25‏/2‏/2008

بص ورا اللي قدامك ..

أعرف أن عادة ما تكون الصورة جزء تكميلي مهم لأي موضوع مدون .. قد تعبر عن مكنون الفكرة .. وتشرح بإيجاز وجهة نظر الكاتب ..

إلا أني في هذا البوست سأقوم بالعكس ..

سأضع صورة ستكون هي الموضوع .. وسأذيلها بكلام بسيط يوضح وجهة نظري عنها ..

هل اتفقنا ؟!

هذه هي الصورة :

(أضغط هنا للحصول عليها مكبرة )


وهذا هو التعليق :


أتذكر جيداً أول مرة رأيتها .. تحديداً منذ خمس سنوات .. مجرد صدفة جمعتني بها .. كنت أتصفح (هارد ديسك) خاص بصديق لي ، فظهرت هذه الصورة على الشاشة الزجاجية ..

وتخطيتها أول مرة ..

ثم شردت قليلاً ..

ورجعت لها بسرعة مع تذمر صديقي المتعجل للذهاب ..

في الواقع لا أدري ما شدني لهذه الصورة بالذات !! فأنا لست بخريج فنون جميلة ولا أدعي فهمي التام لفن الرسم .. ولا أفرق بتاتاً بين رسوم (فان جوخ) و(فان دام) .. أو أعرف الفرق بين (المدرسة التجريدية الحديثة) وبين (المدرسة التجريبية الحديثة بنين) .. لكن توقفي أمام هذه اللوحة بالذات أثار دهشتي أنا .. ثم دهشة صديقي العجول !!

سألته وأنا لا أزال أتطلع للصورة :

- مين اللي رسم الصورة دي ؟

- مش عارف .. بس مكتوب عليها (بيكاسو) .

بيكاسو ؟

هل هذه التحفة ولدت على يد (بيكاسو) هذا ؟؟ هل ظل يحلم بها داخل مخيلته مرة واحدة ثم بدأ يداه تنز بها على لوحته البيضاء ؟؟

قال صديقي في ملل :

- أنت يا عم (إبراهيم ناجي) .. قصر في الدور عايز أمشي .. مش فاضي لك ..

- (إبراهيم ناجي) ده شاعر مش رسام ..معقول مش عارفه ؟

- حقك عليا يا عم .. مشيها (فاروق حسني) .. خلص يابا ..

أغلقت الصورة وأخذت نسخة منها واستكملت تصفح الهارد ديسك مع صديقي العزيز!!

******************************

كيف تقرر فرشاه رسم ( بكل سلاسة) الظلام والنور معاً في نفس اللوحة ؟؟

هذا كان سر تساؤلي عن تلك الصورة !!

ولأول مرة وضح لي استخدام الظل كتأثير قوي في الرسم ..

(واضح جداً بكل إبداع في تحديد فروة الرأس وشحمة الأذن وأسفل العين والتدريج الخافت على خدها ) ..

وبدأت أطارد الألوان في الصورة .. والمعاني .. ومواطن الجمال ..

(ما رايك في تدرج الألوان على شعرها ؟ أو لون بشرتها ؟؟ أو حتى تدرج اللون الأبيض على شرشفها ؟؟

وفي رأيك .. كيف عبرت الفرشاة عن تعقيدات عقصات خصلات شعرها؟ حتى الشعر الهارب والذي لم تطوله عقصة الشعر (خلف أذنها ) يبدو كأنه جمع غفير قرر الثورة أو إعلان العصيان (الشعري) ..

لدرجة أني كلما شعرت بعصبية أو ضيق أو بنوبة يأس هادرة ، فأني ببساطة أظلم غرفتي تماماً وأجلس وحيداً وأفتح هذه الصورة وأجلس أمامها برهبة..

وأتأمل ..

فقط أتأمل ..

وكل مرة تصفو نفسي .. وأهدأ كثيراً .. وينمو التعطش للرسم بداخلي ..

وأصبحت أطبق ما تعلمته من هذه الصورة في حياتي العادية ، فإن توافر وقت فراغ فأني أتأمل أي شيء تقع عيني عليه .. أسرح كثيراً في زوايا الظلال ومصدر الضوء وتجسيد الأبعاد وتدرج الألوان .. حقاً أنها متعة كانت موءودة بداخلي واستطاعت أن تخرج من خلال هذه الصورة ..

******************************

شيء أخر جذبني في هذه الصورة ..

الأمومة !!

