17‏/2‏/2008

.. وأنطلق الغضب من عرينه !!

أنطلق غضبي من عرينه فجأة وفلت مني هارباً في جنون .. فجريت وراءه في لهفة رغبه مني أن أعيده إلى العرين قبل أن يصاب أحد من بطشه !! فوجدته يهرول في ثقة كأنه يعرف وجهته ..

بعدت المسافة بيننا من جراء عدوه السريع .. وأنا ألاحقه بشق الأنفس واقتفي أثره على الأرض .

وصلت إليه أخيراً .. ووجدته واقف على مكان عالي في هدوء ، ولحقته أنا وكنت مستعداً لأن أعنفه على طيشه ورعونته الغير محسوبة .. لكني لم ألتمس منه انتباهاً لي .. كان ينظر إلى بقعة أمامه في هدوء !! ونظرت أنا في فضول إلى ما ينظر هو إليه .. فوجدت أمامي مدرستي الابتدائية .. نفس المبنى المتهالك الكئيب .. كما هو !!

ووجدت التلاميذ تتدافع في همجية لباب المدرسة تبغي الدخول مبكراً لسبب لا أدريه !!

تذكرت أنا تلك العادة في أيامي .. كنا نلعب لعبة مضمونها أن أخر من يعبر من باب المدرسة هو (حمار) ، لذلك كان الكل يتدافع في جنون للدخول حتى وإن كلف الأمر وقوع ضحايا تحت الأقدام .. بالنسبة لهم خير للمرء أن يكون جريحاً وكسيحاً على أن يكون حمار.. رباه .. أني أتذكر تلك الأيام ، كل يوم كنت أنتظر انتهاء تلك الفوضى ثم أدخل في هدوء وسكينة وسلامة .. أدخل المدرسة كملك متوج وليس كهؤلاء الهمج الغوغاء!! تحديداً كنت أنتظر هناك في تلك البقعة أمام الباب .. نفس المكان الذي يقف فيه ذلك التلميذ الآن !!

مهلاً ..

هذا التلميذ يقف نفس وقفتي في طفولتي !!

حقيبة الظهر الثقيلة يضعها بين قدميه ، ويعقد ذراعيه على صدره ، ويستند بظهره على الحائط بلا اكتراث ..

الأعجب أن ملامحه تشبهني في طفولتي ..

أنه ..

أنه ..

!!!!

أنا !!

نظر إلي غضبي في نظرة ساخرة تتهمني بالغباء وبطء الملاحظة ، وجلست أنا بجواره متكئاً عليه وأنا استنتج ما يحدث في ذهول ..

لقد هرب مني غضبي ليذهب إلى الماضي!!

ذهب إلي طفولتي أنا ..

أيامي في المدرسة الابتدائية !!

واستندت برأسي على صدر غضبي الذي تحول إلى كائن شرس مزيج من الذئب والأسد ، وجلست أشاهد ما يحدث في صمت !!

****************

طابور الصباح ..

كعادتنا كل يوم نقوم بالاصطفاف في طوابير نحاول – عبثا – أن تبدو مهندمة ، نستعد للقيام بتمارين الصباح والتي هي توليفة من أغبى تمارين يمكن القيام بها .. ولكننا نقوم بها في كسل على أي حال .. ويبدو كأننا نزداد خمولاً ورغبة في النوم عند قيامنا بها ..

الآن يأتي مدرس الألعاب ليقول في حماس :

- مدرسة صفا .

ونقول ونحن ندب بقدمنا على الأرض :

- مصر .

- مدرسة انتباه .

- حرة .

فيعود ليقول :

- مرة أخرى يا أغبياء ، أريد أن أهدم المدرسة من قوة دبيب قدمكم على الأرض ، فصل تالتة أول يبدو أفضل فصل في الطابور اليوم .. برافو يا تالتة أول ..

فتنتشر الغيرة بين التلاميذ ويشحن الكل طاقته للفوز في معركة استحسان مدرس الألعاب .. الكل يطرد النعاس والرغبة في النوم .. الكل يستعد ..

- مدرسة صفا.

- مصر.

- مدرسة انتباه .

- حرة.

- برافو عليكم كلكم .

كل يوم يقوم ذلك المدرس بنفس الخدعة ، ونحن لا نتعظ أبداً ..

كنت أقف في الطابور أحاول فهم (مدرسة صفا ، مدرسة انتباه ، مصر ، حرة) !! أهذا ما يفسر شرودي الدائم في وقفتي في الطابور يا ترى ؟

الآن دور الإذاعة المدرسية ..

القرآن الكريم .

عناوين الأخبار..

حديث شريف ..

حكمة اليوم ..

صدق أو لا تصدق ..

يا له من ملل .. أحاول التملص من الاستماع لتلك السخافات بالنظر إلى السماء في شرود .. السماء صافية اليوم .. إذن لا أمطار .. مشكلة الأمطار أنها تجعل فناء (حوش) المدرسة مبتلاً مما يجعلنا نستمتع بوقت الفسحة القصير ، الطين في كل مكان بسبب أرضه الترابية .. كل مرة تمطر السماء نجلس في الفصل أثناء الفسحة في كآبة !! ربما أشبه بالفراخ في عشتهم ..

أصحو من شرودي علي يد تجذبني في غلظة وتخرجني من الطابور .. أنه مدرس (العربي) .. يقول لي في وحشية غير مبررة :

- هل تسرح أثناء الطابور ؟؟ أيه ؟ بتحب ياض أنت واللا أيه ؟ أفتح أيدك يا حيوان .

تبتسم له مدرسة الرسم الواقفة بجواره بعد أن أعجبتها دعابته ، وتنظر له في رقة مصطنعة ..

أقول له وأنا أحرق مدرسة الرسم بنظراتي عقاباً لها على سخريتها على حالي :

- الجو بارد اليوم يا أستاذ ، يداي متجمدان من البرد !

- أنا بقولك أفتح أيدك يعني تفتح أيدك يا حيوان أنت ، فاهم واللا لأ ؟

مددت يدي وأنا أحاول التركيز في شيء أخر غير الألم الناتج عن (عصاية ) الأستاذ الغليظة ، ومدرس العربي يلتفت إلى مدرسة الرسم قائلاً في لهجة لزجة :

- أيه رأيك ؟ كام عصاية ؟

- واضح عليه أنه ولد كويس .. كفاية أربع عصيان بس !

زاد لهيب نظراتي الحارقة لها ، وركزت على (مكياجها) المبهرج وضربات عصاية الأستاذ تلفح يداي .. أتمنى أن أراكي تدخلين النار أيتها القاسية ..

انتهى المدرس من عقابي وقال لي في تشفي ..

- عشان تحرم تسرح تاني في الطابور يا عم روميو .. أرجع للطابور وركز يا حيوان .

رجعت للطابور وأنا أكاد أبكي من الألم .. بالفعل دمعت عيوني دون أن أشعر بها .. لكن لا بأس .. إذا فركت يداي فستدفأ ولن أشعر بالألم أو بالبرودة ..

الآن وقت تحية العلم ..

تلك الخرقة القذرة المعلقة في الساري الطويل .. لماذا يبدو العلم في التلفيزيون أنظف من تلك الخرقة ؟؟ ولما يتوسط نسر العلم بينما هذا العلم مجرد ثلاثة ألوان فقط ؟؟ أحمر وأبيض وأسود ؟ وما هو ترتيب العلم الصحيح ؟ أين النسر هنا ؟

أفوق بسرعة من (خواطري) وأنا أرمق مدرس العربي بنظرة جانبية واسترحت انه لم يلحظ شرودي مرة أخرى .. الغبي يبدو مشغولاً مع مدرسة الرسم .. ألم يلحظ أن الألوان على وجهها تنافس ألوان فصلنا (في عيد الطفولة) عند تزيينه ؟؟

يأتي الآن ثلاثة تلاميذ ويقفون تحت ساري العلم .. ويقول أوسطهم وهو ينظر للعلم :

- تحيا جمهورية مصر العربية .

ونردد من وراءه :

- تحيا جمهورية مصر العربية .

يقولها ثلاثة مرات ونكررها ..

أحياناً بدافع المشاغبة نقول وراءه :

- واحد فول واتنين طعمية .

أليست على نفس الوزن ؟

لم يلحظ أحد الفرق على أي حال !

انتهى الطابور الآن ..

ويتوجه التلاميذ إلى فصولهم ..

الآن سيبدأ الهم الحقيقي!

****************

الحصة الأولى : عربي !

