23‏/1‏/2008

ما بين : نهاية البداية .. ولانهائية النهاية

هذا الصباح كاد أن ينتابني نوبة يأس شديدة غير معلوم سببها !!

بدأت الأحمال القاسية تتراصص على كتفي في عنف وأنا أحاول أن أنحيها بيدي .. كنت شبيها بـ (أطلس) في الأساطير الإغريقية ذلك العملاق الذي يحمل الكرة الأرضية كلها بيديه!! ولكنني كنت أحمل همومي الخاصة مما جعلها أثقل من وزن الكرة الأرضية على يدا أطلس القويتين !!


كنت واقفاً أمام مكتب عملي شارداً في لا شيء .. والأفكار السوداء تدور بعنف داخل عقلي الذي كاد أن يتحول إلى هلام (جيلي) من الأعاصير السلبية التي تدور فيه .. وبدأ ظهري ينحني شيئاً فشيئاً من كثرة الأحمال على كتفي .. ربما قريباً سأعلن استسلامي في معركة تدور ضدي من عدو هو عبارة عن (أنا) أخر !!

وبدأ تفكيري يتركز على شيء واحد فقط :

الدنيا !!

وبدأت أعلن سخطي الصامت عن الدنيا وبشاعتها وقسوتها .. وظهري ينحني أكثر وأكثر !!

إلا أن حس المنطق بداخلي بدأ يتساءل :

الدنيا ؟؟

كيف أحارب ما لا أعرفه ولا أفهمه ؟؟

ما هي الدنيا بالضبط ؟؟

هل هي تتلخص في حياتي أنا ومدى الملذات الحسية التي أشعر بها ؟؟

هل هي مزيج عجيب بين سرور وحزن ؟ ضحك وبكاء ؟ حب وكره ؟ قرب وفراق ؟

هل هذه مجرد (الدنيا) ؟؟

هل هناك هدف أخر ؟؟

هل يوجد شيء ما أكبر من الدنيا ؟؟ أم الدنيا هي أقصى ما نحصل عليه ؟؟

وكان نتيجة تكراري لكلمة (دنيا) أني توقفت قليلاً عند معناها ..

دنيا !!

لها نفس معنى كلمة (سفلى) .. أي أنها أدنى درجة من شيئاً ما ..

دنيا ؟؟ أدنى ؟؟

هل هذه صدفة في أوزان الأفعال يا ترى ؟؟ أم أنها مقصودة ؟؟

وفجأة شعرت بالخجل من نفسي للغاية عندما اكتشفت أن أكبر همي هو ببساطة لا شيء !!

وأخذت الأفكار تتسارع في رأسي بخفة ونشاط ..

ما هو الشيء الأكبر من (أدني) شيء ؟؟

ما هو أقصى وليس له أعلى ؟؟

ما هو أكبر وليس له أخر ؟؟

أخر ؟؟

هل هي الــ ....

الأخرة ؟؟

وانتفض جسمي فجأة من هول ما وصلت إليه ؟؟

نعم !!

الدنيا والأخرة !!

كلمتان متضادان في المعنى تماما!!

ثم جاء في عقلي جملة (اليوم الأخر) والتي سمعتها كثيراً من قبل ولم ألق لها بالاً .. فأنا أحسب عمري في الدنيا بالأيام .. ولكن .. (اليوم الأخر) لها معنى كبير رهيب .. أنه هو أخر يوم محسوس في الدنيا .. أخر يوم وتتوقف بعده كل التوقيتات المعروفة .. أخر إحساس بالزمن .. وبعده يبدأ الأبدية .. أخر إحساس بشقاء الدنيا لو كنت أنا عابد صالح وكانت الجنة من نصيبي .. وأخر إحساس بلهو الدنيا وملذاتها إن كنت عاصي فاسد وكانت جهنم من نصيبي .. أنه أخر كل شيء .. اليوم الأخر فعلاً !!

وفجأة أحسست بيد الله تحويني وتحتويني .. وتزيل من كتفي أحمالاً وهموماً كدت أن استسلم لها في يأس .. وشعرت الخجل من الله فنظرت للأرض ببطء في خشوع حقيقي .. وأغمضت عيني قليلاً أفكر في مصيري الحقيقي في الآخرة ؟؟ هل سيكون جهنم يا ترى ؟؟ هل سأقف نفس الوقفة هناك وأفكر في مصيري ؟؟

وارتعبت فجأة .. لو كانت جنهم مصيري ، فبما يفيد التفكير يا أحمق !! سيكون فات الأوان .. ستجلس وتفكر في العذاب والقهر الأبدي ..

إذن أنا لدى الفرصة الآن ..

انتهزها ..

لا تضيعها من فضلك ..

وفجأة وصل إلى أذني صوت لم ألتفت إليه من فترة طويلة .. صوت زقزقة العصافير من حولي .. رفعت رأس في بطء من الأرض إلى السماء .. وفتحت عيني التي كادت أن تمطر منذ قليل .. وتأملت العصافير وهي تحلق في شقاوة لذيذة وأركز أكثر كي أسمع غنائها المطلسم المليء بالألغاز .. ثم تحولت عيني إلى السماء نفسها .. العملاق الأزرق المليء بالقطن الأبيض المنثور عليها ..

وسرحت قليلاً فيها ..

وأينعت ابتسامة على شفتاي وأخذت تتسع وتتفتح كوردة تستحم في ندى الصباح الباكر بعد ليلة مظلمة أفسدتها أعاصير عاتية ..

ونقلت نظري إلى مدخل عملي في بساطة .. ومددت يدي إلى مقبض الباب .. ودخلت مكتبي أنا أحمل ابتسامتي على شفتاي .. سكينة في قلبي .. وسمواً في روحي ..

فعلاً !!

لا تجعل الدنيا أكبر همنا ..

اللهم آمين .

هناك تعليقان (2):

ayar يقول...

انا حسيت بكلامك اوى .. لانى فكرت نفس التفكير .. وحسيت نفس الاحساس .. وصدقنى شعورى بهوان كل شئ فى الدنيا بيجى فى لحظة مابفتكر انها دنيا .. وببتسم.. وبكمل ..

wael يقول...

برافو يا يوري