هذه السيدة التي في الصورة لا تتشابه في ملامحها إطلاقاً مع أمي .. ولكن شيئاً ما – مبهم – جعلني أتعاطف معها .. أحسست أنها أمي بطريقة ما .. أريد أن أضع يدي على كتفها في رقة وأسألها : ( هل أنتي بخير يا سيدتي ؟؟) .. أريدها أن تترك شرودها الأبدي وتلتفت لي .. ثم تبتسم .. فقط تبتسم .. لحظتها سيزول سر ابتسامة شقيقتها – الموناليزا ويحل محله ابتسامة هذه المرأة .. حتى وإن لم تكن بجمال الموناليزا ..

******************************

ذات مرة فاجأتني أمي بدخولها غرفتي دون استئذان ، ووقفت خلفي تماماً لتضبطني وأنا أتطلع لهذه الصورة بشغف مريب .. ووقفت هي تنظر إلي ثم تنظر إلى الصورة !! ثم ضربت كف على كف وقالت كلمتها الشهيرة معي :

- ربنا يعوض صبري خير .

لاحظت وجودها .. فتلفتت إليها في هدوء ورفعت عيني لها وأنا أبتسم وقلت :

- وحشتيني يا ماما !

فاجأتها جملتي تماما .. وتبدلت ملامحها إلى اللين والعطف والدهشة .. ثم استقر إلى حنان فطري وقالت :

- تحب أجهز لك الأكل دلوقتي ؟

- لأ .. مش دلوقت ، لسة شوية .

- يابني أنت بقالك كتير قاعد على المخروب ده .. يا بني حرام عليك عينك .. أنت لسة صغير ..

- حاضر يا ماما .. حقفله وأجي أدردش معاكي شوية !!

فوجئت أمي بردي .. واستدارات لتغادر غرفتي وعلى وجهها ابتسامة رضا رائعة .. وعدت أنا للكمبيوتر فوجدت الصورة تنتظرني هي الأخرى .. فابتسمت لها وتمتمت في خفوت :

- عجباً أيا سيدتي .. شردت أنتي للحظة واحدة .. فاستطاعت أيدي عبقري أن تجسد شرودك للأبد ..

ولن أهتم كثيراً إن كان هو بيكاسو أو رامبرانت أو حتى إبراهيم ناجي .. المهم إنه إنسان ..

فما أجمل الجمال من حولنا يا سيدتي .. ملايين اللوحات من رسم يد الله .. ممتزجة في ألوان شتى .. يغدو كل لون فيها نعمة مستقلة بذاتها .. وكلها مجانية .. فقط علينا أن نفتح أعيننا .. ونتأمل ..

ما أجمل عالمنا يا سيدتي .. فهو من إبداع أعظم فنان ..

فانعمي أنتي بخلودك الهادئ .. ودعيني أنا أنعم بلحظات عمري الفاني ..

شكراً يا سيدتي .. ألقاكي قريباً ..

هناك 5 تعليقات:

maha zein يقول...

كان طبيعي انى اجي واعلق واقول رأى ذي ما انت قولت رأيك عندي...عرين الغضب...قلت استرها يا رب طب في ايه طيب...مش مجبرة اوصفلك احساسي وانا دخلة مدونتك...بس لقيت لون اصفر كده فى وشي...قلت مش مهم...عادي...لقيت موسيقي غريبة اشتغلت كده وعيشتني جو رعب شوية علي شوية مصاصين دماء...قلت ولا يهمني هكمل...لمحت الصورة قبل ما اقرا مع الموسيقي الي شغالة خفت من الصورة شوية...اتشجعت اقرا الي انت كتبه...قريت وكل لما اقرا حتي ارجعلها تاني كده عشان اربط الافكار...وصفت انت الصورة...رجعت للصورة تاني اراجع علي وصفك...سألت نفسي وانا ليه انا كمان مفكرتش في جمال اي لوحة قبل كده...ليه مبصتش انا للضوء وحللت ابعاده...مكنتش عوزاها تخلص مع انها معرفش يعني ايه الجزء الي جذبني فيها بشده...بصراحة سرحت فيها جامد ونسيت نفسي معاها اوي خاصة مع الموسيقي...ممكن ميكنش وصلك احساسي الي حسيته سعتها...عارف انا فيقة دلوقت ومش سرحانة..بس بفتكر من شوية اني كنت سرحانة اوي ومش مركزة...فعرفت اني سرحت جامد...وانا في نص البوست كنت عوزة اقولك رأيك هيهمني بعد كده في كل الي كتبته وهكتبه...برغم اني ممكن يكون اسلوبي ساخر احيانا...بس سعات بكتب في الجد بردو...رغيت كتير ومش هقفل مدونتك الان...انا هقرا كل بوستاتك وبرضا وانا الي عوزة كده بجد...طب سلام بقه انت رغاي كده ليه وراي مدونة تتقري انا مش فاضية انا.

wael يقول...