يدخل المدرس إياه ومعه كراريس التعبير الخاصة بنا بعد أن قام بتعليمها .. وضع الكراريس على (الترابيزة) واتجه نحو السبورة ليعدل تاريخ اليوم بالميلادي والهجري .. ثم يكتب في نصف السبورة (عربي) ويضع تحتها خط ثم التفت لنا .. مسك كراسات التعبير وبدأ بالنداء على أصحابها .. وأنا أراقب كراستي ذات الجلاد (الأصفر) منتظر دورها في ترقب ملحوظ ..

- وائل عمر .

- أفندم .

- قوم أقف وافتح أيدك !

- ليه يا أستاذ ؟

- أنت جبت في التعبير 3 من 10 !

- أزاي بس يا أستاذ ؟ أنا تعبت عشان أكتب الموضوع ده ..

- الموضوع كان عن رحلة مع المدرسة .. تقوم تكتب عن رحلتك مع عائلتك في البحر ؟؟

- عشان أنا مش بحب رحلات المدرسة يا أستاذ .. كل مرة تقولوا (ما تروحش بعيد .. ألعب هنا .. ما تركبش المراجيح ) .. لكن في البحر بكون مبسوط مع أخواتي وأقاربي .. نلعب على الرملة من غير لما حد يزعق لنا .. أخويا بيعلمني العوم .. بابا بيعمل سباق مع أخويا في العوم .. بابا وأخويا بيشلوني في المية الغويطة .. وفي الآخر بناكل الساندويتشات اللي ماما عاملاها .. مش كدة أحسن يا استاذ ؟

ألقى المدرس كراستي في وجهي وقال تعبير خدش حيائي مفاده أن أتبول على قبره إذا فلحت في يوم من الأيام .. وانتهى الأمر بعقابي مرة أخرى من نفس المدرس ..

- مين مش حافظ ؟

قالها بعد أن انتهى من توزيع الكراسات ، وعقاب الفاشلين !

رفع بعض التلاميذ أيديهم في خوف ، وأشار إليهم للخروج إليه ليعاقبهم واحد تلو الأخر ..

ثم أشار إلي وقال:

- سمع يا وائل أفندي ..

ذادت ضربات قلبي من الخوف في أن أخطأ في (تسميع) الشعر الذي حفظته سريعاً أمس :

رأيت في الرياض قبرة تطير أبنها بأعلى الشجرة

وهي تقول يا جمال العش لا تعتمد على الجناح الهش

وقف بعود بجنب عود وأفعل كما أفعل في الصعود

فانطلقت من فنن الى فنن وجعلت لكل نقلة زمن

كي يستريح الفرخ في الأثناء فلا يمل ثقل الهواء

لكنه قد خالف الاشارة لما اراد ان يظهر الشطارة

و طار في الفضاء حتى ارتفعا فخانه جناحه فوقعا

ولو تأنى نال ما تمنى وعاش طول عمره مهنا

لكل شيء في الحياة وقته وغاية المستعجلين فوته

انتهيت من (التسميع) ولم يعلق المدرس على أدائي بأي شيء .. ما زادني شجاعة ، فرفعت يدي للمدرس ، فقال لي في قرف :

- عايز أيه ؟

- هو يعني أيه قبرة دي ؟

- أنا مش شرحت لك قبل كدة؟

- معلش يا أستاذ ، مش عارف أفتكرها !

- يعني عصفورة يا حيوان ..

- طب هو ليه (أحمد شوقي) ده ما قالش عصفورة على طول ؟

- أحمد شوقي ده أمير الشعراء ، يقول اللي هو عايزه .

- طب هو بيألف شعر واللا بيألف لغة ؟ أصل أنا حاسس أن (قبرة) دي كلمة غلسة أوي ! بعدين أيه (من فنن لفنن ) دي ؟ أيه الكلام الغريب ده يا أستاذ ؟ عربي ده ؟

- أنت بتتريق على اللغة العربية ؟ أفتح أيدك يا حيوان .

- لا يا أستاذ .

- أيه ؟ بتقول أيه ؟

- مش حفتح أيدي المرة دي ! أنا حفظت اللي حضرتك عايزه ، مع أني مش فاهمه خالص .. وتعبت عشان أحفظه .. وكنت خايف أنساه لما أجي المدرسة وأسمعه لحضرتك .. أنا مالي يا أستاذ أن واحد شاف عصفورة بتعلم ابنها الطيران .. ما أنا كل يوم بشوف عصافير على الشجرة .. عمري ما صدعت حد بالموضوع ده .. هو أحمد شوقي ماكنش عنده واجب يعمله بدل ما يقول كلام فارغ ؟؟ كان أحسن له يلعب مع صحابه في الشارع وخلاص .. أنا مش حفتح أيدي عشان بسأل عن (قبرة) .. أقول لك على حاجة يا أستاذ : أحمد شوقي كرهني في العصافير كلها أو (القبابير) بتاعته دي ..

انتاب المدرس حالة من الذهول وسكت قليلاً ثم قال :

- أنت خسارة فيك الضرب .. الضرب في الميت حرام .. أنت فاضل لك 100 سنة عشان تبقى حمار .. أقعد جاتك القرف ..

وأكمل باقي الحصة وهو يقوم بتسميع الشعر لباقي التلاميذ ، وينظر لي من حين إلى أخر في نظرة وعيد واضحة .. إلا أني لم أعيرها أي اهتمام .. فليضربني كيفما شاء .. وأتمنى فعلاً أن يأتي اليوم وأن (أتبول على قبره) مثلما قال ..

وانتهت الحصة ..

****************

الحصة الثانية : علوم وأنشطة .

دخلت مدرسة العلوم الفصل ، وقامت بتغيير اسم المادة على السبورة ثم قالت بقرف :

- قيام ..

- جلوس ..

ثم بدأت في شرح مادة العلوم والتي كنت أحبها ، ولكن تلك المدرسة جعلتني أكرهها بجدارة ..

أشارت المدرسة إلى فجأة وقالت :

- وائل .. قوم أقف .

- أفندم .

- الواجب بتاعك كان فيه سؤال : ( تنتقل الحرارة من الأجسام ............. إلى الأجسام ............ أسرع من انتقالها من الأجسام ............. إلى الأجسام ............) ، أطلع على السبورة وحل السؤال ده تاني ..

- حاضر يا أبلة ..

توجهت إلى السبورة وأخذت قطعة طباشير وأخذت أكتب بخطي السيئ:

تنتقل الحرارة من الأجسام الساخنة إلى الأجسام الباردة أسرع من انتقالها من الأجسام الباردة إلى الأجسام الساخنة .

انتهيت ووضعت قطعة الطباشير مكانها وأخذت أنفض يدي من أثاره البيضاء عليها في فخر ..

نظرت المدرسة إلى ما كتبت وقالت :

- أنت ذاكرت الدرس ده ؟

- أيوة يا أبلة ..

- ومكتوب فيه أيه ؟

- العكس يا أبلة .

- وكتبت كدة ليه يا حمار أنت ؟

- عشان العكس هو اللي بيحصل !

- أزاي الكلام ده ؟

- في الشتا الأكل بيبرد بسرعة .. عكس الصيف الأكل البارد مش بيسخن لوحده من الحر .. وأحنا بنحس بالساقعة أسرع ما بنحس بالحر .. وأنا لما بكون عيان مش بخف بسرعة !! يبقى أزاي الحرارة بتنتقل من الأجسام الباردة أسرع من الساخنة ؟؟

- أنت حتتفلسف على كتب الوزارة ؟؟ أفتح أيدك يا مجرم .. لأ .. أنت حتيجي معايا عند الناظرة .. أنت قليل الأدب .

- ليه يا أبلة ؟ أنا ماعملتش حاجة .

- تعالى .. أنا حوريك ..

****************

الحصة الثالثة : حساب .

دخل المدرس بكل غطرسة .. تسبقه العصا التي تميزه عن سائر المدرسين .. هذا المدرس مشهور بعشقه وولعه بالعصي .. ونادراً ما نجد لديه عصى أخرى غير تلك العصى .. كانت رفيعة إلى حد ما .. وكان يغلفها (سيلوتيب) ملون في عدة جوانب .. كان يعتبرها تحفته الخاصة ..

كتب على السبورة (حساب) .. ووقف صامتاً للحظة .. ثم بدأ يمشي في أنحاء الفصل في صمت ويخبط بعصاته في كل (مقعد) يمر بجانبه ونحن نرتجف رهبة !! ثم توقف وراء مقعد أحد التلاميذ ووضع العصى على كتفه وقال بصوت هادئ :

- 9 × 8 بكام ؟

وقف الطالب وهو يرتجف ويحاول تذكر الناتج ..

قطع تفكيره ضربة من العصا الملعونة على مؤخرته في عنف .. وأعاد المدرس السؤال ببرود :

- 9 × 8 بكام ؟

قال المسكين وهو يبكي بحرقة خوفاً من العقاب المنتظر :

- مش فاكر يا أستاذ .

