعد لدفع (دم قلبه) ليبدو بمظهر القوم الأثرياء ويجلب الأنظار إليه .
- نسبة كبيرة منهم لا تفكر بالسفر خارج مصر إلا لأسباب دينية (القيام بالعمرة أو بالحج).
- قد يلاحظ أن الآخرين يسببون الإزعاج بصوتهم المرتفع ، إلا أنه لا يلاحظ مدى علو صوته هو (خصوصاً اثناء التحدث في المحمول في مكان عام!).
- لا يتقبل أن يتحاور أحد معه بغرض التعبير عن الرأي ، بل عليك أن تقول ما يقتنع هو به .
- متوسطي الحال منهم يعتقد بأن الأثرياء كلهم (حرامية) وأن أموالهم حرام.
- الأثرياء منهم يعتقدوا بأن متوسطي الحال عبارة عن حاقدين وحاسدين وجاهزين في أي وقت للفتك بهم إذا لزم الأمر .
- لا يتذوق الفن إطلاقاً ، وكل معلوماته عن الفن هو (ما تقدمه السينمات أو القنوات الفضائية من الأفلام) .
- مهمل في صحته أثناء شبابه ، ويبدأ معاناته مع المرض في سن الخمسين .
- لا يعرف شيئاً عن الرياضة سوى (كرة القدم) .
- أحياناً يتحمس كثيراً لأي فكرة جديدة عليه ، ثم بعدها يخفت حماسه شيئاً فشيئاً ليعود كما كان في السابق .
- على الرغم من كل ما سبق ، إلا أنه يعتقد دائماً بأنه يعرف كل شيء وأنه – ببساطة – أبو العريف .
لا مستقبل لمصر ..
ستخمد الحضارات الأخرى ، وتبدأ حضارات أخرى .. ونحن على حالنا المزري ..
سنظل كما نحن بفكرنا المتخلف الرافض للتجديد بكافة صوره ، ستظل مصر (مزبلة) متوالدة ومستمرة إلى الأبد دون أن يأتي (زبال) كفؤ قادر على التحكم في (زبالتها) والسيطرة على (المستزبلين) ..
سأترك لكم مصر عارية هكذا ، إلى أن تبدءوا في سترها بمجهودكم .
سأتركها غنيمة لبرد الشتاء وأشاهدها وهي ترتجف أمامي في صمت كئيب ..
سأمنحها لذباب الصيف اللزج لكي يعبث بها كيفما شاء ، ودون أن أمنحها أقل فرصة للتذمر .
ها أنا أحضر مقعداً وثيراً وأجلس أمامها في تلذذ ..
أضع قدمي على ملابسها الممزقة ..
أنشر الظلام حولي وحولها ..
أنظر لها بنظرة قرف مملوء بحنان صادق ..
أشعل سيجارتي في هدوء ..
وأسحب منها نفساً عميقاً وأنا أتأمل جسدها الأصفر الكئيب ..
أدندن بصوت خافت وأنا أقاوم دموعي :
عظيمة يا مصر .. يا أرض النعم
يا مهد الحضارة .. يا بحر الكرم
نيلك ده سكر .. جوك معطر
فجرك منور .. بين الأمم
عظيمة يا مصر .. يا أرض النعم
...
..
.
(نهاية الجزء الثاني ! هناك جزء ثالث .. لكنه سيأتي لاحقاً ، حتماً سيأتي).
بقلم :
wael
at
9:46 ص
7
التعليقات
Labels: تأملات