أحم ..
من الرغاي صاحب عرين الغضب ..
إلى سعادة الأميرة مها صاحبة (إنها الحياة) ..
أما أول أمبارح ..
قصدي : أما بعد ..

بما إن سعادتك (فايقة) وقت كتابة ردك هذا .. فيسعدني ويشرفني بأن أنتهز الفرصة وأقوم بالرد أنا أيضاً ..

مش عارف يا مها أقولك أيه واللا أيه بالضبط ..
بس خليني أرد على ردك جزء جزء ..

بالنسبة لدخولك عرينيتي .. ببساطة كدة أدخل بسبابتك اليمين (على الماوس يعني ) طريقة سهلة جداً ومجربة مع الكثيرين بنجاح ساحق ..

اللون الأصفر ده بقى حكايته طويلة معايا وغريبة .. بس مش حقول حكايته دلوقتي .. بعدين مش فاكر مين قال عليا رغاي قبل كدة .. عشان كدة أنا مش عايز أطول في الرد ..

الموسيقى دي بتقول كلمة واحدة .. معناها هو اسم مدونتك .. ومضمون مدونتي .. الكلمة يا ستي هي :
Koyaanisqatsi
يعني الحياة خارج الحدود .. بس موسيقى جامدة مش كدة ؟؟ كل لما أسمعها أحس أني عايز أكسر حاجة .. عرين غضب بقى :)

أسمحي لي بأن أنتهز الفرصة وأعلن من عرينتي .. ممنوع دخول مصاصي الدماء هنا بالمرة .. يسقظ مصاصي الدماء ..

الصورة يا عزيزتي .. أنا قلت رأيي فيها .. وأنتي قلتي رأيك .. يبقى ما اختلفناش .. ولا عمرنا حنختلف .. عيشي معاها .. خلي الموسيقى واللوحة ياخدوكي خارج حدود الحياة .. رحلة سريالية مجنونة على حسابي يا ستي :) .. هاتي بطاقتك رهن بس :)

وعايزك تتأكدي يا مها أني حتابعك على طول إنشاء الله .. (بس فعلاً موضوع زكية زكريا ده قلقني عليكي موت)

أسلوبك ساخر ؟؟
ومين سمعك ياختي .. شايفاني بكتب في (تأثير فلسفة الجلشتط على مبادئ الاشتراكية الماسونية الرجعية ؟)

كفاية رغي بقى ..
بس على فكرة :
كلمة رغي دي يعني صوت الجمال .. (رغاء الجمل) ..
عرينتي نورت يا مها يا شقية :)
وشكراً لتعليقك الجميل الساخر الممتع ..

ayar يقول...

الصورة اكتر من رائعة .. دى اقرب ماتكون اما للحقيقة او للتصوير هايلة بجد ..ولحظة شرودها دى شيلتنى همومهااوى وحسيت فعلا انها امى وانها شايلة همى .. اد ايه الفن دا شئ رائع ..
اخيرا ياوائل انكسر نحس " بص ورا اللى قدامك " فاهمنى طبعا ها؟

غير معرف يقول...

(عجبا اا سيدتى شردتى للحظه فاستطاع فنان ان يجسد شرودك للابد) تجسيد لحظه ودمعه وفكره ونظره فى لون ومعنى فى صوره قالت عن همى وهمك عن كل الهموم فى نظره وراها دمعه حزن روعه بجد مش لاقيه كلام اقولوه؟

هادية يقول...

اهلا وائل
اتعرف ان الشرود كاد ان يدمر كثيرا من صداقاتي لكن ليس مهم : فالكون جميل رائع يستحق ان نتوه معه خاصة وخصوصا اذا كنت مع شخص ممل ثرثار
اتعرف حبك للعلوم اثر في كتاباتك:فالعالم تنبني لديه نظرية من ملاحظة شيء لم ينتبه له احد غيره: هذا انت.
اثارني تناغم الابيض مع الظلال :ابداع رائع يترك النفس تهدا وتحط من جنون الغضب.
ربنا يخليلك ال-ماما- واوعى تزعلها منك حاول ترضيها دوما دي تعبت 'ولسه' عليك .يا عيني دي لازم لما شفتك باصص للصورة ظنت انها حبيبتك( يا لهوي ابني صام صام وبيفطر على .... وحده قد "ماما"ته)هههههه بضحك معاك يا عم