- يعني أيه مش فاكر ؟

- نسيت والله يا أستاذ .

- أفتح أيدك يا فاشل .

تردد في الفصل صوت العصا وهي تهوي على يد ذلك المسكين في قسوة , وكانت أجسامنا تنتفض لا إرادياً عندما تلمس العصا يد زميلنا .. وكلنا يدعو الله أن لا يكون الدور القادم هو دوره .

هم الطالب بالجلوس وهو يبكي .. فقال له المدرس بصوته البارد المقيت :

- أنت بتعمل أيه ؟؟ خليك واقف يا فاشل ..

وتوجه إلى الطالب الذي أمامه ووضع عصاته على كتفه وقال:

- قم أنت وقل لزميلك الفاشل 9 × 8 بكام .

تعالى صوت بكاء الطالب الثاني دون مقدمات .. ليعلن فشله في الإجابة هو الأخر ، وفتح يده تلقائياً ليتلقى العقاب .. إلا أن المدرس القذر رجع خطوة إلى الوراء عند الطالب السابق وأشار له بفتح يده وضربه ضربه واحدة .. وقال له :

- كدة كام عصاية يا فاشل ..

- خمسة يا أستاذ ..

- برافو .. كدة أنت بقيت كويس في الجمع .. فاضل الضرب .. أظن مفيش ضرب أحسن من كدة !!

وتوجه للطالب الأخر وضربه خمس عصي متتالية وأمره بألا يجلس هو أيضاً .. وسال التلميذ الذي بجواره :

- قوم جاوب أنت .

ولم يعرف هو أيضاً ..

فعاد المدرس إلى أول طالب و ضربه عصى واحدة .. ثم توجه إلى الثاني وضربه هو الأخر عصى واحدة .. ثم ضرب الأخير ست عصيات متتالية ..

وفوجئت بالعصا فوق كتفي أنا .. ورفعت رأسي للمدرس الذي قال:

- أنت معروف هنا باسم (عبقرينو) ، قف يا (عبقرينو) وريني نفسك ..

وقفت أنا ، وسألني هو :

- 9 × 8 بكام ؟

نظرت لعينه في برود مماثل وأجبت :

- بـ 72 يا أستاذ .

نظر المدرس إلى التلاميذ الواقفة كأنه يؤلمه من استكمال متوالية العقاب ، ونظر إلي مرة أخرى وقال:

- طب 8 × 9 بكام ؟

- نفس الناتج ، 72 .

- 6 × 12 ؟

- برضه بـ 72 .

- و 56 ÷ 8 ؟

- بـ 7 يا أستاذ .

بدأ غيظ المدرس يتصاعد شيئاً فشيئاً ..

- طيب 18 × 2 ؟

- مع أننا ماخدنهاش ، بس بتساوي 36 .

- وعرفت أزاي ؟

- عشان قسمت 18 على 2 ، وضربت الـ 2 التانية × 2 ، يعني 18 × 2 = 9 × 4 = 36 .

- برافو عليك .. طب زملائك أخدوا كام عصاية لحد دلوقت ؟ كلهم مع بعض ..

- 18 .

- جميل .. 18 ÷ 2 فيها الكام ؟

- 9.

- يبقى على كل أيد 9 عصيان .. شفت بقى العملية سهلة ازاي؟

- 18 عصاية ؟ ليه أستاذ ؟ أنا عملت أيه ؟

- شكلك بتاخد دورس خصوصية برة .

- دروس أيه بس ، وحياة ربنا مش باخد دروس ولا حاجة يا أستاذ .

- لا بتاخد .. أفتح أيدك يا ولد ..

****************

الحصة الرابعة : دين .

مدرس التربية الدينية يدخل من الفصل .. يتجه إلى السبورة ويغير اسم المادة إلى (التربية الدينية) .

ويستدير لنا ويشير بقرف إلى أربعة تلاميذ ليخرجوا من الفصل ، وخرج (بيتر ، عماد ، مايكل ، ماريز) في صمت ..

وبدأ يشرح بلا حماس في السيرة النبوية ..

- يا أستاذ ممكن سؤال ؟

- عايز أيه يا زفت أنت ؟

- هي (ماريز) راحت فين ؟

- خرجت برة في داهية ..

- ليه ؟

- عشان هي نصرانية !

- يعني أيه نصرانية يا أستاذ؟

- يعني مش مسلمة ..

- طب ليه مش مسلمة ؟ وليه بتقول عليها خرجت في داهية ؟

- مش عاجبك واللا أيه ؟

- ماريز جميلة أوي يا أستاذ .. حرام تقول عليها كدة ..

- أيوة بس دي كافرة ..

- كافرة ؟؟ ما حضرتك اللي خرجتها برة .. فيها أيه لو كانت قعدت معانا ؟؟ عشان خاطري يا أستاذ ..

ودون سابق إنذار توجه إلي المدرس وأخذ يكيل لي اللكمات على وجهي والركلات على جسدي دون شفقة أو مراعاة لحجمي الصغير .

!!!!!!!

****************

هنا أنتفض غضبي فجأة وبدأ يزمجر بطريقة مسعورة .. واكتفيت أنا بهذا القدر من المشاهدة لأحداث الماضي .. ووقفت بجانب غضبي كأني قائد في الجيش وأشرت نحو المدرسة وصرخت في غيظ إلى غضبي المتحمس بجواري :

- إلى بهؤلاء السفلة .. الآن .

ضرب غضبي قدمه في الأرض بقوة ، وركض نحو مدرستي وعاد بعد لحظات ويتدلى من فمه كل المدرسين الذين قاموا بتعليمي .. وألقاهم على الأرض وهم يتأوهون من الألم والخوف من غضبي والذي أحمرت عيناه بطريقة مرعبة ، ووقف أمامهم وهو يزمجر في تحفز ..

ومشيت أمام ببطء صامت مشبكاً يدي خلف ظهري ، كأني أزيد الموقف رهبة ..

ثم تكلمت قائلاً :

- في طفولتي كنت أتمنى أن أكون ضابط شرطة .. ليس حباً في الوطن معاذ الله ، ولكن كي أقتل بمسدسي كل المدرسين والأطباء وأريح العالم من شرورهم .. وعندما كبرت أكثر وزاد البطش من حولي حتى جاء من ضباط الشرطة أنفسهم ، كرهت حياتي .. كرهت نفسي .. كرهت وطني .. كرهت رئيس بلدي .. كرهت العلم ..

توقفت عن الكلام فترة .. ثم نظرت في وجوههم وقلت في بطء :

وكرهتكم أنتم شخصياً .. أنتم سبب البلاء لوطني .. لولاكم أنتم لجاء جيل متفتح على قدر المسئولية يقدر على قيادة دفة المستقبل ويرسو بها على شواطئ الأمان .. كان ممكن أن تعلمونا أن نقول ما بداخلنا مهما كانت شذوذه أو غرابته .. كان من الممكن أن نكون فكرنا الخاص بنا .. تخيلوا لو وجد في وطننا20 مليون شاب له 20 مليون فكرة !!

لكن للأسف ..

علمتمونا كيف نسجد للصنم الذي اسمه (رئيس الجمهورية) .. أسجدوا له يا أولاد .. فهو الرئيس الحي الذي لا يموت .. هو الرئيس الواحد الأحد .. الرئيس الصمد !! فقط أسجدوا للصنم ..

واشتركوا في حزبه يا أولاد .. (الحزب الوثني الديمقراطي) .. فمن دخل بيت الحزب فهو آمن .. أشتروا مستقبلكم يا أولاد ..

اقرءوا لكتب حرم الرئيس يا أولاد .. تلك السيدة الفاضلة .. التي تهتم بأطفال مساكين مثلكم .. وتقيم لكم الحدائق والمكتبات والمهرجانات .. غنوا لها يا أولاد ..


ما أنتم إلا أبواق دعاية لنظام الحكم الفاشل .. قتلتم تفكيرنا في طفولتنا ، وسلمتمونا للمستقبل بعقول عفنة أكلها التخلف والسلبية والتفاهة ..

مناهج الوزارة ؟؟

أهذه حجتكم ؟

أتحشون عقولنا بما تيسر لكم من صديد التخلف طوال هذه السنين وتسمونه علم ؟ أي علم هذا ؟ وأي علم يدرس بالعصا والإهانة والسباب؟ هل نحن مجرد حمير في نظركم ؟ هل أنتم (عربيجية) لتعلموا الحمير ؟؟

كرهتكم كلكم أيها الأوغاد والسفلة ..

من أجلكم كرهت كل شيء ..

كرهت العلم ..

كرهت الوطن ..

كرهت الدين ..

كرهت البشرية ..

كرهت الذل ..

كرهت نفسي ..

ثم أشرت إلى أحدهم وقلت في صوت هادر :

- أنت .. تعالى هنا أيها الحيوان ..

جاء مدرس العربي وهو يرتجف من الخوف .. ليس مني طبعاً ولكن من الغضب الرابض بجواره ..

- الرحمة .. الرحمة ..

- لعلك تعرف أنك تطلب الرحمة ممن لا يرحم .. أنا لست رحيماً أبداً ..

- أرجوك ..

- لن يفيد رجائك هنا .. ثق تماماً من ذلك .. طلبت مني وأنا صغير أن أتبول على قبرك إن فلحت .. كيف سولت لك نفسك أن تقول ذلك لطفل صغير أيها السافل ؟ هل كنت تطلب ود مدرسة الرسم الخرقاء التافهة مرة أخرى على حسابي أنا ؟ هل تجردت من بقايا إنسانيتك لتتفوه بذلك ؟

- الرحمة ..

- وهل رحمتني وأنا صغير ؟ هل رحمت أحداً من التلاميذ الآخرين ؟؟ ستموت الآن أيها الجلف .. ستموت ببطء كما قتلتني ألف مرة وأنا صغير .. واطمئن ، لن أتبول على جثتك أو قبرك ، فبرغم كل ما مررت به لازلت بشر واحترم حقوق البشر .. سيكون مدفنك في بطن غضبي .. قبر متحرك صنعته أنت وأفعالك من سنين طوال .. تعذب ومت الآن ..

وأشرت إلى غضبي في إشارة فهممها على الفور .. فبدأ يعوي ويزأر في مزيج مخيف وهو يتجه إلى ضحيته في بطء .. وبدأ ينهش في هدوء قدم معلمي الذي لم يكد أن يكون رسولاً في يوم من الأيام .. وتتعالي صرخات الأستاذ وأنا أتأمله في هدوء وأتلذذ برؤية الخوف من عيون المدرسين الآخرين .. أنتهى غضبي من قدميه .. ثم ذراعيه .. وبعدها أذنيه .. ثم أجهز عليه مرة واحدة إلى أن سكتت صرخات عزيزي مدرس العربي تماماً ..

وأشرت بعد ذلك إلى مدرسة العلوم .. فجاءت في صمت .. وهي تبكي وتتذكر مصير مدرس العربي والذي سيكون مصيرها هي الأخرى بعد قليل ..

قلت لها في برود :

- لماذا لم تستمعي لتلاميذك ؟؟ لماذا لم تشجعينهم على التفكير وتكوين الآراء ؟؟ لماذا كنتي تسألينا عن وظائف أولياء أمورنا ثم تعاملينا حسب أهمية وظيفة ولي أمرنا بعد ذلك ؟؟ لماذا ميزتي ابن لواء الشرطة عن باقي تلاميذ الفصل ؟؟ فإن أجاب إجابة خاطئة تضحكي في دلال وتقولي : (معلش يا حبيبي .. المرة اللي جاية حتجاوب صح ) .. وإن نسى كراسة الواجب تقولي : (مش مشكلة يا حبيبي .. أنا عارفة أنك كدة أو كدة عملت الواجب بتاعك) .. والآن ابن لواء الشرطة أصبح ضابط شرطة .. ولكنه يملك مخ ذبابة غبية .. ولا يمارس غبائه إلا مع الناس البسطاء الشرفاء .. فأين الآن اللواء والضابط كي يدافعوا عنك من غضبي ؟؟

بدأت الأبلة العزيزة تولول وبدأ عويلها يتصاعد ..

إلا إني أشرت لها وقلت ..

- مهماً كان أنتي امرأة .. وأنا ليس بوحش كاسر على أي حال .. أذهبي يا أبلة .. أذهبي .. أنتي حرة .. فغضبي محرم على النساء ..

لم تصدق نفسها وحاولت تقبيلي عنوة فرحة بنجاتها وقالت كلام هستيري غير مفهوم .. إلا إني أبعدتها برفق ، فذهبت وهي تكاد أن تطير .. لو لم تكن أنثى لتغير الوضع تماماً ..

عزيزي وحبيب قلبي .. مدرس الحساب .. تعالى إلى لترى ماذا يحضر لك (عبقرينو) !!

جثا المدرس تحت قدمي وهو يقول :

- الآن فقط عرفت جريمتي .. سامحني .. لم أعرف أنك تكره عصاي لهذه الدرجة .. فأنا لم أجربها على نفسي ، لم أعرف أبداً مدى قسوتها .

- وحتى لو جربتها على نفسك أيها السادي .. هل قوة تحمل رجل كبير مثلك نفس قوة تحمل طفل صغير بائس مسكين مذعور ؟؟ هل تعرف وقع حيلك القذرة على نفوسنا الصغيرة ؟؟ هل تعرف ما يحدث بعد خروجك من الفصل ؟؟ هل تعرف ضحيتك الأولى تتحول إلى جلاد بعد خروجك ويبدأ بضرب كل تلميذ لم يقم بالإجابة بعده .. لقد أوجدت الحقد في نفوسنا البريئة .. أبدأ الآن بحساب عدد صرخاتك , ثم أضربها في مجموع أسنان وأنياب غضبي .. وأقسمها على وزنك وأطرح منه عدد العظام الموجود فيك .. سيكون الناتج عدد القضمات التي سينهشك بها غضبي .. أبداً الحساب الآن أيها النازي الملعون ..

وأشرت لغضبي في برود .. وبدأ عمله اللذيذ الممتع ..

مدرس الدين ..

تأملته في صمت ..

لازال كما هو ..

الذقن الطويلة المشعثة .. العينان القاسيتين .. الحاجبين المعقودان طوال الوقت .. أسنانه الصفراء .. رائحة أنفاسه الكريهة .. العصبية الغير مبررة ..

المصيبة أنه كان يقنعنا بأنه ملامحه تملاؤها (رضا الله عليه .. ووجهه يشرق بنور الإيمان !!)

جلست أمامه على الأرض في بساطة ..

ونظرت أيضا إلى الأرض وأنا أحدثه :

النظافة من الإيمان ..

حديث شريف ، أليس كذلك ؟؟ كنت تشرحه لنا وثيابك متسخة ورائحة العرق تغزو أنوفنا الصغيرة ..

أي نظافة تقصدها يا أستاذ ؟؟


الفتنة أشد من القتل !!

حديث أخر ..

لماذا لم تشرح لنا بأن معنى الفتنة ليست نقل كلام شخص إلى أخر ..

الفتنة معناها : (مستحدثات الأمور التي تلهي عن عبادة الله )

وهل أمرك الله أن تعامل تلميذاتك بقرف باعتبارهن شيطانات المستقبل ؟؟

حكمت عليهن بأنهن سيصبحن متبرجات وسافرات !!

وكنت تحذرنا من النساء ، ومكر النساء .. وأن الشيء الوحيد الذي خلقه الله ثم استعظمه هو مكر النساء ..

وقفت بهدوء أخذت أدور حوله .. ثم وقفت أمامه فجأة ونظرت في عينيه لأول مرة منذ طفولتي وقلت له وأنا أجز على أسناني :

هل تعرف ما أصاب (ماريز) بسببك ؟ هل كنت تسمع بكائها الصامت عندما يدعوها الأطفال بالـ (كافرة) ؟؟ هل علمت بالفتنة التي أقمتها في المدرسة أيها الأحمق المعتوه؟ هل كنت تعلم بماذا كان الأطفال يغنون لمايكل أثناء الفسحة ؟؟ هل عرفت لماذا كان تلاميذك يكرهون عمليات الجمع الحسابية ؟؟ بسبب علامة الزائد والتي أوهمتهم بأنها هي علامة الصليب .. وكنت تجلس وتوزع الجنة على تلاميذك المفضلين كأنها بيت أبوك أو مسجلة باسمك في الشهر العقاري .. وتوزع النار التلاميذ الخائبين من أمثالي .. وتوصف لنا شياطين جهنم وهي تنهش في لحمنا ، والنار تلسعنا ونحن نصرخ في عذاب ونطلب الرحمة .. لك عندي عقاب من نوع أخر هنا .. ستتمنى الموت ألف مرة يا عزيزي ولن تناله .. استعد ..

وبدأ غضبي يقوم بما أمرته من عقاب لهذا الأخرق خصيصاً والذي لن أذكره هنا لبشاعته ..

المزيد والمزيد من المدرسين ينتظرون العقاب ..

مدرسة الرسم التي كانت تبدأ الحصة بطرح موضوع تافه لنرسمه ، وتترك الفصل وتخرج لممارسة النميمة مع المدرسين والمدرسات الأخرين . ثم تعود لتأخذ حقيبتها دون حتى أن تحصي كم بذرة رسام موهوب قتلت في فصلنا اليوم !!

مدرس الموسيقى الذي قتل بداخلنا أحساسنا الفطري بالموسيقى ويجعلنا نردد وراءه في غباء دون أن نفهم : ( طا تي ..نهاوند .. سيكا .. دو .. ري .. مي .. فا .. صو ..)

وغيرهم .. وغيرهم ..

وأنا أفكر كيف لجيل يخرج من تحت يد هؤلاء السفاحين أن يكتب له النجاح ؟ وكيف لأمة تحوي هؤلاء المعقدين أن تتقدم في يوم من الأيام ؟

وعند نهاية أخر مدرس على مخالب وأنياب غضبي .. أخذنا بعض التذكارات من المدرسين الأعزاء وهي عبارة عن (أصبع السبابة اليمنى) من أشلائهم ، وتوجهت أنا وغضبي نحو العرين ونحن نتقافز في مرح طفولي .. أحياناً نطارد الفراشات في الطريق .. وأحياناً نضحك ونحضن بعض بلا سبب .. إلى أن وصلنا .. وقمت بربطه ..

هنا ..

في عرين الغضب !

13‏/2‏/2008

إلى من يهمه الأمر (2)...



عزيزي أبي الأكبر / آدم !!

لا أعرف يا هل ستتقبل رجوعي إليك مرة أخرى أم لا ؟؟

أنه أنا يا أبي !!

أبنك بعد آلاف الأجيال ..

أبنك المخطئ .. وليس أبنك العاق ..

فأنا لم أكن عاق لك يا أبتي !!

فاسمح لي أن أجلس على قدمك وأحكي .. وأبكي .. وأعتذر ..

فقط حاول أن تفهمني يا أبتاه ..


قلت عنك من قبل بأنك أسوأ مربي .. وأعلنت سخطي وتذمري علي شخصك الفاضل ..

من فضلك لا تقتلني بنظراتك يا أبي ..

فقط دع حنانك يشفع لي حماقتي .. ودعني أكمل كلامي الذي لم أنهيه :

ربما ..

ربما لم أدرك حكمة الخالق عز شأنه فيما حدث من قبل ..

الحكيم .. اسم من أسماء ربنا العظيم .

خروجنا من الجنة لهو أعظم حكمة ..

أليس كذلك يا أبي ؟؟

حتى وإن لم نعلم لماذا !!

فنحن لم نؤتي من العلم إلا قليلاً .

فنحن نثق ونصدق بتدبير الله .

مهما كان ..

دون أن نشتكي أو نعترض ..

واللهم لا اعتراض .. حاشاك ربي أن نعترض .. فمن نحن يا ذو الحكمة لنعترض ؟؟

اللهم لا اعتراض .

وإن خرجنا من الجنة يا أبي .. فلدينا الفرصة لنعود إليها ثانية ..

مكرمين ..

مدللين ..

سنعود لها برحمته التي وسعت كل شيء .

سنعود إليها بعبادتنا .. وبأعمالنا الحسنة ..

وأنا واثق يا أبتي أن الجنة سيدخلها هذه المرة من يستحقها ..

أتمنى يا أبي أن أراك هناك ..

..

قابيل وهابيل ..

أول أولادك ..

ربما لم أعرف من قبل أن خطأ أي شخص سيكون لدرس لشخص أخر ..

فقط عليه أن يتعظ من خطأ غيره ..

أليس كذلك يا أبي ؟؟

ليس علينا أن نجرب كل الأخطاء لنعرف لنتعلم كم هي مضرة ومكروهة ..

فإذا كان قابيل أخطأ في حق أخيه ..

فعلينا أن نتعلم ونعي الدرس ..

ولكني فكرت بسوداوية مطلقة ، واعتبرت قابيل مجرم وقاتل ..

دون أن أضع اعتبارات لشعوره بالغيرة من أخيه .. ومع أنه عالج مشكلته بطريقة قاسية ..

إلا أنها تعبر عن مشكلة هامة في ابن آدم ..

الضعف ..

ضعف النفس يا أبي ..

فعلينا أن نكون أقوياء أمام أنفسنا قبل أن نكون أقوياء أمام غيرنا يا أبي ..

عكس الحيوانات التي عليها أن تكون قوية أمام غيرها فقط ..

فليجب أن نكون أقوياء أمام أخطاءنا ..

وإن أخطأنا يا أبي .. فربنا غفور رحيم ..

فعلينا أن نقوى مرة أخرى .. ونعترف بخطانا .. ونتوب ..

أليس كذلك يا أبي ؟؟

..

بالنسبة لأبنائك (مجرمي الحرب)

لا تقلق يا أبي ، فهم قلة في عالمنا ..

ليس عالمنا بهذا الاسوداد ..

فهناك رسل ..

وأنبياء ..

وعلماء ..

وأدباء ..

وأطباء ..

ومهندسون ..

وموسيقيون ..

ورسامون ..

يحاولون ملأ عالمنا بالحب ..

لازالت الدنيا تستحق أن تعاش ..

فقط لا تقلق ..

..

سامحنى يا أبي ..

فأنا مجرد ابن آدم ضعيف ..

..

ما أجمل وجهك يا أبي وأنت تبتسم لي ..

وما أجمل ابتسامتك الحانية ..

وتفضلوا سيادتكم بقبول وافر الاعتذار والامتنان !

مقدمه لسيادتكم :
أبنك بعد آلاف الأجيال :

أنا


12‏/2‏/2008

14 فبراير ؟


بمناسبة الاحتفالات القومية والعالمية بعيد الفالانتين المبارك .. نقدم لسيادتكم بعض الأسئلة المتعلقة بهذا اليوم ، يليها إجابة مختصرة :


ما هو يوم الفالانتين ؟

الفلانتين هو يوم يعبر فيه كل محب عن عظيم حبه للطرف الآخر !!! وذلك عن طريق إرسال كارت القديس فالانتين أو علبة حلويات .. أما أكثر الهدايا شيوعاً ذلك اليوم هي الورود .

من هو فالانتين هذا؟

فالانتين كان قسيس في كنيسة أيام حكم الإمبراطور الروماني (كلاديوس الثاني) ، هذا الإمبراطور كان مولع بالحروب بطريقة غريبة !! لذلك كان يجند معظم شباب مملكته في الجيش للإغارة على البلاد المجاورة .. ووصلت معلومة لكلاديوس الثاني من خلال قادة الجيش بأن الشباب المتزوجين حديثاً يتذمرون كثيراً ويفرون من الخدمة معظم الوقت وذلك لاشتياقهم للقاء زوجاتهم !! أما الجنود العزاب فملتزمين نوعاً ما ولا تؤخذ عليهم أي ملاحظات سواء من ناحية أداء الواجب نحو الإمبراطورية !! فأصدر الإمبراطور كلاديوس قراراً شمولياً بمنع الزواج خلال فترة الحرب !!!! لكن القس فالانتين كان يقوم بتزويج العشاق الذين لا صبر لهم حتى انتهاء الحرب سراً .. واكتشف عمنا كلاديوس الملعوب .. فألقى القبض على فالانتين وأمره بالتوقف عن تزويج الشباب لأن ذلك يضر بمصلحة الإمبراطورية .. ورفض فالانتين الإنصياع لأمره بحجة أنه يبارك الحب بين العاشقين .. فحكم كلاديوس بالإعدام على فالانتين !! وتم تنفيذ الحكم يوم 14 فبراير (غير معلوم السنة !) .. ومنذ هذا اليوم تحول القس فالانتين إلى (القديس فالانتين) أو (الشهيد فالانتين) !!!

ما هي مراسم الاحتفال بيوم الفالانتين في العالم ؟

في معظم أنحاء العالم (ماعدا البلاد العربية) .. يقوم الشاب بدعوة فتاته في مكان هادئ رومانسي .. ويقوم بتقديم هدية لها وهو (يسبل) عينه في هيام ويقول (هابي فالانتينز داي) وترد عليه فتاته في تأثر جامح (أوه .. أي لاف يو سو ماتش) .. ثم يبتاع الشاب زجاجة مشروب روحي (غالباً زجاجة شامبانيا فاخرة) وبعض الشموع المعطرة ويذهبان لقضاء ليلة خاصة !!!!

كيف يحتفل الشباب في مصر بعيد الفالانتين ؟؟

لا تعليق !!

كيف أحتفل أنا بعيد الفالانتين ؟؟

أقوم بنفس مراسم طقوس احتفالي بعيد القمح .. أي ببساطة لا أفعل شيء ..

هل توجد أسئلة أخرى ؟؟

لا .. يكفى ما سبق !

مع اعتذاري للقديس فالانتين ..

وتقديري لكل من ماتوا في سبيل إثبات قضية معينة ..
قام سقراط بالتضحية نفسها لإثبات وجهة نظره .. بل ورفض محاولة تلاميذه لتهريبه قبل تنفيذ حكم الإعدام فيه .. وانتظر بشجاعة لتنفيذ الحكم .. ولم نسمع يوماً بـ سقراطوس داي!!

أيضاً جاليلو العالم الفكلي الشهير الذي وثق نظرية كوبرنيكس الشهيرة بأن الأرض تدور حول الشمس وليس العكس .. مما أغضب كهنة الكنيسة واعتبروه مخرف وهرطيق ومجدف (كان الكهنة يعتقدون بأن الأرض مركز الكون أيامها ) وحكموا عليه بالإعدام حرقاً .. وأثناء تنفيذ الحكم ظل جاليلو يقول (ولكنها تدور .. ولكنها تدور!!) ..

لماذا إذن تم اختيار فالانتين دون سواه ؟؟

وإن كنا نبحث عن عادات وأبطال في الغرب .. هل يعلم أحد منكم قصة (حنظلة بن أبي عامر) ؟؟

هل سمعتم أصلاً عن حنظلة بن أبي عامر ؟؟

هل عرفتهم بما فعل حنظلة ؟؟

لن أذكرقصة حنظلة هنا على أي حال .. فمن يريد أن يعرف هذا الرجل ويقارن نفسه به ، عليه أن يتعب قليلاً ويبحث عن قصته !!



هام وعاجل إليها هي :

في يوم 14 فبراير لن أتصل وأقول (هابي فالانتينز داي) .. أو حتى أطلب مقابلتك فيه باعتباره مناسبة خاصة .. بل سيمر بالنسبة لنا كأي يوم .. لا تتوقعي مني (دبدوب) أحمر سخيف ، أو ورد أحمر ، أو حتى هدية مغلفة بورق سوليفان مرسوم عليه قلوباً حمراء ..

لن أنتظر يوماً اختاروه هم لأقول لكي (أحبك كثيراً) .. فكل دقة في قلبي عيد حب لي .. كل مرة تجسد طيفك لي وأنا في أشد المحن هو عيد حب لي .. كل مرة يقهر صوتك اسوداد أفكاري هو عيد حب لي .. في كل مرة تلتقي عيوننا في صمت وتولد ألف لغة وتموت تلك اللحظة هي عيد حب لي .. عندما نضحك سوياً هو عيد حب لي .. عندما يولد اسمك كمرادف لكل شيء جميل هو عيد حب لي ..

لذا يا عزيزتي عندما أقول (أحبك) .. أريدك أن تهمسي وتصرخي لي (وأنا أحبك أيضاً) ..

وائل ..

11‏/2‏/2008

مصر اليوم في عيد !


من كل قلبي : مبروك ليكي يا مصر يا حبيبتي ..

مبروك لكل المصريين الفوز بكأس أفريقيا للمرة الثانية على التوالي !!

لكل مصر ولكل المصريين أحب أهديكم وأغني لكم بصوت عرينتي :

مبروك مبروك مبروك .. مبروك عليكم وعلينا

مبروك مبروك مبروك .. مبروك يا ناسنا وأهالينا

يارب كتر أفراحنا .. يا رب كتر أفراحنا

وعلى قد نيتنا أدينا


بس مش مبروك ليا أنا واللي زي حالاتي !!

ليه ؟؟

لأني لست من هواه كرة القدم (لعباً ومشاهدة) .. وأفضل أكثر مشاهدة لعبة التنس ، فهي لعبة أنيقة رقيقة رشيقة هادية .. لا عنف فيها ولا تعصب .. تجمع بين ذكاء الشطرنج ومناورات البلياردو واستراتيجيات الكر والفر الممتعة للعين .. حتى صوت كرة التنس وهي ترتطم بمضرب اللاعب أو اللاعبة مريح لأعصابي ومحبب لنفسي !! حتى جماهير لعبة التنس تجد فيهم رقي واستعلاء رياضي جميل ، ففي أثناء اللعب يغلف الصمت المكان ولا تسمع إلا صوت الكرة وهي تتقافز هنا وهناك .. وعند انتهاء الجولة تسمع صوت الجماهير الذين حبسوا أنفاسهم احتراماً لتركيز اللاعبين ..

أيضاً أحب مشاهدة كرة اليد والكرة الطائرة وأحيانا كرة السلة لو كنت في مزاج رائق نوعاً ما!! وكلهم ألعاب جماعية .. ولكن كرة القدم !! لا أدري لماذا لا أحبها .. أو لماذا أكرهها!!

**********

بعد إلحاح طويل من أصدقائي وافقت على حضور (ماتش) بين الأهلي والزمالك في الملعب (تقريباً من عشر سنوات) .. كانت المرة الأولى والأخيرة !! وذهبنا الإستاد قبل الموعد بساعتين بناءاً على رغبتهم .. ومررنا من البوابة بشق الأنفس وأنا أحمل هماً خفياً للخروج منها مرة أخرى بسبب سوء التنظيم للدخول !! ووجدنا مقاعد بصعوبة أيضاً ، وارتميت أنا على مقعدي في هدوء منتظراً بداية المباراة ثم نهايتها .. وبدأت المباراة وأصدقائي يشجعون فريق الأهلي بكل حماس .. واحد منهم قال لي : (أنت فاكر نفسك قاعد في سينما ؟؟ قوم أقف شجع) .. وقفت وهللت بلا حماس .. فقط مجاملة لأصدقائي وليس لفريق الأهلي الذي لم أعرف حتى أسماء لاعبيه .. طاهر أبو زيد .. هشام يكن .. أحمد شوبير .. علاء ميهوب .. حسام وإبراهيم حسن .. رفعت الفناجيلي .. وهذه الأسماء قرأتها في الصحف وهذا يفسر وجود اسم رفعت الفناجيلي !!

واشتدت المباراة .. وبدأت جماهير الأهلي بإنشاد أغاني بذيئة عن فريق الزمالك .. ثم يقوم جماهير الزمالك بالرد عليهم بإنشاد أغاني لا تقل بذاءة عن فريق الأهلي .. ثم يقوم جماهير الأهلي بالرد عن طريق أغاني قذرة وقميئة عن جماهير الزمالك .. وبالتالي يقوم الزمالكاوية بالرد .. ثم تجتمع جماهير الناديين وتتحد في سب والدة حكم المباراة لأن كلا الفريقين يظن بأن الحكم يتعاطف مع الفريق الأخر .. ثم تقوم جماهير الأهلي بسب لاعب أهلاوي معين لأنه أضاع فرصة محققة لإحراز هدف ثمين .. ثم يهلل جماهير الأهلي لنفس اللاعب بعد فترة لنجاحه في إحراز الهدف مع إمكانية سماع هتاف الزمالكاوية اللاعنة لجدود اللاعب الأهلاوي وحارس مرمي الزمالك معاً !!

طبعاً ما يحدث في الملعب لا يختلف إطلاقاً عما يحدث في أي مقهى أثناء المباراة .. نفس التعصب الأخرق موجود في كل الحالات !! من الذي قال يوماً: الرياضة أخلاق ؟؟ وأي أخلاق يقصد ياترى ؟؟

**********

ذات مرة سألني صديق عرفته للتو : هل أنت أهلاوي أم زملكاوي؟؟

قلت في سرعة : لا أحب كرة القدم أساساً !

تساءل في دهشة : أفندم ؟؟

ردت ببرود فلسفي : كرة القدم بالنسبة لي مجرد قطعة جلد مملوءة هواء يحكمه (بلف) ، يهرول ورائها أثنان وعشرون أحمق يهلل لهم ملايين البسطاء .. هذه هي كرة القدم بالنسبة لي !!

هو : ؟؟؟؟؟!!!!!

**********

وأعترف بسعادتي البالغة لكرهي لكرة القدم !! وأعترف أكثر بتلذذي لمشاهدة الناس أثناء متابعتهم لكرة القدم .. ابتسم عند تعصبهم !! أتشفى عند هزيمتهم .. أتواضع نوعاً ما وأقوم بتهنئتهم عن فوزهم !!

كنت أتمنى تركيز ملايين الناس في قضايانا الوطنية عوضاً عن كرة القدم .. فبدلاً أن يخرج الناس في احتفالات بالفوز لمنتخبنا سرعان ما ننساه ، كان أجدر بهم الاجتماع والاتحاد على قهر الظروف القاهرة التي يعيش فيها مجتمعنا .. مثل قمع الحريات , تغير ما يلزم من الوزراء المقصرين .. نشر الوعي السياسي والثقافي والحضاري ..

أحم .. (بلاش كدة النهاردة .. مصر اليوم في عيد على رأي شادية) !

**********

عامة فرحة الفوز ستنضب يوما بعد يوم إلى أن تتلاشى تماماً .. ويعود البسطاء لهمومهم العادية .. مضافة إليه ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية (زيت ، سكر ، الأرز ، اللحمة ، الأدوية ، البنزين ، الجاز ، ... الخ ).

مصر يا حبيبتي ..

ألف مبروك .. مليون بوسة من شفايفي على المليون متر مربع هم مساحتك !!

وألف مبروك للأهلاوية والزمالكاوية والدراويش والإنباوية (بتوع إنبي) والناس الحلوة بتوع مصر ..

مبروك يا مصريين .

وائل!

5‏/2‏/2008

الأستاذ.

شعرت بالخجل الشديد من نفسي عندما علمت (بالصدفة) عن وفاة الأستاذ/ جمال بدوي !!

دعوني أولاً أقدم نبذة عن هذا الرجل :

يعد الاستاذ جمال بدوي من أشهر المؤرخين في العصر الحديث.. كتب في الشأن العام والتاريخ والسياسة والفكر وقدم البرامج في الإذاعة والتليفزيون، ولقب بشيخ الصحافة المتحرر . ونال على عطائه الغزير وسام العلوم والفنون من الطبقة الاولى عام 1995، كما حصل على الجائزة الاولى من جريدة "الشرق الاوسط" عن أفضل عام 1996، وحاز كتابه "أنا المصري" على اوسكار افضل كتاب في المعرض الدولي للكتاب عام 2004.

ولد محمد جمال الدين اسماعيل بدوي بمدينة بسيون بمحافظة الغربية عام 1934 ونشأ وتعلم في كتاتيبها ومدارسها الاولى، وتخرج في كلية الاداب جامعة القاهرة قسم الصحافة عام 1961، واثناء دراسته اختاره مصطفى أمين للعمل في اخبار اليوم.

انتدب عام 1972ـ مع اخرين ـ إلى دولة الامارات العربية المتحدة لاصدار صحيفة "الاتحاد" ، وشارك عام 1984 في تأسيس صحيفة الوفد مع الراحل مصطفى شردي وعمل مديرا للتحرير، ثم رئيسا للتحرير عام 1989، إلى ان استقال وعاد إلى "اخبار اليوم" وتخصص في كتابة الدراسات التاريخية في صحف مؤسسة اخبار اليوم ومجلة "المصور" بدار الهلال اسبوعيا والجمهورية والاتحاد الاماراتية والشرق القطرية.

كما أسس الراحل جمال بدوى جريدة "صوت الأزهر" عام 1999 . وأصدر حوالى عشرين كتابا في الفكر والتاريخ منها "فى محراب الفكر" الهيئة المصية العامة للكتاب 1998 و"محمد على وأولاده" 1999 و"مسرور والسياف.. واخوانه" 1996 و"مسلمون وأقباط من المهد إلى المجد" دار الشروق2000 و "فى دهاليز الصحافة" 2002 و"الطغاة والبغاة" 1996 و"مصر من نافذة التاريخ" و"مسافرون إلى الله بلا متاع" و"الوحدة الوطنية بديلا عن الفتنة الطائفية" و"حدث في مصر" و"معارك صحفية" و"المماليك على عرش فرعون" و"حكايات مصرية" و"أنا المصرى" و"من عيون التراث".

(المكتوب باللون الأحمر منقول من هذا الموقع )

بالصدفة البحتة وقع في يدي كتاب للراحل (جمال بدوي) اسمه {مصر من نافذة التاريخ} الصادر ضمن حملة مهرجان (القراءة للجميع) بتاع ماما سوزان لعام 1995!!

الكتاب يقع في 157 صفحة من الحجم المتوسط . وعندما رأيته أول مرة لم أكترث كثيراً بقراءته وظللت أتجنبه لسبب ما غير معروف لدي !! ربما لأنه يتبع المهرجان السنوي التابع لحرم جناب رئيس الجمهورية ، وأحياناً تكون هذه الكتب ناقصة وغير كاملة ويتم عرضها في تلخيص بخس يفسد مضمون الكتب نفسها !! ووجدتني يوماً أمسك الكتاب لا إرادياً وأبدأ في قراءته وأنا أخشى أن أندم أن أضيع وقتي مع (جمال بدوي) والذي لم أسمع عنه من قبل !!

مبدئياً كان الكتاب يتكلم عن التاريخ .. تاريخ مصر .. واستهل الكاتب بشخصية (شجرة الدر) – بالمناسبة : أسمها الحقيقي شجر الدر وليس شجرة الدر – والتي وصلت إلى حكم مصر في فترة تاريخية حرجة جداً توالت فيها الهزائم والحروب والدسائس والصراعات على السلطة على مصر !! وكان (أ/ جمال بدوي) يتساءل: كيف وصلت هذه الزهرة المتوحشة إلى عرش مصر .. فهي ولدت صعلوكة وتربت صعلوكة !!

ووجدت نفسي أتعايش وأندمج مع الأحداث بطريقة سلسة للغاية جعلتني أنتقل بخيالي إلى الماضي .. فأحياناً أتخيل نفسي أعيش في القصر مع (شجر الدر) كحارس يسمع ويستمتع بالنميمة التي تدور في ثنايا القصر ، ولكن مهمتي أولاً وأخيراً هي حماية ملكة مصر ولو ضحيت بحياتي فدائها ..وأحيانا أخرى أجد نفسي وصيفة الملكة الأولى ، حيث تتكئ الملكة كل ليلة على قدمي وتحكي لي هموم ومشاكل (شجرة الدر) الملكة .. واعترافات وحكايات عشق (شجرة الدر) الإنسانة !!

ثم يذهب الأستاذ إلى مرحلة الحملة الفرنسية ، ثم الحقبة التي تلت الحملة .. مروراً بمحمد علي الكبير ويشرح لك مزايا حكم هذا الرجل وعيوبه .. ويشرح لك بتأني كيف حدثت مذبحة القلعة والتي توقف عليها أحداث جلل في تاريخ مصر بعد ذلك .. وما فعل أبناء محمد علي بعده في الحكم .. هل كانوا بالصورة البشعة التي نعرفها عنهم ؟؟ أم بعض منهم لهم إنجازات تاريخية لا تنسى !! ثم ينتهي الكتاب بفصل (تحرير المرآة المصرية) أيضاً من خلال نافذة التاريخ .

يتميز الأسلوب السردي للأستاذ (جمال بدوي) بالسهل الممتنع .. فهو يوصف لك ما حدث في الماضي ، ويتركك لمشاعرك الخاصة لتختار انطباعك الخاص كيفما شئت ..

وفوجئت بانتهاء الكتاب سريعاً في يدي .. تماماً كمن يفاجأ بانتهاء كوب الماء الذي في يد شخص لازال يشعر بالظمأ الشديد .. ولعنت في سري مهرجان (القراءة للجميع) الذي يسمح بذبح صفحات الكتب بهذه الطريقة المهينة .. من سمح بإصدار تاريخ فترة مهمة من تاريخ مصر في 157 صفحة فقط؟؟ وكيف ؟؟ وقرأت الكتاب بعد ذلك مرة ثانية .. وثالثة .. وكل مرة يبهرني ذلك العالم الساحر الذي أدخل فيه بإرادتي ..

وبدأت رحلتي في مطاردة كتب الأستاذ (جمال بدوي) في كل مكتبة أدخلها .. وكم ألمني دهشة أصحاب المكتبات عندما أنطق اسم جمال بدوي !! يبدو الاسم غريباً عليهم نوعاًَ ما .. ومنهم من حاول تصويب الاسم لي على أنه : (جمال حمدان) .. وأنا أقول في إصرار : (جمال بدوي) ..

ستة أشهر تقريباً ولم أعثر على كتاب واحد للأستاذ !!

حتى في معرض الكتاب .. دخلت أجنحة كبار هيئات النشر .. وبحث بعيني المرهقتين عن اسم (جمال بدوي) في لهفة ، ولم أفلح أيضاً !! وبالصدفة البحتة دخلت جناح (دار الهلال) وقررت السؤال مباشرة لإصابتي بالزغللة في عيني جراء البحث الدءوب ، رد علي البائع بثقة ارتحت لها نوعاً ما : (تقريباً يوجد كتاب واحد لجمال بدوي) .. رددت عليه في لهفة : (إلي به من فضلك) .. ويبدو أن لهفتي للكاتب أثارت تعاطف ذلك الرجل فقال : (أسمع .. أعتقد بأننا نملك عدة كتب لهذا الكاتب .. سأحاول مساعدتك في البحث عنها هنا .. وأنت أيضاً عليك البحث معي) .. نظرت لهذا الرجل نظرة تعبر عن امتناني العميق جداً لمساعدته لي .. وتردد في عقلي أغنية (عظيمة يا مصر) لثوان قليلة .. وبعدها نفضت إرهاقي وأكملت البحث عن الكنز المفقود والذي لا توجد خريطة له .. وبعد فترة قال لي الرجل : للأسف لا يوجد إلا كتاب واحد له .. قلت له في لهفة طفولية : لا يهم ، سآخذه !! ونقدت الرجل ثمن الكتاب وشكرته بحرارة على مجهوده معي .. وخرجت من الجناح وأنا ممتلئ بأحاسيس الفخر كأني قائد منتصر في معركة حربية حامية الوطيس كما يقولون .. ولم أشعر بنفسي وأنا أخرج من أرض المعارض وابتسامة غامضة تعلو وجهي ..

في سنوات دراستي الأولى بالمدرسة .. كنت أعشق حصص العربي والتاريخ بصورة خاصة .. وكنت أتابع مدرس التاريخ والجغرافيا بلهفة عندما كان يتكلم عن التاريخ والشخصيات التاريخية : عرابي ، سعد زغلول ، نفرتاري ، مصطفى كامل ، رمسيس الثاني ، سيكننرع ، جمال عبد الناصر ، مينا ، محمد علي ، توفيق ، إسماعيل ، طوسون ، قطز) .. كانت الأشخاص التاريخية بالنسبة لي هم أنصاف آلهة لا يخطئون أبداً .. وكانت أكثر شخصية أثرت في هو (جمال عبد الناصر) ..

ثم تنوعت بعد ذلك مطالعتي للكتب الخارجية بجانب كتب الوزارة .. وبدأت أكتشف تناقضات مريبة بين ما نتعلمه في المدارس وخارجها .. أحمد عرابي تورط في ثورة شعبية لا قبل له بها ، وكانت عبارة عن تجمع غوغائي غير مدروس وغير معروف عواقبه ، حتى معاركه الحربية خسرها كلها (التل الكبير) ، وكان المنهج التعليمي لمادة التاريخ يبرر هزيمة عرابي بالخيانة وبشاعة المحتل الإنجليزية وعدم توافر الأسلحة الحديثة وأغلبية الجيش كانوا من الفلاحين البسطاء ورعونة الخديوي توفيق !! كل هذا مبررات فشل أحمد عرابي والتي تسببت في نفيه إلى سريلانكا !! فماذا قالت لنا كتب وزارة التربية والتعليم عن خفايا الأحداث ؟؟!!

سعد زغلول كان مدمن قمار ؟؟ يجوز كان له ريادي في جلاء الانجليز عن مصر ! ولا شأن لنا عن حياته الشخصية !! فهو بشر وله هفوات ، فإذا كان يسلي وقته في المنفى بلعب القمار فهذا شأنه ، ولكن ليس بأن تتناوله كتب الوزارة كشخصية أشبة بالملائكة .. وتقول عن إنجازاته (تأسيس حزب الوفد) !! وهل سيعلم تلميذ في المرحلة الإعدادية عن معنى حزب أصلاً ؟ أو اختلاف مضمون حزب الوفد عن الحزب الوطني ؟؟ بالمناسبة : سعد زغلول هو صاحب المقولة الشهيرة (مفيش فايدة .. غطيني يا صفية) ولا يعلم أحد هل يقصد مرضه أم شعب مصر ..

الخلاصة : عندما وجدت نفسي ضحية تعليم أحمق ضحل لبلد كتب عليه الانغلاق والعفن الفكري والتربوي والتعليمي .. قررت أن أبحث عمن يعلمني من جديد !! وكان منهم الأستاذ (جمال بدوي) .

فاللهم أغفر له حياً وميتاً ..

31‏/1‏/2008

فقط هي !

سألنتي : ماذا تعرف عن الحب ؟

قلت : وماذا أعرف غير الحب ؟


سألتني : ما هو الحب ؟

قلت : هو أن تصمت شفتاك وتتكلم عيناك!


سألتني : كيف أتعلم الحب ؟

قلت : ومن علم الرضيع البكاء في مهده يا عزيزتي ؟


سألتني : وكيف أحب ؟

قلت : سؤالك الصحيح هو : وكيف أعيش ؟ فالحب هو حياة .. والحياة حب .


سألتني : وما هو عكس الحب ؟

قلت : حتماً هو اللا حب ..


سألتني : وهل تحبني يا ترى ؟

قلت : أنظري لعيني جيداً .. ففيها كل مرادفات الحب بكل اللغات .. فقط أنظري في عيني !


سألتني : ومتى تتوقف عن حبك لي ؟

قلت : عندما تتوقفي على أن لا تكوني أنتي .. وتتحولي إلى أنتي أخرى .


سألتني : وهل ستحبني للأبد ؟

قلت : وحتى بعد أن يذبل الأبد ، وينبت بعده ألف أبد .. سأحبك .


سألتني : ولكني لماذا أحببتني أنا ؟

قلت : نعم .. لماذا أحببتك أنتي ؟؟


سألتني : وهل يكفيك حبي لك ؟

قلت : وهل يتحمل حبنا خفقات قلبينا ونحن معاً ؟


سألتني : هل ستحب أحد أخر مثلما أحببتني ؟

قلت : وهل يوجد في العالم شخص أخر ؟ أليست أنت كل أخر ؟


28‏/1‏/2008

مش لازم عنوان .. موضوع وخلاص !

عرينتي حبيبتي ..

الشتا السنة دي واضح أنه قاسي شويتين .. شد حيله من أول السنة من غير رحمة ، زعابيب ومطر وبرد وبرق ورعد .. مش نافع معاه البطانية والدفاية ولا الجاكيت !! يمكن فيه إحساس برئ جوايا بيدفيني من البرد ده ، ويمكن اللي مخليني صابر !!

المهم !!

الأيام دي الشغل مطلع عيني بجد .. مش لاقي نفسي خالص وتايه تماماً .. تصدقي إني ساعات أنسى أكل ؟؟ وساعات أنسى أني سقعان ؟ شكلي بقى مثير للشفقة فعلاً ..

عايز أقولك على سر .. من نوع (الأمير ودانه طويلة) .. بس مش عارف أقوله إزاي ؟؟ أنا قربت أتجنن يا عرينتي !! ألحقيني ..

واللا أقولك .. حقولك مرة تانية .. حقولك كل حاجة بالتفصيل .. وربنا يستر !!

بس النهاردة أنا جت لي فكرة مجنونة شوية !!

أنا قررت أعمل فيكي بلاج (شاطئ) خاص بيا .

.

المية فيه لونها أخضر على عسلي .. والرمل فيه بلون الدهب .. درجة الحرارة بقت 37 .. مفيش حد هنا غيري .. وأنا لابس (المايوه) بتاعي .. والبحر بيناديني !!

بس أنا واقف محتار بين البحر والرمل .. ياترى ألعب الأول بالرمل وأتمرمغ فيه وأعمل قصور وأسوار عملاقة ؟؟ واللا أنزل البحر وأبلبط فيه وأجري ورا الموج الأبيض المجنون ؟؟

واللا أقولك : أنا حنام على الكرسي (الشيزلونج) شوية وأخد حمام شمس .. وأمزمز شوية بالـ (كان) المشبر الساقع اللي مليان البيبسي ماكس ومش بيخلص !!

أو أقف في وسط البلاج وأغني بصوت عالي : (لما النسيم يعدي بين شعرك حبيبتي بسمعه .. بيقول آهات) .. وأنزل على ركبي وأمسك شوية رمل أرميهم في الهوا لما أجي عند الكوبليه بتاع (عايزاني ليه لما تقولي لي بعشقك .. ما أصرخش وأملا الكون آهات) !!

أو ممكن أجري على على الشط شوية زي الحصان المجنون لحد ما جسمي كله يعرق .. بعدين أتقلب على الرملة لحد ما الرملة تملا جسمي كله بعدين أجري على البحر عدل .. هو أنا كدة مش حبقى عامل زي الفراخ البانيه اللي بتتعمل في البقسماط وبعد تترمي في الزيت ؟؟ يا ستي مش مشكلة ..النهادرة إجازة من العقل والواقع .. النهاردة أنا قررت أنه يكون جنان خام .. وهو أنتي مش واخدة بالك إن المايوه بتاعي مكوي ؟؟ وهو حد يكوي المايوه بتاعه ؟؟

بقولك أيه !!

أنا معنديش وقت ..

عايز أتمرمغ !!

عايز أبلبط !!

عايز أمزمز !!

بس هو ليه الجو حر كدة ؟؟